عبدالعزيز خوجه كيميائي وإعلامي وديبلوماسي. حياته حافلة بالتجارب المتنوعة، قدم من رحاب الجامعة إلى بلاط صاحبة الجلالة وزارة الإعلام، ومن ثم انتقل إلى عالم الديبلوماسية. إلا انه لم ينس عشقه الأول والقديم الشعر، لذا فهو يعرف نفسه بأنه شاعر قبل أي شيء آخر، وما الأمور الأخرى في حياته إلا أجزاء مكملة لذاته الشعرية الأصيلة. حول عذوبة الشعر، ومادية الكيمياء، وجاذبية الديبلوماسية، كان ل"الحياة"هذا الحوار مع السفير عبدالعزيز خوجه. ما الذي دفعك إلى العمل سفيراً للمملكة، وأنت وكيل وزارة الإعلام سابقاً، وقبل ذلك كنت أستاذاً جامعياً؟ - طبعاً، هي ثقة ولي الأمر وهو شرف كبير أعتز به، وحينها كنت تركت منصبي في وزارة الإعلام وعدت مرة أخرى إلى الجامعة، ففاجأني وكيل وزارة الخارجية الأستاذ عبدالرحمن المنصوري، وأنا في خضم اختبارات الطلاب بإبلاغي أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه أمر بتعييني سفيراً للسعودية في تركيا، بناء على ترشيح الأمير سعود الفيصل. وفي ذلك الوقت لم أكن أفكر نهائياً في أن أكون سفيراً، لكن الثقة الغالية التي أولتني إياها القيادة جعلتني لا أتردد لحظة في تنفيذ هذا الأمر. بين الكيمياء تخصصك والشعر هوايتك، والديبلوماسية عملك... أين تجد نفسك وماذا منح كل طرف للآخر؟ - الشعر والكيمياء والديبلوماسية أجزاء متكاملة في حياتي. الكيمياء يرتاح إليها عقلي وهي طريقة تفكيري، التي تعلمت منها كيف أصوغ حياتي كلها بطريقة علمية، وأستطيع أن احل مشكلاتي بواسطتها، وأعرف من خلالها تقلبات الحياة وتفاعلاتها وتعاملات الناس. والديبلوماسية هي طبيعتي في التواصل مع الآخرين والانفتاح على الجميع والتصرف بلباقة، أما الشعر فهو ليس هواية بالنسبة إليّ، بل هو ذاتي الحقيقية، فأنا"الشاعر عبدالعزيز خوجه"، وأنا كل هذه الصفات المتمازجة مع بعضها البعض. هل كان لطبيعة العمل الديبلوماسي أثر في ترقية الحس الفني لديك؟ - لا شك أن العمل الديبلوماسي رافد مهم جداً للشاعر إذا كان ديبلوماسياً، لأن انتقاله من مكان إلى مكان واغترافه من الثقافات المختلفة من المدن والأماكن التي يزورها، لهما دور كبير في تنمية ثقافته عبر الاطلاع على الحضارات والثقافات والتواصل مع الشعراء والكتاب والأدباء والمفكرين. ماذا أضاف لك العمل الديبلوماسي وماذا أخذ منك؟ - أعتبر أن كل يوم يتعلم فيه الإنسان شيئاً جديداً هو إضافة إلى ذاته الإنسانية والثقافية والمهنية معاً. للمادة كيمياء، ويقال إن العلاقات بين الناس كذلك كيمياء، فهل للديبلوماسية أيضاً كيمياء؟ - هذا صحيح، لكن الديبلوماسية تفرض عليك التعامل بلباقة مع الجميع بغض النظر عن انجذابك أو تنافرك معهم، فالعمل يأتي فوق الكيمياء وعلينا احترام قواعده. عسكري في ثياب مدينة هل تتفق مع مقولة إن الديبلوماسي ما هو إلا عسكري بثياب مدنية، تتضاءل مساحة الحركة لديه في أموره العملية وأحياناً الشخصية؟ - لا أتفق كثيراً مع هذه المقولة، لأن مفهوم الديبلوماسية تغير كثيراً، فالديبلوماسي يجب أن يمثل دائماً المرونة والوجه الأفضل لبلده، وصفاته وتراثه. والديبلوماسي يجب أن يكون اليوم قريباً من المجتمع الذي يعمل فيه، وألا يكون في برج عاجي، وعليه أن يتفاعل ثقافياً معه ويكون مرآة للتواصل الحضاري الطيب، ربما يشترك الديبلوماسي مع العسكري ومع أي مسؤول في احترامه للمواعيد وانضباطه في عمله وفي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد الذي يعمل فيه، وأن يكون حريصاً جداً على عدم الانزلاق برأي يسيء إلى العلاقات بين البلدين، وهذا أمر طبيعي للعسكري والمدني وأي إنسان عاقل يتحرك ضمن هذه الأطر. تنقلت بين سفارات متعددة بدءاً من أنقرة ومن ثم موسكو وبعدها الرباط وأخيراً بيروت... أي أثر ترك فيك هذا التنقل على الصعيد الديبلوماسي والشعري؟ - كل بلد من هذه البلدان له تاريخه وثقافته، وأسهم بصورة أو بأخرى في إثرائي، على الصعيدين المهني والثقافي. ما البلد التي تمنيت لو أقمت فيها مدة أطول؟ - كل بلد من البلاد التي عملت بها كان محطة في حياتي، تأقلمت معها وأحببتها ولي فيها أصدقاء، لا أزال أذكرهم دائماً، ونحن في السلك الديبلوماسي نضع في أذهاننا شيء واحد هو أننا نذهب إلى أي بلد لخدمة بلادنا، وأننا لسنا في نزهة أو في رحلة سياحية وإنما في مهمة يجب أن نؤديها بالشكل الأفضل، وأن نستفيد منها في الوقت نفسه مهنياً وثقافياً. فلكل بلد بُعْدُه الحضاري، وأنا محظوظ في أن البلاد التي عملت فيها غنية ثقافياً وحضارياً وإنسانياً، فاستفدت كثيراً من هذه الأبعاد كافة، إلى جانب تعزيز خبرتي المهنية. هل السفارة لمن هم قادمون من خارج وزارة الخارجية ما هي إلا عمل إضافي بعد التقاعد، كما يراها الدكتور غازي القصيبي؟ - لا شك أن السفارة إذا سلمت لقادمين من خارج وزارة الخارجية، ستكون بين أيدي أشخاص لهم خبرة في خدمة بلادهم. والمهمة الجديدة في السفارة هي تكملة لمشوار العطاء الذي بدؤوه في مؤسسات أخرى. وطبعاً إن ولي الأمر يرى في هؤلاء قدرة على العطاء والنجاح، ولهذا يجري تعيينهم سفراء، فعملهم الجديد ليس عملاً إضافياً إذاً، بقدر ما هو تكملة لمشوار العطاء. هل صحيح أن السفراء مصابين دوماً بداء الحساسية، ولهذا فإن لديهم القدرة على تجاوز أي أزمة باستثناء إجلاسهم في مكان"يظنون"أنه لا يليق بهم، كما يقول القصيبي أيضاً؟ - الموضوع هنا هو موضوع تمثيل سفير البلد، وفي هذه الأمور يجب ألا يسمح بأي انتقاص لأنه انتقاص في حق البلد، فالسفير هو ممثل الوطن بكل أبعاده، وحتى إذا أجلس في مكان لا يليق بمكانته، فيجب ألا يقبل وهذه ليست حساسية، بل حق طبيعي يجب ألا يتنازل عنه ممثل الدولة. مع الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم في مجالات الاتصالات، وباعتبارك وكيلاً لوزارة الإعلام سابقاً... هل حان الوقت للإعلان عن وفاة الرقيب وظيفياً؟ - اعتقد أن على وزارة الثقافة والإعلام التخفيف أو إلغاء هذا القسم تدريجياً ووضع تصور جديد لهذا المفهوم، ولا شك أن وزير الثقافة والإعلام بما له من خبرة كبيرة في المجال الصحافي وفي النشر الثقافي، لديه الشجاعة للتغيير، لأن العالم أصبح صغيراً جداً وبفضل وسائل الاتصال المتطور وشبكة الإنترنت، أصبحت المعلومات متوافرة في كل مكان. القيادة السعودية والصورة الحقيقية أنت ممثل المملكة في دولة دائماً هي في قلب الحدث... ما التحديات التي تواجهك في أثناء عملك؟ - الحقيقة أنه يجب إعطاء الأمور القدر الكافي من التحليل والمتابعة، خصوصاً أن لبنان ليس جزيرة منعزلة عن المنطقة، وعما يدور فيها، والأهمية تكمن في كيفية نقل الصورة الحقيقية للوضع إلى القيادة السعودية، لكي تستطيع تقويم الأمور وبناء مواقفها وأحكامها. هل تعشق المفاوضات أم تتحاشى دهاليزها؟ - أنا أعشق المفاوضات وكل ما هو مبني على التواصل والتعاطي مع الآخرين، بشكل علمي وبصبر وطول أناة، وكلما أدت هذه المفاوضات إلى نتيجة طيبة وكان لها ثمارها، أشعر بالسعادة أكثر، حتى في الأمور الاجتماعية. - هناك شكوى دائمة بأن ممثلياتنا في الخارج لا تؤدي مهامها على الوجه الأكمل في خدمة المواطنين، مع أن هذه الممثليات ترى أنها تقوم بواجباتها في حدود صلاحياتها وإمكاناتها المحدودة أحياناً... إلى أي الطرفين تميل؟ - أنا أميل إلى القول أن ممثلياتنا تبذل كل جهودها بحدود إمكاناتها وصلاحياتها لخدمة المواطن، ولكن المواطن يطلب بعض الأمور التي أحياناً ليست من مهام السفارة أصلاً، وهنا يقع الالتباس وتعلو الشكوى. من خلال علاقتك بالديبلوماسيين الأجانب... ترى ماذا ينقص الديبلوماسي السعودي؟ - الديبلوماسي السعودي لا ينقصه شيء بالنسبة إلى زملائه، وأثبت جدارته وكفاءته في ذلك. والمعهد الديبلوماسي يهيئ الديبلوماسيين ليكونوا على المستوى المطلوب علماً ولغة وثقافة لينجحوا في ميدان العمل، ويكونوا جاهزين لتولي المهام والتواصل مع الديبلوماسيين الأجانب، علماً أن هذا التواصل والاحتكاك كثيراً ما يساعد على اكتساب الخبرة. هل ترى أن هناك حاجة في زيادة أعداد الديبلوماسيين السعوديين العاملين في الخارج، بشكل يتناسب مع مهام الديبلوماسية السعودية المتنوعة؟ - نعم، نحن في حاجة إلى زيادة أعداد الديبلوماسيين، نظراً إلى تنامي حجم العمل وتنوعه. كيف ترى مستقبل الديبلوماسية السعودية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية الراهنة؟ - لقد أصبح للديبلوماسية السعودية شخصيتها المميزة وحضورها، سواء على المستوى الإقليمي أم المستوى الدولي، وأثبتت التجربة أن الديبلوماسية السعودية حققت نجاحاً كبيراً في المرحلة الماضية وفي الحاضر، ولا شك في أن ثباتها على هذا الخط المتزن سيبقيها على طريق النجاح مستقبلاً. هل من نصيحة تقدمها إلى الديبلوماسيين السعوديين؟ - العلم، والعلم أولاً، وتذوق الثقافة والإلمام باللغات وهو أمر مهم جداً، والاستفادة من التجارب في الدول التي يعملون فيها، والاختلاط بالمجتمعات والزملاء من مختلف أنحاء العالم والتحاور معهم وتبادل الخبرات والآراء وعدم التقوقع. والخوف أن يذهب الديبلوماسي إلى بلد ما، ويعود من دون أن يضيف إلى خبرته تجارب إضافية، فعلية دائماً أن يتعلم شيئاً جديداً. أخيراً، باعتبارك كيميائي تهتم بالمادة، وشاعر تهتم بشاعرية الكلمة... في رأيك: هل الحب فعلاً إدمان كيميائي فقط؟ - الحب أنواع. لكن من حيث المبدأ الإنسان الذي يحب هو الذي يستحق أن يطلق عليه اسم إنسان. والحب يتدرج أساساً من حب الذات للذات إلى حب الأقربين، كالوالد والوالدة والأخوان وحب الحبيبة والوطن، وهذه كلها في إطار الحياة، لكن المحب الحقيقي يلهب دائماً محاولاً الوصول إلى مفهوم الحب بمعناه المطلق، ويظل يلهث ويلهث خلف هذا المعنى حتى يصل إلى حب أسمى خارج كل هذه الدوائر. لكن هذه الرحلة شاقة وعذبة في الوقت نفسه، وبعدها يعرف الإنسان المرافئ كلها ويعرف ألوانها وآفاقها ويرتاح إلى المرفأ الأخير، الذي إن وصل إليه في مركبه عرف الحب الحقيقي، وأنا من هذا المنطلق مدمن حب.