"خليج الكوارث البيئية، ومخزن الأوبئة"، ربما هو الوصف الأقرب إلى الدقة في وصف حال الخليج العربي، الذي شهد خلال العقود الثلاثة الماضية عمليات تدمير متواصلة لبناه التحتية، كان أبرزها ما حدث قبل نحو 17 عاماً، إبان الغزو العراقي للكويت، حين انسكب في مياهه نحو مليوني برميل من النفط، إضافة إلى إحراق أكثر من 732 بئراً نفطية 85 في المئة من عدد آبار الكويت، ما اعتبر حينها"أكبر كارثة بيئية واجهتها المنطقة"، إذ امتدت بقعة النفط المتسربة على طول المنطقة الواقعة بين الخفجي شمالاً وجزيرة أبو علي جنوباً، فيما وصلت الكرات النفطية إلى منطقة الدمام. وهددت هذه الكارثة 52 نوعاً من الطيور، ودمرت البيئات الساحلية، وبخاصة نبات الشورى وبيئة المسطحات الطينية والبحيرات شبه المغلقة، كما أثرت هذه الكارثة في مصائد الأسماك والروبيان، وبخاصة في الشمال الشرقي من الخليج العربي وخليج منيفة، إضافة إلى تشويه الأماكن الترفيهية في الشواطئ. يبلغ طول ساحل الخليج العربي 3340 كيلومتراً، فيما يتباين عرضه بين 56 كيلومتراً في منطقة مضيق هرمز، وأقصى عرض له 338 كيلومتراً. وتُقدر مساحته بنحو 249 كيلومتراً، فيما تتراوح تقديرات حجم المياه الموجودة فيه بين 7800 و7860 كيلومتراً مكعباً. ويعتبر الخليج العربي"بحراً صغيراً"، كما يصنف هذا الحوض المائي بأنه"خليج ضحل، ومياهه هادئة نسبياً"بالقياس مع البحار الأخرى. ويبلغ متوسط العمق فيه 35 متراً، ويتميز الجانب الشرقي الإيراني بعمقه، إذ يتراوح عمقه بين 90 و100 متر، أما الجانب الغربي العربي فيمتاز بضحالته ووجود تجمعات المرجان والتلال والقباب الملحية. وتتراوح نسبة ملوحة المياه السطحية في الخليج بين 37 و41 في المئة. الناظر إلى مياه الخليج العربي يجدها لازوردية صافية، بيد أنها مهددة منذ نحو ثلاثة عقود من أسوأ عوامل التدمير البيئية، المتمثلة في عمليات إنتاج النفط وتصديره، والحروب، وعمليات التصنيع على شواطئه، والدفن والتجريف الجائرين، وحتى نشاط تحلية المياه المالحة لم يخل من إسهامات سالبة في هذا الصدد. وكشف مركز المساعدة المتبادلة للطوارئ البحرية لدول الخليج العربية ميماك، في تقرير أصدره أخيراً، ان"نسبة التلوث النفطي التي أصابت الخليج العربي تصل إلى 30 في المئة من إجمالي التلوث البحري العالمي". فيما أشارت دراسات بيئية إلى أن"التلوث بالنفط في الخليج يتجاوز التلوث على المستوى العالمي بالنسبة إلى وحدة المساحة 47 مرة. ويأتي 77 في المئة من التلوث من عمليات الإنتاج البحري والناقلات". وأوضح الدكتور عبدالعزيز السويلم من معهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، في بحث حمل عنوان"التلوث البيئي في الخليج والبحر الأحمر"، ان"نسبة النفط المنقول عبر البحر الأحمر والخليج العربي 70 في المئة من النفط العالمي". وقال:"إن ناقلات النفط تشكل 45.5 في المئة من مصادر التلوث البحري توجد 12 ألف ناقلة نفط تعبر مضيق هرمز سنوياً، ويتوقع ان يتضاعف عدد السفن خلال السنوات العشر المقبلة، بسبب تنامي الاقتصاد الإقليمي والعالمي. وتحمل هذه الناقلات 56 في المئة من النفط المصدر عالمياً، بما يعادل بليون طن متري في السنة. وتأتي الخزانات ومنصات الإنتاج في المرتبة الثانية بعد الناقلات كمصدر للتلوث، بنسبة 45.3 في المئة، أما الأنابيب فتشكل 8.8 في المئة، من التلوث البحري". وشهد الخليج العربي خلال العقود الثلاثة الماضية حوادث تسرب عدة من آبار النفط وناقلاته، كان أبرزها انفجار أحد الحقول النفطية البحرية السعودية في تشرين الثاني نوفمبر العام 1981، ونجم عنه تدفق حوالى 80 ألف برميل كونت بقعة زيتية بلغ طولها 95 كيلومتراً، ووصلت إلى الشواطئ القطرية والبحرينية. وكذلك حادثة ناقلة النفط اليونانية بونيانا قرب دبي، وكذلك حادثة ناقلة النفط القبرصية بوتيانا على بعد عشرة أميال من دبي العام 1987، فيما كانت تنقل 110 آلاف طن من النفط الخام، إضافة إلى تسرب مليون برميل من آبار"نوروز"الإيرانية على مدى 16 شهراً بين العامين 1983 و1984، وتعتبر أطول فترة بقعة نفطية في العالم، وانفجار أنابيب النفط في الاحمدي الكويت العام 1982. وفي نيسان أبريل العام 2001 وقعت حادثة ناقلة النفط"زينب"العراقية، التي تسرب منها 1300 طن قرب سواحل دبي، وفي أيلول سبتمبر العام 2001، وقعت حادثة الناقلة"جورجيوس"البنمية، المحملة ب 1900 طن قرب السواحل الكويتية.