بعد مرور شهر تقريباً على مقاطعة المنتجات الدنماركية، ومرور أربعة اشهر على نشر الرسوم المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام والمسيئة لأكثر من بليون مسلم في أصقاع الأرض، وبعدما لاحت في الأفق صور من الايجابية والسلبية في التعامل مع الحدث، الذي تجاوز حدود المسلمين إلى أن أصبح التفاعل معه عالمياً وله أبعاده السياسية واستغلالاته الإعلامية, أود بعد هذه المقدمة الإشارة إلى بعض الوقفات المجملة، التي سنحت في ذهني عند قراءة الأخبار ورصد ردود الفعل المصاحبة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم أوجزها في ما يأتي: 1- برزت المقاطعة للمنتجات الدنماركية كخيار وحيد طغى على الساحة الإسلامية، واختزل الرد على هذه الإساءات بهذا السلاح الاقتصادي، الذي استطاع أن يغير في سير القضية من التعنت إلى الاعتذار ومن الزهو بالإساءة إلى مقاضاة الصحيفة والمسآءلة, ومع هذه الآثار الجيدة للمقاطعة الاقتصادية إلا أنها قد تسير في طريق لا يخدم الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا قضايا المسلمين، خصوصاً المقيمين في الغرب, فمع أن المقاطعة سلوك مدني معتبر عند جميع دول العالم، وهو سلاح لإقامة العدل ورفع الظلم، لكن أن يتجاوز حد المشروع إلى الممنوع فهذا يجب أن يرفض وتمنع المبالغة فيه. والممارسات الخاطئة أخشى أن تُضعف قوة هذا السلاح مستقبلاً عندما يُحتاج إليه , فالمقاطعة بعد الاعتذار نوع من تجاوز المطلوب, ودخول تجار الأغذية في المنافسة بالإشاعات والمبالغات من أجل مصالحهم الخاصة خطوة عكسية ومخالفة لحقوق الناس, و بقاء المقاطعة من أجل الانتصار النفسي والإحساس بالنكاية مع كونها أصبحت ضمن الأجندة الخفية لمصالح الساسة والأعداء ينبغي لنا إدراكه وقطع الطريق على المحرضين المنتفعين من المقاطعة, والنظر إلى المآلات وجلب أعظم المنافع من مقاصد الدين الحنيف. 2- إن الفعل الواعي هو ما يجب حمل المسلمين عليه في هذه الظروف، وردود الفعل الغاضبة بعواطف ملتهبة لن تستمر ولن تبني مشروعاً صحيحاً تمليه الحاجة ويفرضه الواقع, ويتعجب المسلم من أن ينادي بالمقاطعة الاقتصادية من يمارسون المقاطعة الحقيقية لسنة وهدي وشريعة المصطفى عليه الصلاة السلام، مع أن التعظيم الحقيقي لشخصه الكريم ينبغي أن ينعكس على سلوكنا وفكرنا وحياتنا التي نعيش فيها، وهذه هي رسالته صلى الله عليه وسلم للعالمين، فهي رسالة إنقاذ ورحمة وهداية وإرشاد وأحكام وشرائع، فهل نمارس بالقوة نفسها والحماسة ذاتها هذا الواجب الذي أراده منا صلى الله عليه وسلم ومن أجله حورب وأوذي واخرج من دياره؟!. 3- هناك فهم خاطئ لحرية الرأي حتى عند بعض مثقفينا، جاء الدور لتصحيحه وبيان أن حقوق الإنسان بما فيها من حرية للرأي لا ينبغي أن يتعسف في استعمالها بما يضر حقوق الآخرين في التدين واحترام الرأي المخالف, وهذه القضية التي تعتبر من قبيل المقدس لدى المجتمعات الليبرالية لم يمنعها من نقد ممارسة الدنمارك لمثل هذا الفعل المشين حقوقياً وخلقياً, ومن خلال تتبع أبرز المقالات في الصحف البريطانية بتاريخ 6/2/2006، التي يعرضها موقع BBC - كمثال - وجدت النقد الغربي لمثل هذه الممارسات كبيراً وقانونياً, كما دعا كل من كوفي عنان ومسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي اكمل الدين إحسان اوغلو الأطراف كافة إلى ممارسة ضبط النفس. وجاء ضمن البيان الذي أعلنوه:"نحن نعتقد أن حرية الصحافة يجب أن يصاحبها شعور بالمسؤولية، ويجب أن تحترم المعتقدات الدينية."واعتقد أن القضية ليست محل اتفاق عند كل الغرب الليبرالي، ولكن تأجيج مفهوم مطلق الحرية قد يجعل المنطقة في صدام حضاري لن يكونوا فيه من الرابحين, واستغرب أن تحتل نظرية هنغتون موقعاً في دويلات صغيرة يعتمد شريان الحياة فيها على التنوع الحضاري والتفاهم المصلحي مع الآخر. * كاتب سعودي