في هذه الأيام يحتفل أهالي منطقة الشمال باستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في زيارته التاريخية للمنطقة، يتطلع المواطنون لرؤية مليكهم، وهم يحملون له التقدير والحب، وفى المقابل يحمل الملك عبدالله الحب والخير لأفراد شعبه. المواطنون يدركون ماذا تعني هذه الزيارة لهم، وكيف سيقف - حفظه الله - على أحوالهم بنفسه من دون وسيط، سيرى ما أنجزته الدولة السعودية المعاصرة منذ تأسيسها في هذه المدن والقرى، سيرى كيف تحولت الهجر التي كانت الحاضنة الأولى للبادية، كيف تحولت إلى مدن تنعم بالخدمات الأساسية... سيرى - حفظه الله - كل هذا وسيتعرف على أوجه القصور التي يريد أن يتلمسها بنفسه، ويريد أن يلتزم بها المسؤولون التنفيذيون كل في إدارته. الملك عبدالله الذي يحمل استراتيجية التنمية المتوازنة لكل مناطق المملكة، يريد من كل مسؤول في حكومته أن يستفيد من تجربة التنمية وخططها على مدى أكثر من 35 عاماً منذ أول خطة خمسية التي بدأت عام 1970، هذه التجربة الطويلة لابد للأجهزة الحكومية من الاستفادة منها، بحيث تكون خطط التنمية أكثر فعالية وكفاءة لان التجربة ستختصر عاملي الزمن والجهد، وكذلك الكلفة وتجنب أوجه النقص. وهذه التجارب وتراكمها تجعل عملية التنسيق بين الوزارات التي تقدم خدمات مختلفة للمواطنين ضرورة ملحة وعملية عقلانية تستحق إعطاءها الأولوية في كل خطوات البناء المقبلة, لاشك أن مناطق الشمال المختلفة تحتاج إلى الكثير من البني التحتية خصوصاً ما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليم، إضافة إلى شبكة الطرق، فلو أخذنا التعليم كمثال بسيط على عملية التنمية التي شهدتها المملكة, فالملك سعود عندما زار منطقة الجوف عام 1373ه كانت بداية التحول من أسلوب التعليم القائم على الكتاتيب إلى التعليم النظامي، وبدأت مدارس المرحلة الابتدائية على أصابع اليد لا تتجاوزها، وكان التعليم الابتدائي وقتها كافياً لتنضم إلى مهنة التدريس أو السلك العسكري ومجرد دورة بسيطة لا تتعدى ستة أشهر تصبح ضابطاً في الجيش السعودي... هذا ما يرويه كبار السن. واليوم يصل الملك عبدالله، حفظه الله, إلى منطقة الجوف بعد أكثر من نصف قرن، لقد كانت زيارة الملك سعود حدثاً تاريخياً بالنسبة لمنطقة الجوف مازال جيل بأكمله يتذكر تلك الزيارة بتفاصيلها، وأصبح الكثير من المواطنين يؤرخون لها، واليوم عندما يزور الملك عبدالله - حفظه الله - الجوف فنحن لا نتحدث عن التعليم العام للجنسين فهذه قضية مفروغ منها، فالمدارس في كل حي وليس في المدن الكبيرة فقط ولكن في القرى والهجر أيضاً. فالتعليم يلاحق المواطنين أينما كانوا، اليوم نحن نتحدث عن التعليم الجامعي وكيف يمكن وضع استراتيجية متكاملة للرقي بمستوى التعليم في المنطقة، كل المواطنين في المملكة يعرفون تماماً رؤية الملك عبدالله للتعليم, فهو الذي في كل مناسبات التعليم يطالب بتحديث المنهجية في التعليم العالي, وهو الذي يطالبنا بالابتعاد عن التلقين وتعويد الطالب على البحث عن المعلومة، وهو الذي يرى أن التعليم في المملكة يجب أن يدخل المنافسة على المستويين الإقليمي والعالمي، وهو الذي يرى أن التعليم هو الأساس في بناء الإنسان في عالم متغير، وهو الذي فتح باب الابتعاث على أوسع الأبواب لكي يستفيد المواطن السعودي مما وصلت إليه شعوب العالم المتقدمة في مجال التعليم، ليثروا من خلال الاستثمار في تعليمهم مجتمعهم السعودي معرفياً ومهنياً لتمتزج الخبرة الأجنبية بالخبرات المحلية، وهذا كله في مصلحة الإنسان السعودي وفى مشاريع التنمية بالبعد الشامل. وانطلاقاً من هذه الرؤية الواضحة في ذهن خادم الحرمين الشريفين فان التعليم الجامعي في مناطق المملكة ومنها منطقة الجوف, يجب أن تركز في جامعة واحده تضم تحتها كل فروع المعرفة المختلفة, وذلك توفيراً للإمكانات والاستفادة منها إلى أقصى درجة ممكنة, لان العملية التعليمية متكاملة, فالأساتذة في تخصص معين، خصوصاً في ضوء ندرة الأساتذة المميزين يمكن أن يستفاد منهم في أكثر من تخصص, فأساتذة الرياضيات على سبيل المثال يدرس في كلية العلوم، وكلية الزراعة وكلية الحاسب الآلي، أستاذ الأحياء يدرس في كلية العلوم وكلية الطب وكلية العلوم التطبيقية والصيدلة والزراعة، وهكذا فوجود التخصصات والكليات في حرم جامعي واحد يوفر الأساتذة والمعامل والمباني ويستقطب نوعية الطلاب المميزين ويرفع مستوى المنافسة بينهم، فوجود كلية طب في جامعة الجوف يتطلب مجموعة كبيرة من الأساتذة المميزين في كل الفروع المعرفية،وهذا يتطلب وجود مستشفى تكتمل فيه كل التخصصات الطبية، ووجود المستشفى على مستوى متقدم من الخدمات الطبية يوفر على المواطنين معاناة السفر إلى خارج المملكة لتلقي علاجهم في بعض الأمراض التي يستسهلون مراجعة الأطباء في الدول العربية المجاورة على الانتظار للسفر إلى المستشفيات المتخصصة في الرياض أو جدة أو غيرها من المراكز المتقدمة. وعلى هذا الأساس فإن جامعة الجوف يجب أن تستقطب كل التخصصات التي يراد توفيرها في المنطقة في مكان واحد, مع توفير السكن للطلاب القادمين من المدن والقرى المجاورة, وكذلك أعضاء هيئة التدريس، ومن هنا تنشأ مدن جامعية تتخذ جودة التعليم أساساً لبرامجها بدلاً من تشتت الجهد وتدني المستوى التعليمي، وهذا بطبيعة الحال يتطلب وجود شبكة من الطرق بين هذه القرى والمدن، بحيث تستفيد من خدمات الجامعة في تنمية المجتمعات المحلية, أما أن توجد كليات متفرقة في مدن مختلفة فهذا يضعف مستوى التعليم ويشتت الجهد، وهذه ليست النتيجة التي يعمل الملك عبدالله على تحقيقها. إن زيارة الملك عبدالله لمنطقة الجوف ستكون حدثاً تاريخياً سيغير مسيرة التنمية في المنطقة وعلى رأسها التعليم الذي هو الأساس في تقدم اى مجتمع، وان الملك عبدالله سيضع الرؤية المناسبة التي تخدم الوطن والمواطن في كل جزء من بلادنا. * أكاديمي سعودي.