بيروت، لندن - «الحياة» ، ا ف ب - لا أحد يعلم على وجه الدقة عدد العسكريين السوريين الذين انشقوا عن الجيش بسبب الاستخدام المفرط للعنف ضد المدنيين. وتقول مصادر معارضة سورية، إن عددهم من 10 إلى 15 ألف عسكري، وتتراوح رتبهم العسكرية بين جندي وعقيد. أما هدف الجنود والضباط المنشقين، فهو أولاً التشجيع على المزيد من الانشقاقات في اوساط الجيش، واستهداف مواقع هامة عسكرية للجيش السوري، من بينها الهجوم على مقارّ لمخابرات الحربية ومخابرات القوات الجوية، عن طريق هجمات مفاجئة انتقائية على طريقة «حرب العصابات». وقد قرر الملازم اول أمين الانشقاق عن الجيش السوري بعدما رأى بعينيه وحدات عسكرية تساندها فرق «الشبيحة» تقتحم مسقط رأسه في محافظة حمص وتطلق النار على مدنيين عزل، فسارع إلى إخراج والديه وأشقائه من سورية ثم تسلل الى لبنان. ويقول الضابط الشاب: «دخل عناصر الجيش منزل ناشط (معارض) وأطلقوا النار على قدمي زوجته وابنته كي تخبرا عن مكانه». ويضيف أمين (25 عاماً)، الذي كان في اجازة قصيرة في بلدته خلال شهر حزيران (يونيو) لدى حصول عمليات الدهم: «اثناء عمليات التفتيش، كان الشبيحة ينهبون المنازل ويحطمون محتوياتها». ويتابع: «تركت لأُرضي ضميري، فأنا دخلت الكلية الحربية لأحمي وطني وشعبي، على اعتبار ان جيشنا سيحرر الجولان وليس حمص ودرعا». وأمين واحد من كثيرين فرّوا من الجيش وأجهزة الامن ولجأوا الى لبنان المجاور، عبر مسالك جبلية وعرة غير قانونية، او الى تركيا، التي هرب اليها اول الضباط المنشقين المقدم حسين هرموش في حزيران وأعلن منها في وقت لاحق إنشاء «الجيش السوري الحر»، قبل ان يقع في قبضة السلطات السورية مجدداً. وعلى غرار أمين، قرر المساعد في المخابرات العسكرية رامي (40 عاماً) ترك جهازه «قبل أن أقتل أحداً (تلبية لأوامر رؤسائه) أو أتعرض للقتل (في حال رفض الأوامر)». ويتحدث رامي من مكان إقامته السري في لبنان، عن حالة من «الهرج والمرج والإرباك» تصيب عناصر الامن والجيش في سورية لدى تلقيهم أوامر بإطلاق النار على متظاهرين، تدفع الكثيرين منهم الى «التواري في الأحياء الداخلية عن عيون الضباط» الى حين انتهاء المهمة. ويقول رامي، الذي وصل الى لبنان في شهر حزيران، إن «العسكريين الذين كانوا يثيرون شكوك قيادتهم، كانوا يوضعون في الصفوف الامامية لإطلاق النار على المتظاهرين لاختبار ولائهم، او تتم تصفيتهم ويقال لعائلاتهم انهم سقطوا برصاص العصابات المسلحة». ويروي المجند الفار يوسف (21 عاماً) أنه حاول مرة أن يناقش رفاقاً له في عدم صدقية مقولة السلطات حول انتشار «العصابات الارهابية، وعلى الأثر جاءني تهديد بالقتل من ضابط». ويقول يوسف، الذي شارك في مهام عدة لقمع المتظاهرين: «كنا نتلقى تعليمات بإطلاق النار بشكل عشوائي على متظاهرين وغير متظاهرين». ويشير إلى ان عناصر كتيبته اطلقوا النار في احدى مناطق حمص على رجل خمسيني «مزارع على الارجح كان على دراجة هوائية»، من الخلف ومن دون سبب يذكر. وظل الرجل ملقى على الارض امام باب منزله ينزف لساعات من دون ان يُسمح لأفراد عائلته بإسعافه، حتى فارق الحياة. وكان يوسف يخدم في صفوف كتيبة بدأت الشبهات تحوم حولها، لأن عناصرها لم يكونوا يطلقون «اكثر من أربعة آلاف طلقة في كل عملية». ويقول: «تلقينا إنذاراً من العقيد قائد الكتيبة، الذي قال لنا: غداً ممنوع على أي عسكري ان يعود ومعه طلقه واحدة». ويؤكد العسكريون الفارون إنهم يعيشون متخفّين في لبنان، وفي خوف مستمر من ان يتم استهدافهم من اجهزة امنية معينة او مجموعات لبنانية موالية للنظام السوري. ويؤكدون أن رفاقاً لهم يقولون إن أعدادهم بالآلاف، تركوا الجيش ويتجمعون داخل المدن والقرى السورية استعداداً لمواجهة مع القوات الموالية للنظام. ويقول ماهر، وهو عضو في تنسيقيات محافظة حمص وفرَّ الى لبنان الشهر الماضي بعدما صار مكشوفاً للأجهزة الامنية: «الكثيرون لا يصرحون عن انشقاقهم خوفاً على أهلهم». ويضيف: «اذا كان المجتمع الدولي يريد حقاً ان يحمي الشعب السوري من دون ان يتدخل عسكرياً، فليرسل ذخيرة الى الجنود المنشقين قبل ان ترتكب عصابات النظام مجازر جديدة». وكان ماهر يساعد مع رفاق له جنوداً على الفرار، عبر إيجاد مأوى لهم وتأمين ملابس مدنية وطعام. ويقول: «تمكنّا من إدخال مجموعات كبيرة من المنشقين الى مناطق آمنة في حمص، بينما قتل غيرهم بأبشع الأساليب، وقد رأيت ثلاثة يموتون دهساً تحت المدرعات». ويُجمع الخبراء على ان حالات الانشقاق في الجيش لا تزال محدودة وتقتصر على افراد ومجموعات صغيرة تخوض اشتباكات مع الجيش، على غرار ما جرى في الرستن في محافظة حمص في الايام الماضية. ويفسر أمين ذلك، بأن «النظام لا يحرك الألوية كاملة، إنما كتائب متفرقة من ألوية عدة يجمعها في مكان واحد، فلا تعرف كل كتيبة ولاء الاخرى ويسود الخوف وانعدام الثقة بينها». وينقل أمين عن زميل له أنه نهره قائلاً: «قد تكون ضابطاً منشقاً، فالكل في منطقتك خونة». غير أنه يؤكد في الوقت نفسه، أن العديد من الضباط «يتضامنون مع الثوار... ويرفضون تنفيذ أوامر إطلاق النار».