خمسة أصابع في اليد جذور أربعة منها متجاورة، ومثبتة في جبهة واحدة. أطرافها تشير بثقة إلى الأمام، فيما جذر الاصبع الخامس متأخر كثيراً عن صف الأصابع الأربعة، ويشكل بجذعه القصير زاوية حادة باتجاه السبابة. الأخير انفرد به المحققون. اتهموه بالخيانة العظمى، الخروج عن وحدة الصف، والانشقاق عن الجماعة. قلعوا ظفره، عروه من جلده، ولما لم يجدوا ما يدينه بالعمالة ليد أجنبية، اتهموه باختطاف إصبع قالوا إنه كان موجوداً في الفجوة التي بينه وبين السبابة. ضحكوا على تغضناته النازفة وهو ينكمش على نفسه من فرط الألم. شعر بالوحدة عندما انحنى في فترة استراحة المحققين، بيد أنه أحس أن جذره صار أكثر ثباتاً، وسمع الأنسجة تغني فيها شعيرات الدم وتتسلق جذعه في مرح، وكأنها ذاهبة إلى أصبع طويل للغاية وراسخ في اليد، فعدل من قامته وبقي مشدود الظهر يشير بطرفه الدامي إلى جهته الوحيدة التي لم يختر سواها. الجسد المنهوب الطبيب قال إنها حالة نادرة. أما هو فلم يجادل كثيراً، بعد إذ رأى جسمه يفور منه الماء وهو نائم. قال إن مضخة مياه في مكان ما تحت الجلد لا بد من أنها السبب. رأى أنه في اللحظة التي يهبط فيها جسمه في النوم تصحو المضخة، وتعمل بطريقتها على تحويله إلى صحراء جافة. وفيما يتدفق من سائر جسمه الماء يلحظ، أن من فمه يخرج حداء القوافل المحاصرة بالعطش والموت. في الشريط المصور الذي أعاده مرات عدة أمام الطبيب، رأى جسمه الهاجع عرضة للنهب والاستنزاف، ورأى سطح الأرض المحيط به والجدار القريب منه يمتصان الماء بشراهة كبيرة ولا يرويان. في الشريط، كان يزحف - بعد أن استيقظ - إلى الماء لأنه كان غير قادر على النهوض. وحينما حدق بهلع في عينيه، قرأ فيهما التوسل وطلب الغوث. لم يكن يتخيل لنفسه منظراً أبشع من هذا المنظر، ولا انكساراً وذلة أعمق مما رأى. قعد على الكرسي مرتجفاً وانخرط في بكاء طويل، فهو منذ أيام ثلاثة لم ينم خوفاً من تكرار الحالة، خصوصاً عندما شاهد جسمه في الشريط ينفرط من جهات عدة في فقاقيع هواء، ربما تدل على نضوب نهائي وفناء وشيك. - ما العمل؟ سأل الطبيبَ الذي كان يدقق في نتائج الفحص ويستعرض بالحركة البطيئة مشاهد تسرب الماء من الجسم في الشريط. - لا أدري، أجابه الطبيب، إنها حالة نادرة حقاً. - ولكن، أيها الطبيب، أريد حلاً عاجلاً وإلا سأموت وأنا في عز الشباب. - الحل، هو أن تبقى في غاية الانتباه واليقظة. الحل هو أن تظل واعياً منتبهاً طوال الوقت، فكما يبدو لي، ثمة خيانات يقوم بها مكان ما في جسمك وأنت نائم. العدو هذا باب... وهذا قميص مخلوع، لم يأخذ احتياطاته اللازمة على جسد الداخل، فنشب بينه وبين مكيف الهواء البارد عراك صغير وارتعشت أطرافه. لكن لماذا جلس متوجساً هذا الرجل الذي خلعه ورمى به على الكرسي؟ ليس سواه في الغرفة، غير أن رأسه الجاهز للتسكع في مختلف الأفكار، لم يستوعب أن يهدأ، بينما ثمة من يراقبه في الداخل. هنا، هنا في هذه الغرفة المغلقة، وأمام هذا المكيف بزخاته الهوائية الباردة، ظلال إنسان يتحرك في شتى الأبعاد، حدق في واجهة المكيف بارتياب، منظم الهواء يتلفت يميناً ويساراً وكأنه يبحث عن شيء ما، خامره الشعور نفسه وشك في محتويات الغرفة، قلب كل شيء ونقب تحت الموكيت عن أثر. أخيراً، جلس على كومة أشيائه في منتصف الغرفة وراح ينتظر.