التقيته مصادفة في فندق"كونرادو"بالقاهرة، إذ كان بهو الفندق يعج بالكثير من الشخصيات ذات الصلة بالعملين الإسلامي والسياسي، الذين كانوا ضيوف المؤتمر العالمي للشباب الإسلامي، المنظم من الندوة. رأيته قادماً وحوله عدد لا بأس به ينبئ عن مدى أهميته. صراحة لا أنكر اندهاشي من عدم معرفتي له في البداية، لكن بعد ان استقر بجواري وبدأت استمع إلى الحوار الدائر بينه وبين عدد من مرافقيه، اكتشفت أنه"حارث الضاري"، الشخصية الأكثر جدلاً على الساحة العراقية، والأكثر تحريفاً وتهويلاً لطبيعة دورها في الصراع الدائر هناك. وبعيداً عن مأزق التأييد أو المعارضة لشخصه، خصوصاً أنني لا أنكر جهلي بحقيقة الدور الذي يقوم به في العراق، لكنني وبعد أن استمعت إلى الرجل، وتحولت قليلاً للمشاركة في مناقشته، اكتشفت الكم الهائل من ثقته - وضمناً ثقة الكثير من العراقيين كما أشار- في أهمية الدور الذي تقوم به المملكة في منطقة الخليج بشكل عام، وأهمية دعم هذا الدور حفاظاً على التوازنات التي بدأت في الاختلال بالمنطقة، والتي ستتضرر منها في المقام الأول شعوب المنطقة. سألته بشكل مباشر عن موقف هيئة علماء المسلمين بالعراق وما تقوم به من أجل منع إراقة الدم العراقي وإهداره، وعن المحرك الرئيس لعمليات الاغتيالات المنتشرة التي أصبحت تحصد الأوراح تباعاً، أجابني بشفافية تامة، أن الدور الذي تقوم به الهيئة هناك هو محاولة للتقريب بين العناصر المتناحرة طائفياً، والكشف عن مخطط كبير يسعى لهدم وتمزيق العراق، وأنه رجل سياسة في المقام الأول وليس رجل دين فقط، وبالتالي على هذه الهيئة أن تقوم بدورها السياسي في الوقت الجاري. لكنه أشار إلى أن المشكلة - كما يتصورها - وجود بعض الفئات والجماعات داخل العراق، التي من مصلحتها سياسياً واقتصادياً أن تزداد حال الصراع الداخلي بين العراقيين، بل إنهم حريصون كل الحرص على تأجيج هذا الصراع، ولا يتوانون في زيادة اشتعاله كلما شعروا بأنه خمد وهدأ. حديث الرجل كان شفافاً وواضحاً وربما لا يتسع المجال لذكر كل ما قاله، لكن الجزئية التي يهمني التوقف عندها هو مدى انتظار العراقيين للدور السعودي، ومدى تقبلهم لهذا الدور ولهفتهم على رؤية تحرك أكبر وأوسع من المملكة تحديداً، خصوصاً أن السياسة السعودية ترتكز في الأساس على مراعاة الصالح العام لأي مجتمع عربي أو مسلم، بغض النظر وبعيداً عن أي حسابات تجير دورها وموقفها إلى جهة أو فئة. وهنا أيضاً لا أنكر أنني لم أفاجأ بالمكانة العظيمة للخارجية السعودية وللتحرك السعودي، ومدى التأثر الإيجابي للمنطقة بتحركاتها التي إن دلت فإنما تدل على أن الخارطة السياسية القديمة لتقسيمات دول المحور والأطراف في المنطقة العربية ما زالت تحتفظ المملكة بمكانة متقدمة في قلبها. لا أريد هنا أن يتصور البعض أن هذا تعنصر كوني سعودياً، بل لأن المعطيات الحالية التي تبرهنها النتائج على أرض الواقع عربياً تشير إلى أن المملكة تُصلح ما يفسده الغير، وتتحرك بهدوء واتزان بعيداً عن الفلاشات الإعلامية الصاخبة التي تغرقنا حديثاً وتنظيراً ولا نرى لها فعلياً تأثيراً واضحاً. إنني كمواطن يهمني في المقام الأول أن يزداد هذا الدور ويتنامى، وأن أتقدم لولاة الأمر لدينا كافة بالشكر والتقدير على أن منحونا كمواطنين مكانة متقدمة أمام الآخرين، وأكسبوا وجودنا أهمية بصدقية تامة أتلمسها في كل تحركاتي الخارجية سواءً على المستوى الشخصي أو المهني كإعلامي سعودي يحتك ويتحرك وسط زملاء من خارج المملكة، وأتلمس مدى التقدير الذي يكنه هؤلاء للدور السعودي حتى وإن حاول البعض منهم إخفاءه أو التقليل من تأثيره. [email protected]