أكاد أجزم بأن أحد أهم القرارات، القرار الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم في مسيرتها الحالية نحو إيجاد الحلول المناسبة لقضية البطالة التي تسيطر على معظم الخريجين الجدد في غالبية التخصصات التربوية والعلمية، الذين - أي الخريجين - أصبحوا يشكلون طابوراً طويلاً أمام مكاتب الوزارة، وديوان الخدمة المدنية، وأبواب المؤسسات التعليمية الخاصة، والشركات والمؤسسات، ما يؤثر سلباً على الوضع الاجتماعي والنفسي والاقتصادي لهذه الشريحة العريضة من مكونات المجتمع السعودي الذي يعاني من مشكلات جمة نتيجة هذه البطالة التي تطال أكبر وأهم نسبة شبابية على تراب الوطن. هذه الفئة الغالية على قلوبنا - أي فئة الشباب - التي تبدأ حياتها الجديدة بعد سنوات من الجد والاجتهاد في أروقة الجامعات والكليات، يحدوها الأمل الكبير في الحصول على وظائف مناسبة، وتكوين أسر تكون نواة صالحة لخدمة هذا الوطن العزيز في الحاضر والمستقبل، ولكن يا فرحة ما تمت نسمع في المسلسلات العربية، إذ لم يمضِ على تطبيق قرار التعاقد مع الخريجين الجدد من الجامعات السعودية بمختلف التخصصات التربوية والعلمية لتدريس الكبار في المدارس المسائية أكثر من عام فقط، ليفاجأ هؤلاء المعلمون الشبان بالقرار"الغريب"الذي يقضي بعدم التجديد لهم، وكذلك عدم التعاقد مع معلمين من الفئة نفسها، والعودة مجدداً للتعاقد مع المعلمين الرسميين الذين يشغلون في الأساس وظائف تعليمية في الفترة الصباحية، وكل ذلك بحجة أن أولئك المعلمين الجدد غير قادرين على التدريس في مدارس تعليم الكبار في الفترة المسائية، على رغم حصولهم على دورة معتمدة من الإدارة العامة للتربية والتعليم بمسمى"طرق وأساليب تعليم الكبار"، هذا بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة منهم سبق لهم التدريس في المدارس الخاصة. وقد أحدث هذا القرار المفاجئ تداعيات وصعوبات لا حصر لها لهؤلاء المعلمين الشبان، الذين يعدون بعشرات الآلاف، وهم منتشرون في أرجاء الوطن، يقدمون كل ما لديهم من خبرات ? ولو كانت قليلة - وجهد وإخلاص لتدريس الكبار برواتب متواضعة، وحوافز شبه معدومة، ولكنهم متمسكون بخيط رفيع من الأمل علّ هذه الوظيفة الموقتة - تكون خطوة أولى أو ثانية، أو مهما كان رقمها لتثبيتهم وحصولهم على فرصة العمر للتدريس في التعليم النظامي، أسوة بزملائهم الذين سبقوهم في مجال التربية والتعليم... لقد ضحى معظم هولاء الشبان بوظائفهم في المدارس الخاصة والمؤسسات والشركات وفضلوا التعاقد مع وزارة التربية والتعليم وبرواتب أقل بكثير من الوظائف الأخرى، إلا أنهم وبداعي الأمان والاستقرار الوظيفي - هكذا كانوا يعتقدون - اختاروا وظيفة تعليم الكبار بوزارة التربية والتعليم. لقد سبق لي أن عملت في تعليم الكبار، وكم أجدها حالة شاذة وغريبة بأن يشغل المعلم وظيفتين نهارية ومسائية في اليوم الواحد، ويتقاضى راتبين على ذلك، بينما الآلاف من شباب الوطن يقبعون في بيوتهم أو يتسكعون في الأزقة والشوارع عرضة لكل سوء، وهم يطالبون بإيجاد فرص عمل لهم وللخريجات مثلهم في بلد يحسده القاصي والداني على غنائه وخيراته وثرواته، وحينما تأتي هذه الفرصة السانحة ويجدون وظيفة ما هنا أو هناك تكثر المفاجآت والمفارقات والقرارات الغريبة، التي آخرها قرار وزارة التربية والتعليم بإلغاء التعاقد مع خريجي الجامعات الجدد للتدريس في المدارس المسائية! وهنا أود أن أهمس في أذان أصحاب القرار في وزارة التربية والتعليم إزاء الكم الهائل بهدوء، وأقول: إذا لم تكن هناك قدرة لهؤلاء المعلمين الشبان على التدريس في المدارس المسائية، التي تستقبل دارسين حضروا لا من أجل التفوق في الدراسة أو اكتساب العلوم - إلا ما ندر ? بل للحصول على شهادة قد تفيدهم في حياتهم الوظيفية... فماذا نقول لمعلمي أبنائنا ومستقبل بلادنا وأمل الغد المشرق في مدارسنا النظامية بمراحلها الثلاث؟ [email protected]