في خطوة إيجابية وصحيحة أعلنت الأمانات عن إيقاف المقاولين عن إدارة وتشغيل المواقف المدفوعة، متخذةً قرارًا استراتيجيًا بتولي هذه المهمة بنفسها خلال الفترة المقبلة، وذلك ضمن مشروع تطوير المواقف العامة وتحسين جودتها. لم يكن هذا القرار مجرد إجراء إداري، بل جاء استجابةً لمطالبات المواطنين والمقيمين الذين عانوا من التجربة السابقة، حيث لم تكن آلية التنظيم التي اعتمدها المقاولون موفقة بالشكل الذي يحقق العدالة في فرض الرسوم والغرامات أو يوفر تجربة مستخدم سلسة وعادلة. لقد تحولت المواقف المدفوعة، في ظل إدارة المقاولين، إلى مصدر إزعاج لكثير من المستخدمين، حيث لم تكن الغرامات متناسبة مع حجم المخالفة، مما جعلها أشبه بفخ يقع فيه كل من يتوقف دون دفع. فقد وجد كثير من أصحاب المركبات أنفسهم مطالبين بدفع 500 ريال لمجرد عدم سداد 3 ريالات، وهو أمر يفتقر إلى المنطق والعدالة. والأسوأ من ذلك أن بعض المقاولين لم يكتفوا بفرض الغرامات، بل لجأوا إلى سحب المركبات، ما تسبب في تعطيل أصحابها وإجبارهم على خوض معاناة استعادتها وسط إجراءات بيروقراطية معقدة ومزعجة، ناهيك عن التكاليف الإضافية التي تترتب على ذلك. في ظل هذه الفوضى، جاء تدخل الأمانات ليضع حدًا لهذه التجاوزات، بحيث تصبح إدارة المواقف تحت إشراف الجهات البلدية مباشرة، دون وسطاء يسعون للربح على حساب راحة المستخدمين. ومن هنا، فإن الاكتفاء بفرض الغرامات بدلًا من سحب المركبات يمثل نهجًا أكثر عدالة وإنصافًا، حيث إن الغرامة المرتفعة بحد ذاتها تعد رادعًا كافيًا دون الحاجة إلى تعقيد الأمور بإجراءات تزيد من معاناة صاحب المركبة. فإذا كان المخالف مضطرًا لدفع مبلغ يعادل تكلفة الموقف لعدة أيام، فإن ذلك يشكل عقوبة مالية كافية دون الحاجة إلى تعطيل مصالحه أو إثقال كاهله بإجراءات استرداد مركبته. ما يميز هذا القرار أيضًا هو إمكانية تحسين تجربة المواقف عبر استغلال كوادر الأمانة نفسها، بحيث يتم توزيع الموظفين وفق نظام «الشفتات» خلال أوقات الذروة، مما يضمن رقابة مباشرة وفعالة. كما أن هذه الخطوة تفتح المجال أمام تبني حلول أكثر ذكاءً لتنظيم المواقف، مثل استخدام تقنيات الدفع الإلكتروني، وإرسال إشعارات تنبيهية للمستخدمين قبل فرض الغرامات، وتوفير اشتراكات مرنة تسهّل عملية الدفع وتحد من وقوع المخالفات أساسًا. نتمنى أن تكون جميع المواقف المدفوعة تابعة للبلديات بشكل مباشر دون وسطاء، وأن يقتصر التعامل مع المخالفين على فرض الغرامات دون اللجوء إلى سحب المركبات، فالتنظيم الجيد يجب أن يحقق العدالة والمرونة في آنٍ واحد، دون أن يتحول إلى عبء إضافي على أصحاب المركبات. وبينما تمضي الأمانات في تنفيذ هذا القرار، يبقى الأمل معلقًا على أن تتم إدارته بأسلوب يحقق التوازن بين التنظيم والراحة، ويعزز من جودة الحياة داخل المدن.