اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    «الداخلية»: ضبط 21370 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    الهلال يتفوق على سلسلة الأهلي بعد ديربي الرياض    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    اتفاقية لخدمات النقل الجوي بين كوسوفا والمملكة لتسهيل نقل الحجاج والمعتمرين    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    الشيف الباكستانية نشوى.. حكاية نكهات تتلاقى من كراتشي إلى الرياض    المملكة "برؤية طموحة".. جعلتها وجهة سياحية عالمية    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    "الأرصاد": أمطار على منطقة المدينة المنورة    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    ضمك يتعادل إيجابياً مع الرياض في دوري روشن للمحترفين    تن هاج يشكر جماهير مانشستر يونايتد بعد إقالته    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    عن فخ نجومية المثقف    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا سفير دولي للبدو في جميع أنحاء العالم وحبي لحياة البادية دفعني لجمع التراث
الباحث الدكتور مارسيل كوربرشوك في حوار ل «الرياض»
نشر في الرياض يوم 18 - 03 - 2015

الدكتور مارسيل كوربرشوك دبلوماسي هولندي عمل في سفارة بلاده في المملكة العربية السعودية ثم انتقل إلى المعهد الهولندي للدراسات الاستراتيجية ومنه ممثلاً لبلاده في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل خلال الفترة 1990 1994م ثم عاد إلى وزارة الخارجية في لاهاي لمدة 8 سنوات عمل خلالها أيضاً أستاذا في جامعة لايدن حيث أنشأوا كرسي خاصاً له لمدة خمس سنوات وبعد أحداث 11 سبتمبر كان أول سفير لهولندا في أفغانستان ثم انتقل بعدها إلى باكستان وفي عام 2005م عيّن سفيراً لبلاده في أنقرة ومنها انتقل سفيراً في وارسو وفي عام 2013م أصبح مبعوثاً خاصاً للقضية السورية مقيماً في اسطنبول ثم تقاعد في نهاية 2014 م بعد قبوله عرضاً للعمل في جامعة نييورك في أبوظبي بهدف استكمال بحوثه ودراساته في الشعر النبطي.
وهو في الأصل باحث متخصص في الأدب العربي ورسالته للدكتوراه كانت عن يوسف إدريس ولكنه اشتغل بعد ذلك بالبحث في آداب الصحراء العربية وثقافتها وذلك عندما عمل في سفارة بلاده في الرياض ففتح نافذة جديدة للاستشراق في القرن العشرين ولكنه يختلف عن غيره من الباحثين لشغفه المتواصل بهذه الثقافة واستغراقه فيها إلى درجة كان يستلذ فيها حرارة الصحراء وسمومها ويسافر مئات الكيلو مترات في سبيل تسجيل قصيدة أو كتابة معلومة أو لقاء شاعر أو سؤال راوية مفضلاً أن يمضي وقته في مرابع البدو على روابي هولندا الخضراء حتى تمكن إلى درجة كبيرة من فهم الشعر النبطي واستيعابه وربما تفوق في تحليله واستلهام مدلولاته أكثر من بعض أبناء الصحراء، لم يكن كتابه عن الدندان أول أبحاثه كما لم يكن كتابه عن شليويح العطاوي آخرها، وهاهو يطرح ضمن ندوة الشعر النبطي في القرن ال 21 التي نظمتها جامعة نييورك في أبوظبي قبل أيام قليلة ورقة عن الشاعر عبدالله بن سبيل أسهب فيها في تحليل ملامح شعره وبيئته كنموذج للشعر الوجداني الرائع وهو عازم على إخراج كتاب عن ابن سبيل وترجمة شعره كما يعتزم دراسة وترجمة شعر حميدان الشويعر ويستضيفه هذه الأيام مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية حيث ألقى الأسبوع الماضي محاضرة عن (مفهوم الصدق في الشعر النبطي) من خلال تجربته مع البدوي الأخير؛ التقيته في ندوة جامعة نييورك في أبوظبي فرحّب للإجابة عن أسئلة هذا اللقاء لجريدة "الرياض" والذي استكملناه في الرياض ونحن نشكره على عظيم ما قدمه للثقافة العربية من أعمال علمية تستحق التقدير والامتنان:
الخوف من تشجيع الآداب الشعبية أو دراسة الشعر النبطي واللهجات يؤدي إلى نتائج سلبية
*رغم بعد المسافة بين حدود (الربع الخالي) وأطراف (نفي) فإن المقاربة بين صورة الناقة وصورة الأنثى في قلب ابن الصحراء العربية قد تختصر المسافة بين الدندان وبين ابن سبيّل فيتماهى شعر البادية وشعر الحاضرة وجدانياً؛ ما تعليقك ؟
- الحقيقة أن حبي للشاعر عبدالله بن سبيّل ودراستي لشعره بسبب وصفه للبدو فهو مثلي يحب البدو ولولا مقيظ البدو على نفي ما اشتهر شعر ابن سبيل مع العلم أن شعره ووصفه للمرأة يتشابه مع شعر ووصف شعراء البادية فمثلاً هو يقول في إحدى قصائده:
كن اللوالو بين أشافيه منظوم
أو ضيق وبل محلتم في قنوفه
والعين عين اللي على راس ملموم
ما جيب له من كل نسر علوفه
حرش المناكب لأبرق الريش صيروم
حر ملك موت الحباري كفوفه
أبو نهيد في حشا الصدر مزموم
بيض الحمام اللي رفاع قوفه
هافي حشا كنه عن الزاد محروم
والثوب يشكي ما نبا من ردوفه
والزين في مقرن حجاجيه مرشوم
رشمة مهر شيخ شبع في مضوفه
يا جاعلٍ موت المخاليق محتوم
قرّب مداهيل العنود الهنوفه
وهذه الأوصاف الشعرية كلها موجودة في شعر البادية بكثرة والأمثلة على ذلك كثيرة، والحقيقة أني اتفق مع قولك بالمقاربة بين صورة الناقة وصورة الأنثى فهذا أمر يلاحظه الدارس للشعر النبطي في الجزيرة العربية ولاحظته في شعر الدندان حيث شبه ناقته بالفتاة الجميلة حيث قال:
بكرتي خبّي عساك الله مجارة
جارك الله ما يجي رجلك حفاتي
العبي للجري في حامي قراره
لعب غرثان البني المترفاتي
لعب رسمة يومها في البيض شارة
فرقها جورٍ على شقح البناتي
عينها عين أسمرٍ حقق مطاره
في طويلات الرجوم النايفاتي
دامل صافي عفاره بالصفارة
والجدايل لا الردوف منقضاتي
والمناكب مثل ممطور الزبارة
والنهود من الجبين مزبراتي
والردايف مثل شطٍّ في حوارة
بين ضيرين عليها مهملاتي
وشبه حديث المحبوبة بحليب الناقة في قوله:
حلو كلام العذب زين التعاجيب
يا زين في عشره صفيف الخواتيم
أيَّ العسل وأيَّ حديثه ليا ذيب
بأحلى حديثه من حليب المشاحيم
وأنا أؤيد هذه الرؤية وخاصة عند البدو فالبدو يحبون الإبل وهي عندهم محور الجمال ولا يلامون في ذلك فالجمل ليس غبياً كالثور مثلاً بل هو في غاية الذكاء كما أنه لا أحد يتصور العرب أو تاريخ العرب بدون الصحراء والإبل وإذا كنت أحب العرب فيجب أن أحب الإبل أيضاً.
وأما ابن سبيل فيمتد اهتمامي به إلى عام 1989م حيث سجلت في بلدة نفي من أحد رواة قبيلة عتيبة نصوص أربع قصائد إضافة هي من أجمل قصائد بن سبيل إلى قصيدة فيحان بن زريبان والقصائد هي (ياراكب من عندنا صيعريات) و(يا راكب عشر من الهاربات) وقصيدة (يا ذعار أنا قلبي هذا العام حوله) وقصيدة (يالعين وين أحبابك اللي تودين) ثم انشغلت بأبحاثي عن الدندان وشليويح العطاوي وعتيبة والدواسر ولم أتفرغ لإكمال عملي عن ابن سبيل ولكني أكملته بعد التحاقي بجامعة نييورك في أبوظبي هذا العام وقد كتبت هذه القصايد الأربع وترجمتها وصححت اللغة وكتبت مقدمة عن تجاربي في نفي، والعجيب أن هذه القصيدة (يا راكب من عندنا صيعريات) موجودة في كتاب موزل عن الرولة وكذلك 10 أبيات من قصيدة ابن زريبان المرتبطة بها وموزل سجلها في شمال الجزيرة العربية وقد لاحظت أن نص القصيدة الذي سجله خالد الفرج ومصادر أخرى وما سجلته أنا أصح من نص القصيدة الذي سجله موزل قبل 100 سنة والذي يفترض أن يكون أقرب للرواية الصحيحة ولكن لأنه سجله في الشمال بعيداً عن بيئة الشاعر في وسط الجزيرة فقد تعرض للتغيير والاختلاف. وسينقسم مشروعي الجديد الذي أعمل عليه الآن إلى مجلدين أحدهما يتعلق بابن سبيل والآخر بحميدان الشويعر إضافة لمجلد ثالث يكون قاموساً مفهرساً للألفاظ الواردة في شعرهما مقارنة بمعاجم اللغة العربية الفصحى.
*ما سر هذا الشغف والارتباط الروحي الذي يعيشه مثقف أوروبي بحجم الدكتور مارسيل مع الصحراء العربية هل هو سحر الشرق الذي سلب ألباب كثير من الرحّالة والمستشرقين فيما مضى أو هو عشق سرمدي لم ينفك ملازماً لك؟
- لعلي أحدثك عن بداية اتجاهي لدراسة الشعر النبطي التي تمتد إلى أيام عملي دبلوماسياً في سفارة بلادي في الرياض ففي أول أيام العمل فتحت إحدى الجرائد ورأيت صفحة الشعر الشعبي وكنت أقرأ الألفاظ في هذه القصائد وأحاول فهمها وبحكم تخصصي فإني أعرف الشعر العربي الفصيح وكنت أفهم بعض الكلمات في القصائد النبطية ولكن كلمات أخرى كثيرة كنت لا أفهمها وهذا الأمر أثار فضولي جداً مع العلم أني كنت حقيقة أحب حياة البادية والصحراء لأن فيها إحساسا بالحرية والانطلاق في مسافات بعيدة فهذه بيئة مناسبة للتأمل والتفكير، فقلت لنفسي أن هذا المجال مجال مهمل عند الباحثين في هولندا وفي أوروبا وفي العالم فمن الممكن بوجودي في هذه البيئة أن أقدم شيئاً في المجال المعرفي من خلال ميدان بحثي جديد، فسألت الناس عن كيفية فهم هذا الشعر ودراسته فأشاروا إلى الدكتور سعد الصويان فاتصلت به وكان أستاذا في جامعة الملك سعود الذي شجعني وقدم لي كل المساعدة.
الأمر الآخر أني شعرت كدبلوماسي وباحث أن هذا الشعر فعلا قريب إلى النفس فهو يعبر عن البيئة الصحراوية وعن عواطف الناس والناس يحبونه لأن هذا الشعر يتحدث عن حياتهم اليومية وعن تاريخهم وعن قبائلهم وعائلاتهم وعن كل الأشياء التي يعيشها الإنسان في حياته اليومية ويهتم بها كما أنهم يحبون الذي يهتم بهذا الشعر، فرأيت أن الشعر النبطي سيمنحني فرصة للاقتراب من المجتمع السعودي وهو مجتمع متنوع ومتعدد ولكل جزء منه خصوصيات إقليمية ولغوية وتاريخية وكل ذلك لا يحفظه إلا أبناء البيئة ذاتها وقد ذكرت في كتابي عن شليويح العطاوي أن شعراء عتيبة يقولون قصيدة بلهجتهم الخاصة فيرد عليهم شعراء قحطان بلهجتهم الخاصة أيضاً فكل قبيلة لهجتها الخاصة المميزة لها.
مشروعي الجديد مجلدان عن ابن سبيل وحميدان الشويعر إضافة إلى قاموس مفهرس للألفاظ الواردة في شعرهما
والحقيقة أن الشعر النبطي فتح لي الباب إلى القلوب والعواطف أي قربني من الناس بينما معظم الدبلوماسيين يبقون بعيدين كل البعد عن المجتمع السعودي بحيث يكونون منعزلين في الحي الدبلوماسي بدون أن يختلطوا بالناس إلا في مناسبات محدودة. وبالفعل فقد أصبح لدي أصدقاء سعوديون كثيرون وعندي شبكة من العلاقات مع رجال عديدين من كل القبائل والمناطق الذين استفدت منهم مزيداً من المعرفة في هذا الموضوع.
*يا ضاق بالي قلت دنوا ذلولي
حطوا عليها كورها والقراميش
حطوا عليها كورها وارخصوا لي
نبي نمضّي وقتنا بالمطاريش
بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة ماذا بقي من ذكريات (حمرة) بين قلب مارسيل كوربرشوك وعقله؟
- ما زلت احتفظ بصورة سيارتي (حمرة) عند جبل حومل وقد وضعتها في كتابي لأنها ذكريات لا تنسى فهي التي ساعدتني في دراسة جنوب الجزيرة العربية الذي كان مجالاً بكراً في تلك السنوات بعكس الشمال الذي كان مدروساً أكثر. وقد قررت هذه الأيام السفر إلى حائل للالتقاء بصاحب القصيدة الشاعر والراوية رضا طارف الشمري الذي يقولون إنه (على جال لينة في النفود) وذلك لزيارته وسؤاله عن قصائد شاعر اسمه (جهويل من آل بحيح من آل نابت من آل مرة) والذي أورد له الصويان قصيدة في كتابه الصحراء العربية وهو من الشعراء الذين سجل معهم في مهرجان الجنادرية ولكنه للأسف لم يسجل أي معلومات أو عناوين لهذا الشاعر وله قصيدة جميلة تعبر عن حياة آل مرة في الربع الخالي وقد اتصلت قبل فترة بالمهندس سالم المري عضو مجلس الشورى سابقا لاستفسر عن الشاعر ولكن (ما أدري) يبدو أنه لا يحب الشعر النبطي، كما أني ابحث عن صديقي بخيتان بن ضافي الذي فقدت الاتصال به وإن شاء الله يأتي رد على التغريدة التي تستفسر عنه والتي نشرها مركز الملك فيصل في حسابه على التويتر ولعلي أراه مرة أخرى واستعيد مع الذكريات الجميلة.
*هل انقرضت البداوة في جزيرة العرب برحيل البدوي الأخير أو أن للبداوة أبعاداً حاضرة لا يمكن اندثارها؟
- الحقيقة جوهرة اللغة مشتقة من حياة البادية حتى الحاضرة متأثرين جداً بالماضي البدوي وحياة الصحراء فلا يمكن تصور إنسان الحضارة العربية بدون البداوة والحياة في الصحراء، والصحراء العربية هي بؤرة القيم منذ قديم الزمان ؛ فالقيم أو الشيم العربية تنبع من عمق الصحراء مثل البئر فلا حياة في الصحراء بدون ماء.
فمثلاً الماء عندنا في هولندا خصم لنا بسبب كثرته وفيضانه فنحن نبني السدود للتغلب على خصومة الماء هنا في الصحراء العربية العكس فالماء مسألة حياة أو موت ، وأنت ترى في اللغة العربية كثيرا من الألفاظ والكلمات تتعلق بالبئر وعمليات البئر مثل الورود والصدور والإبل (ترد وتصدّر) وأنت ترى أن هذه الألفاظ ترتبط بها مصطلحات حديثة مثل الصادرات والواردات والإيراد والمصادرة وما شابها فكلها مشتقة من عمليات البئر، وكلمة السقي مأخوذة من الاستقاء من البئر ، فحتى العرب الذين عاشوا حياتهم في الحواضر مثل القاهرة وبغداد هي جزء لا يتجزأ من لغتهم اليومية لكن يستعملونها بدون وعي بمصدرها، فالجزيرة العربية منبع العروبة وبالذات وسط الجزيرة والصحارى الواسعة لكن ليس الصحارى الخالية مثل الربع الخالي، فالبيئة في وسط الجزيرة في تحدٍ دائم للإنسان الذي يعيش فيها فيتغلب على مصاعبها بوسائل مثل الإبل والسلوم والتعاون والتعايش وربما الغزوات المتبادلة التي يكون القتل فيها بصفة عامة محدوداً جداً . فأرى أن للبداوة والصحراء أبعاداً أكبر من النمط المعيشي.
ولعلنا نتساءل هل البداوة شقاوة أو سعادة ؟
وهي كما قال الدندان أحياناً تسبب البؤس والاكتئاب وخاصة في وقت الجدب والمحل أما في حال الخصب والربيع فتكون سعادة لا يعادلها سعادة وهذا هو الجميل فإن الإنسان لو لم يكن هناك أضداد في حياته فإنه لن يشعر بشعور السعادة أبداً فأنت لا تعرف طعم السعادة حتى تجرب البؤس والشقاء وهذه نعمة فلولا الشقاوة ما عرفنا السعادة.
والشعر البدوي تعبير جميل عن هذه البيئة والحياة فيها والتحديات التي تواجهها وكيف يتغلب الإنسان على هذه التحديات ففلسفة الحياة في هذا الصحراء عميقة جدا في الدين وفي المعرفة ولكن هذا الشعر قريب من قلب الإنسان لأنه يعكس الحياة اليومية التي يعيشها...فالشعر النبطي يعبر عن البيئة والمجتمع مثله مثل الشعر الفصيح القديم بعكس الشعر الفصيح الحديث الذي أصبح مجرداً.. بعيداً عن واقع الناس..
*بماذا تفسر الموقف السلبي الذي تقفه بعض الدوائر والنخب العلمية والثقافية في العالم العربي من الآداب الشعبية عموماً والشعر النبطي خصوصاً؟
- نلاحظ أن هناك تخوفا غير مبرر من تفكك الهيكل الوحدوي بصفة عامة فالوحدة مفهوم مهم في الدولة سواء الوحدة السياسية أو الدينية أو غيرها ولو قرأنا التاريخ لوجدنا أن غياب السلطة المركزية يؤدي إلى مزيد من الصراعات المستمرة بين البلدان أو القبائل ولو تأملنا تاريخ ابن بشر مثلاً أو شعر حميدان الشويعر لوجدنا كثيراً من الشواهد على ذلك؛ فالتوحيد السياسي خطوة مهمة يؤمن للمواطن حياته وهذا أمر مفهوم ولكن أساس هذا الخوف فهم مغلوط لأن الخوف من تشجيع الآداب الشعبية أو دراسة الشعر النبطي واللهجات هذا يؤدي إلى نتائج سلبية، بل إن الاعتراف الرسمي بهذا الخوف وأنه قد يؤدي إلى الفرقة أو تدهور اللغة الفصيحة أمر عجيب لأن الخوف الحقيقي هو زوال التراث واندثار الهوية هذا هو الخطر الحقيقي لأن ذلك تاريخ أجدادك ومن خلال تاريخ أجدادك وتراثهم تعرف نفسك فكل واحد يجب عليه الاهتمام بتاريخ أجداده وتراثهم حتى وإن كان لا يخلو من السلبيات وربما نحن أيضا لدينا سلبيات في بعض الأوجه فيكتشفون ذلك أحفادنا بعد 100 سنة مثلاً فلا يوجد أحد معصوم فلا بد لنا أن نتعلم ونتعرف على جذورنا فهناك أجيال وأجيال عاشت في هذه الصحراء حياة الفروسية والكرامة و(الناموس) حتى مع وجود بعض الأمور السلبية والرحالة في القرون القريبة سجلوا كثيرا من مشاهدتهم في الصحراء العربية والدكتور عوض البادي مثلاً يعتزم الذهاب إلى هلسنكي في فنلندا ليبحث عن أوارق الرحالة (والن) لأن فيها شيئاً من تاريخ الجوف فإذا كانت كتابات الرحالة مصدراً مهما للتاريخ فإن التراث الشفهي في الجزيرة العربية مصدر كثير الأهمية، وأنا من حبي لحياة البادية وسلوم العرب جمعت هذا التراث وحرصت على تسجيله لأنه من الناحية العلمية مفيد جداً. كما أن هناك شخصيات استشراقية كثيرة خدمت الثقافة الشفهية ولكن يظل (ألويس موزل) في كتابه عن الرولة بدون نظير فهو دقيق للغاية وهو رائد من رواد تدوين الآداب الشفهية، وهناك سوسين الذي ربما يكون سبقه ولكن لديه أخطاء كثيرة.
*الشعر النبطي ذلك الأفق الذي يعكس صورة صادقة لمجتمع الجزيرة العربية في تمرحله التاريخي برأيك ما مدى الاستفادة منه في الدراسات الاجتماعية العربية وغير العربية لهذا المجتمع؟
- قال أحد الشعراء:
البخنق اللي تفصله طرقتيني
دون الشفايا والثمان المناظيم
ففي هذا البيت وما يليه من أبيات وصف دقيق لزينة المرأة في مجتمع الجزيرة العربية وفي البادية خصوصاً وهذا مجرد نموذج من آلاف النماذج على فائدة الشعر النبطي في الدراسات الاجتماعية.. وهناك جهود مشتتة هنا وهناك غير منظمة؛ فهناك آلاف الدواوين الشعرية لم يتم الاستفادة منها على الوجه المطلوب لعدم وجود دراسات أكاديمية على أساس متين ولعدم وجود دور نشر للدراسات الأكاديمية كما لا يوجد أعمال مترجمة من اللغات الغربية وعلى سبيل المثال فعملي ذو المجلدات الخمسة التي من الممكن أن يفيد الباحثين لا زال لم يترجم إلى اللغة العربية إلى هذا اليوم ولكن يبدو أن السبب هو الخوف الذي سبق أن أشرنا إليه فهناك معارضة في الاهتمام بهذا الموروث لأسباب دينية أو سياسية، وفي الإمارات هناك تقدم أفضل في الاهتمام بالموروث ولكن أولوياتهم للموروث الإماراتي وهذا أمر طبيعي.
*مارسيل الدبلوماسي بعد تقاعده هل سيتحول سفيراً للبدو في هولندا أو سيكون بدوياً هولندياً في صحراء العرب؟
- أنا لا أنكر قوميتي ولا أتخلى عنها فأنا هولندي وأحب هولندا ولا يمكن أن أكون بدوياً هولندياً ولا سفيراً للبدو في هولندا ولكن يمكن أن أكون سفيراً دولياً للبدو في جميع أنحاء العالم فلدي استعداد للذهاب إلى اليابان أو الصين على سبيل المثال لأتحدث عن البدو والبداوة هناك خاصة أن عدد الخبراء في الموضوع قليل وأنا نشاطي الأكاديمي دولي لا يقتصر على بلد واحد سواء هولندا أو غيرها.
ومن الطرائف أن بعض البدو سألوني: (أنت منين يا مارسيل؟) فقلت: من هولندا. فقالوا: هولندا (وين؟) وكنا في الليل فقلت: حط الجدي على كتفك الأيمن وبعد 250 شدة تصل هولندا حيث بادية الأبقار فوصلت الفكرة إليهم وتصوروا موقعها البعيد. فأنا بشكل عام أكاديمي دولي ينتمي لقبيلة هولندا حسب مفهوم البدو.
*كيف يستفيد القارئ العربي من إنتاجكم العلمي وأهم كتابين قمت بإنجازهما عن شليويح العطاوي والدندان الدوسري لا زالا بلغة غير عربية؟! أو أنك في الأساس قد وجهتهما للقارئ الأوروبي ولذا لم تحرص على ترجمتهما إلى العربية؟
- الحقيقة أنني أشعر بالخجل لأني أخذت الكثير من أهل هذا البلد ولا رددت لهم شيئاً، وكما أشرت سابقاً لم أجد من يهتم بترجمة أعمالي باستثناء (البدوي الأخير) الذي نشرته إحدى دور النشر وهو ليس بحثا أكاديميا ولكنه ربما يتضمن قصة البحث وأنا لدي استعداد للتعاون مع أي مؤسسة أو دار نشر ترغب في ترجمة هذه المجلدات الخمسة وسأساعدهم بكل جدية في ذلك، وإذا تحدثنا عن الجهد والتكاليف في ترجمة هذا العمل فإنه بالمقارنة مع تمويل المشاريع الثقافية الأخرى ستكون أمراً بسيطاً جداً، والعمل جاء تحت عنوان موحد هو (FROM CENTRAL ARABIA ORAL POETRY AND NARRATIVES ) خصصت المجلد الأول منها للدندان وصدر في عام 1994م والمجلد الثاني لشليويح العطاوي وآخرين وصدر في عام 1995م أما المجلد الثالث فخصص لشعراء الدواسر الأربعة: ابن بتلا والدندان ونابت بن ظافر وبخيتان بن ضافي وصدر في عام 1997م أما المجلد الرابع فجمعت فيه مأثورات من قبيلة الدواسر وصدر في عام 2002م وأخيراً المجلد الخامس الذي صدر عام 2005م وهو عبارة عن قاموس يغطي المجلدات الأربعة وكل الكلمات الواردة في القصص والقصائد وقد ربطتها بلسان العرب وهذا المجلد مفتاح للمجلدات الأخرى لتضمنه فهارس متكاملة لها.
*دراساتك عن القبائل العربية وعاداتها وتقاليدها ولهجاتها هل تتجه إلى استكمالها كمشروع علمي مستمر بعد دراساتك السابقة لملامح عن قبيلة عتيبة وقبيلة شمر وقبيلة الدواسر وما مدى أهمية مثل هذه الدراسات؟
- القصص والقصائد والسوالف والمرويات الشفهية نسيج متشابك يغطي أجزاء الجزيرة العربية فنحن نحتاج إلى خريطة كاملة لهذه السوالف والقصص مربوطة بالأماكن لكي نصنع صورة دقيقة من التاريخ النجدي العربي في المنطقة خريطة تاريخية دقيقة مبني على المأثورات الشفهية والأدبية والثقافية مثل كتاب الصحراء العربية الذي يعتبر منطلقاً في هذا الشأن إلا أن الدكتور سعد لا يهتم بالنواحي الجغرافية لكن أنا مهتم بالمعجم الجغرافيا وأحاول أن أربط الجغرافيا بالشعر.
*تربطك علاقة وثيقة بالدكتور سعد الصويان إلى درجة أن يهديك أحد أعماله واصفاً لك ب(رفيق الدرب) فلعلك تحدثنا عن هذه الصداقة المتينة وعن مكانة الصويان العلمية المرجعية في دراسات الشعر النبطي خصوصاً وفي ثقافة الصحراء العربية عموماً؟
الحقيقة أنني كنت البادئ بالإهداء اعترافاً بفضله في مساعدتي حيث كتبت له في الجزء الثاني من كتابي الصادر 1995م ما نصه:
To Saad A. Sowayan
My guide into the world of Arabian oral tradition
وقد أهدى إليّ بعد ذلك كتابه (الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص) قائلاً: "إلى رفيق الدرب، من قهر مسافات الجغرافيا واللغة إلى الصديق العزيز مارسيل كوربر سهوك".
فشكراً له وهذا نوع من تبادل المودة والتقدير بين أصحاب الاهتمام المشترك أو رفقاء الدرب الواحد والدكتور سعد له مكانته العلمية المرجعية العالية في هذا التخصص وقد بدأت علاقتي به منذ ربع قرن أي منذ عام 1989م تقريباً واستمرت إلى اليوم والجميع يعرف أن الصويان باحث جاد جداً ولذا فقد كان في البداية متردداً في الاستثمار في شخصي لأنه لا يدري عن مدى جديتي واهتمامي ولا يريد أن يخسر وقته الثمين مع غير الجادين ولكن بعد أن رأى مثابرتي وحرصي أقدم على مساعدتي بكل أريحية وتواضع وبدون تحفظ ثم أن كتبه ستظل مرجعاً مهماً لكل المتخصصين في دراسة الشعر النبطي خاصة ودراسات الصحراء العربية عامة.
سيارته التي سماها (حمرة) عند جبل حومل
الدندان رحمه الله مع إحدى نياقه كما جاءت في كتاب مارسيل
غلاف كتابه البدوي الأخير
المجلد الأول من كتابه
صديقه الشاعر بخيتان بن ضافي الذي يبحث عنه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.