في عالم الكرة المستديرة وأجوائها المثيرة ولحظاتها الجميلة والمريرة، تتجه الأنظار دوماً وأبداً نحو اللاعب الموهوب الذي يرسم أجمل لوحاته الفنية، ويسطر أروع مستوياته الأدائية وينثر إبداعاته الكروية على المستطيل الأخضر، إذ يحظى بالعناية والإهتمام والتقدير والاحترام من أعضاء شرف ناديه وإدارته ومحبيه وجماهيره في كل مكان، حتى تحين لحظة الوداع، وتأتي ساعة الاعتزال التي تكتب الفصل الأخير في مسيرة اللاعب الناجحة ومشواره الرياضي الحافل مع ناديه ومنتخب بلاده، وهو العرف السائد الذي درجت عليه الأندية الرياضية في أنحاء العالم. في نادي النصر تحديداً، ظهرت موهبة لاعب فنان من درجة الناشئين، اسمه إبراهيم ماطر، شق طريقه إلى عالم النجومية بسرعة الصاروخ، وفرض بموهبته الكروية الرائعة وأدائه الفني الراقي حضوره القوي في الفريق الأول، وأبهر النقاد والرياضيين في بداية حياته الرياضية، ونال شرف الانضمام إلى المنتخبات الوطنية السنية، وكتبت مسقط العمانية شهادة ميلاده في قاموس النجومية عقب تألقه وإبداعه وتوهجه مع"الأخضر الشاب"، الذي كان يشارك آنذاك في دورة الصداقة الدولية بقائمة عناصرية مميزة، كانت تضم إلى جانب ماطر كوكبة رائعة من اللاعبين، أمثال الغشيان وعبيد الدوسري وعبدالله سليمان وشلية وغيرهم من اللاعبين. واصل ماطر مشواره الكروي الناجح، وكانت مهاراته الفنية العالية واختراقاته الرأسية الهائلة السمة البارزة، التي ارتسمت على أدائه الجذاب حتى أن الجماهير النصراوية كانت تتفاعل مع كل كرة يتسلمها أو يمررها، ويزداد التفاعل مع مهارات ماطر وتسحيباته واختراقاته السريعة التي يتجاوز فيها اللاعبين ويجندل المدافعين، حتى بات يشكل خطراً كبيراً ورعباً حقيقياً للمدربين في الفرق المنافسة. عاش في زمن رحيل النجوم، وتزامنت بداياته في الفريق الأول مع اعتزال الرباعي الذهبي ماجد عبدالله ويوسف خميس ومحيسن الجمعان وفهد الهريفي، وحاز معهم قبل الرحيل على بعض البطولات والإنجازات النصراوية داخل السعودية وخارجها، ورشحته الجماهير الكبيرة إلى إكمال المسيرة وحصد المزيد من الألقاب الصفر في الاستحقاقات الكروية المختلفة. ومع المنتخبات السعودية ذاق ماطر حلاوة الذهب والبطولات والإنجازات مع فئات الشباب والأولمبي والأول على المستويات كافة، الخليجية والعربية والآسيوية والعالمية. وكان عنصراً فعالاً ومؤثراً في وسط الميدان وأحد الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها مدربو"الأخضر"، وأسهم بأهدافه الجميلة وتمريراته الذكية ولمساته السحرية في تحقيق الكثير من الألقاب السعودية، التي دونت في سجل المنجزات الوطنية. عانى ماطر من تعدد الإصابات، وتراجع مستواه كثيراً بسبب تراجع أداء النصر، نظراً إلى افتقاد الفريق للمواهب الكروية اللامعة أمثال ماطر، ومن يومها بدأت المعاناة الحقيقية وازدادت المطالبات الجماهيرية في السنوات الأخيرة بتعديل الوضع، وإبعاد اللاعبين الذين توقفت عطاءاتهم الفنية، وما زاد الوضع تعقيداً فشل النادي في إبرام عقود مع محترفين أجانب بارزين وجلب لاعبين محليين مميزين، ليتواصل التدهور وينافس الفريق على مراكز المؤخرة، بدلاً من المقدمة وهبت رياح التغيير على نادي النصر، وشملت الجميع ما عدا اللاعبين الذين يمثلون الفريق، واستمر الفشل يطارد العالمي في كل استحقاق ومسابقة محلية أو عربية، وأشارت أصابع الاتهام مجدداً إلى اللاعبين وطلب من النصراويين ضرورة إجراء غربلة كاملة وشاملة للفريق، وإتاحة الفرصة للمواهب الشابة والاعتماد على القاعدة، بدلاً من سياسة تجديد الثقة التي دهورت النادي وعصفت بآمال جماهيره ومحبيه. بعد لقاء الفيصلي وكارثة الخسارة الرباعية، تحركت الإدارة النصراوية وقررت الاستجابة للنداءات الجماهيرية، لكن المفاجأة كانت في أن القائمة التي شملها قرار الإبعاد، ضمت اللاعب إبراهيم ماطر، الذي لم يشارك حتى الآن في لقاءات الفريق، إذ تصدر اسمه قائمة الإبعاد الشهيرة، في تصرف وضع أمامه أكثر من علامة استفهام، خصوصاً أنه خدم فريقه ومنتخبات بلده لسنوات طويلة، ولم يكن مستواه الفني سيئاً حتى يتم طرده بتلك الصورة الغريبة، وكان من الأجدر أن يشمل القرار اللاعبين أصحاب النكسة الصفراء من سنوات، الذين لم يقدموا ولو 10 في المئة مما قدمه ماطر لناديه طوال مشواره الرياضي، والجماهير النصراوية تعرفهم جيداً واحداً تلو الآخر. ماطر حالياً بات خارج أسوار النصر، ينظر بعين الحزن والأسى مصيره النهائي مع فريقه، ويتساءل بحسرة عن الأسباب الرئيسة التي جعلت النصراويين يبعدونه بتلك الطريقة المأسوية، وهو الذي تمسك بناديه ورفض الانتقال لأندية الهلال والاتحاد في عز موهبته الكروية عشقاً للكيان الأصفر، ومحبة لرمزه الكبير وفقيده الأمير عبدالرحمن بن سعود - يرحمه الله - في وقت يعيش فيه بقية زملائه الآخرين الذين زاملهم في المنتخبات السعودية، أفضل لحظاتهم الحياتية في أنديتهم الكبيرة من مقدمات عقود ورواتب ضخمة وسيارات فارهة، بعد أن وجودوا في أنديتهم من يهتم بشأنهم ويطور مواهبهم من مدربين كبار ولاعبين مميزين، ديدنهم اللعب الجماعي وطموحهم منصات التتويج، ولا شيء غير ذلك. ماطر لا يحتاج من إدارة النصر بعد هذه الحادثة إلى تكريمه بمهرجان اعتزال، ولا إلى منصب إداري، وإنما يحتاج إلى إعطائه حقوقه كاملة، التي تصل إلى نحو 2.5 مليون ريال حتى يعيش حياته في هدوء واستقرار بعيداً من الكرة وهمومها بعدما اختار له محبوه الذين طالما صفقوا له وشجعوه عالم النسيان، لتكون النهاية التي تربطه بالرياضة والرياضيين.