لماذا أحدث صدى تدشين المدن الجامعية هذا الحراك في المجتمع السعودي المحلي؟ المبلغ الذي أنفق على المرحلة الأولى وسينفق على الثانية 8.5 مليارات ريال ليس بالمبلغ غير المألوف في المشاريع التنموية الكبرى. كما أن بناء مدينة جامعية أو حتى عشر مدن جامعية ليس بالحدث الخارق الذي تتفاعل معه كل الأوساط! النظر إلى منظومة المدن الجامعية للجامعات الناشئة في كل من جازان ونجران والباحة والجوف والحدود الشمالية وتبوك وحائل والخرج والمجمعة وشقراء، ومجمعات أكاديمية في كل من رابغ وشمال جدة وحفر الباطن والنعيرية والخفجي، والمدن الجامعية للطالبات في كل من جامعة الإمام والملك سعود وأم القرى، يجب أن ينظر إليه من خلال الأثر بعيد المدى الذي ستحدثه تلك المدن الجامعية والفروع في تلك المناطق والمحافظات. وإذا كان وجود 10 من حملة الدكتوراه في منطقة واحدة من تلك المناطق يحدث فرقا نوعيا لما لهم من أثر معرفي وثقافي وفكري وعلمي في محيطهم فلنا أن نتخيل الفرق الذي سيحدثه في كل منطقة من تلك المناطق آلاف السعوديين من حملة الدكتوراه المتخرجين من عدد كبير من دول العالم الصناعية، ومعهم أفراد أسرهم الذين تعلموا أيضا في تلك الدول، وعشرات الآلاف من طلابهم الذين يتلقون تجربة أساتذتهم الحضارية وموادهم العلمية. الملك عبدالله بن عبدالعزيز راهن على الإنسان ... على مواطن هذا البلد، لم يراهن على النفط ولا على المواد الطبيعية الأخرى، ويعرف أن أي دولة تعتمد على مورد اقتصادي واحد هي دولة فقيرة ومعرضة مستقبلا للخطر خصوصا إذا كان ذلك المصدر ناضباً كالنفط. وليس أمام دولة مثل المملكة سوى التحول نحو اقتصاد معرفي نجحت فيه دول أخرى عديدة، وأساس هذا المصدر الجديد هو المواطن، وخصوصا الشباب ولذلك توجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز نحو شباب وشابات هذا الوطن وأعطاهم من وقته وحرصه واعتمد بسخاء المبالغ اللازمة لتعليمهم وتأهيلهم في الداخل والخارج. الدعم بالقرار وبالمادة وجد لدى وزارة التعليم العالي خطة جاهزة للتعليم العالي ولذلك لم يضع الوقت في التفكير في كيفية استخدام تلك الموارد المادية، ولم يكن هناك تخبط وإنما ضخت الثروات والتوجيهات الحياة في جسد الخطة طويلة المدى التي كانت جاهزة وتنتظر التمويل. 24 جامعة حكومية، و9 جامعات ما بين خاصة وأهلية، وحوالي 500 كلية غطت المدن والمحافظات ووصلت بعض المراكز الإدارية. تخصصات نوعية تناسب سوق العمل، توسع أفقي وكمي استوعب أكثر من 90% من خريجي المرحلة الثانوية، وهي نسبة قياسية عالمية لم نكن نتخيل حدوثها قبل عقدين من الزمان، وبغض النظر عما إذا كان صحيحا التوسع في قبول خريجي الثانوية في التعليم الجامعي فإن المرحلة الحالية في ظل عدم وجود بدائل لخريجي الثانوية تجعل وزارة التعليم العالي أمام مسؤولياتها، وهي تتحملها بلا شك. هذا التوسع الكمي صاحبه فرض للجودة من خلال الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي، وبنهاية عام 1434ه لن يكون هناك برنامج أكاديمي غير معتمد من الهيئة وستعلن مستويات الجامعات بشفافية. أعتقد أن المدن الجامعية الحديثة التي شيدت للجامعات الناشئة تعد مراكز تنوير تشع بالعلم والمعرفة، وتعطي الطالب خيار التعلم قريباً من أسرته، وفي ذلك راحة له وطمأنينة ومحافظة على روح الأسرة واجتماعها. كما أن البعد التنموي للجامعات الناشئة بمدنها المشيدة يشكل مراكز جذب تنموي في مجالات الاقتصاد الشامل، وقد لاحظنا كيف تغيرت مدن في المناطق البعيدة بعد افتتاح تلك الجامعات فيها. وإذا عدنا للوراء لأربعة عقود مضت سنتذكر بأن المدن العسكرية أسست لتنمية اقتصادية في خميس مشيط وتبوك ونجران وحفر الباطن وغيرها، وتلعب المدن الجامعية الآن دورا مماثلا ولكن بتوسع أكبر وباستحداث مسارات تنموية أكثر شمولا في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وينتظر منها إن شاء الله أن تكون جاذبة ومحركة للتنمية المستدامة..