ليس المخترع الطفل فارس إبراهيم الخليفي هو المحبط الوحيد، بل كلنا محبطون لأجله وأمثاله الكثيرون، ولا بد من إيقاف نزيف الإحباط هذا بالانتباه من الجميع والاستيقاظ وأن نفتح أعيننا نحو هؤلاء النوابغ، خصوصاً من قبل أساتذتهم ومعلميهم، الذين يتعدى دورهم مجرد التلقين إلى اكتشاف النوابغ والموهوبين والمخترعين والمفكرين! واشتكى فارس مُر الشكوى من إحباط أساتذته له عندما كان يحاول تقديم اختراعاته إلى درجة التهكم! قام وزير التربية والتعليم، حفظه الله، مشكوراً بالاحتفاء بالطالب الموهوب فهد عبدالله إبراهيم، والحاصل على المركز الثالث والميدالية البرونزية على مستوى العالم في مسابقة رسوم الأطفال التي أقيمت في الصين، إذ استقبله وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله العبيد في مكتبه وقام بتكريمه، الذي في الوقت نفسه اعتذر تعليم المجمعة عن عدم تكريمه! متعللاً بأن المسابقة غير رسمية، فأقدم زملاء الطالب في مدرسته ومدرسوه على إقامة حفلة مصغرة للاحتفاء به. كنت أرى الإحباط أمامي خلال عملي كمدرس على مدى 33 عاماً من دون أن أستطيع عمل شيء حيال ذلك، فقد كان تيار الإحباط قوياً! وكانت الصفعة قوية، إذ تأتيني الصفعة على شكل عبارة محبطة جداً: كل رزقك وأسكت، وكنت أناقش القائلين لتلك العبارة: لماذا؟ حتى القطط تأكل والعصافير كذلك، فلماذا الاكتفاء بالأكل فقط؟! وكان الرد أكثر مرارة: وش في يدك، خلك في حالك! وأذكر مرة أتيحت لي الفرصة لأخذ الميكروفون لأتحدث إلى الطلاب قائلاً: في الحياة العادية، في محيط الحي أو القرية، داخل المدينة أو خارجها، ألسنا نتنافس في كل شيء؟! كذا نتنافس زمن البغال والحمير على تزيينها وجز شعر الحمير بأسلوب فني وبنقوش فنية، كما نفعل الآن، إذ نتنافس على زينة سياراتنا، وكذا الحال في البنيان، في عدد الأدوار وواجهات الرخام والمرمر أو ألوان الطلاء الفاقعة أو استقدام الخادمات والسائقين أو البذخ في الأفراح في قصور أفراح! أو التنافس في التفحيط أو الممارسات الخاطئة الأخرى العديدة، كالمعاكسات عبر الجوال وغير الجوال من الوسائط العديدة! ولكن لماذا لم نتنافس في ولوج المكتبات وقراءة الكتب امتثالاً لأمر الله اقرأ باسم ربك الذي خلق وتعلل ابني قائلاً: إن مكتبة الملك فهد العامة شمال جامعة الملك عبدالعزيز، لا زالت متعثرة ولم تفتح بعد، على رغم مرور سنوات عدة على اكتمال بنائها، فقلت: عندك مكتبات عدة تجارية تبتاع منها ما تشاء، أجاب: أريد مكتبات عامة نرى الناس في العالم والمكتبات هي بداية النبوغ والموهبة ونبوغ الاختراعات، لأن القراءة بتركيز، وفي بهو وقاعة وردهات المكتبة تُشكل شخصية المثقف والمخترع والنابغة والمفكر، وإذا اتجه الشباب إلى المكتبات العامة يقل أعداد المتسكعين والمفحطين، بل وحتى المجرمين بأنواعهم، لأن الاطلاع يزيل عنهم الغشاوة من عقولهم الصدئة، ثم يأتي دور التشجيع في دور العلم كالمدارس والمعاهد والجامعات والتقنية، وذلك بإشاعة جو التنافس، كما فعلت أخيراً جامعة الملك عبدالعزيز بإطلاق تنافس الطالب المثالي. المدرس أياً كان يجب أن يكون مستكشفاً يستطيع اكتشاف المواهب ثم تقوم الإدارة بتبني هؤلاء النوابغ والرفع عنهم إلى الجهات الراعية للمواهب ومتابعتهم، في مختلف مراحل تعليمهم... وأتوجه بالنداء إلى محبي العلم ومحبي الثقافة ومحبي الوطن الغالي بأن يسارعوا إلى تجهيز مكتبة الملك فهد وتزويدها بكل الكتب اللازمة، وافتتاحها سريعاً، ويكفي ما فات.