شكلت مساعي المملكة لفتح قنصلية لها في مدينة النجف جنوبيالعراق، عنوانا لتجاذبات سياسية بين قوى عراقية كبيرة من جهة وبين القوى الموالية لإيران من جهة ثانية، في ظل تساؤلات واسعة عن مغزى هذا التوجه السعودي. وتحدثت مصادر مطلعة داخل أروقة وزارة الخارجية العراقية ل«الوطن»، أن خطوات فتح قنصلية سعودية في النجف تتم على قدم وساق، وأن هذه الخطوة باتت ذات أبعاد إيجابية، خاصة في ضوء تطور العلاقات بين بغدادوالرياض، مشيرة إلى أن هذا الموضوع يحظى بدعم قوي من قبل المرجعيات الدينية في المدينة التي تعد مركزا قياديا للحوزة العلمية التي يقودها المرجع الديني الأعلى علي السيستاني. توجس إيراني أكد قيادي في تيار الزعيم السياسي العراقي مقتدى الصدر في حديث إلى «الوطن»، أن النظام الإيراني غير مرتاح للوجود السعودي في النجف، وأن هذا الموقف نقله دبلوماسيون إيرانيون في بغداد والنجف نفسها إلى المسؤولين العراقيين، سيما أن حكومة النجف المحلية والمراجع الدينية في المدينة أصبحت متحمسة للوجود السعودي. وحدد القيادي الصدري 3 أسباب رئيسية للقلق الإيراني من التحركات السعودية النشطة في النجف، أولها أنه يهدد ويتحدى النفوذ والتفرد الإيراني في المحافظاتالجنوبيةالعراقية العربية، والتي تقطنها غالبية من المسلمين الشيعة، وهو عمل استباقي لم تقم به أي دولة في السابق من العالمين العربي والإسلامي. وأضاف المصدر، إن السبب الثاني يكمن في أن النظام الإيراني يعتقد بأن التواجد السعودي في النجف سيؤدي إلى تعزيز قنوات التواصل مع السيستاني وغيره من القيادات الدينية العراقية، وهو أمر يثير مخاوف نظام ولاية الفقيه لأن النجف منافس لمدينة قم في إيران في قيادة المرجعية الدينية. وأوضح المصدر أن السبب الثالث يتركز في أن الوجود السعودي العربي سيقوي الاتجاهات العروبية على حساب التحشيد المذهبي الفارسي في المحافظاتالجنوبيةالعراقية التي تضم تسع محافظات ذات غالبية سكانية في العراق، سيما أن طهران عملت منذ عام 2003 على بناء هذا النوع من التحشيد، ظنا منها أنه سيرجح كفة نفوذها من العراق. خطوة استراتيجية وصف الباحث السياسي خضير الساعدي، الوجود السعودي في النجف عملا استراتيجيا مهما بكل المقاييس والاعتبارات. وأوضح الساعدي أن المحافظاتالجنوبيةالعراقية ترتبط بحدود واسعة مع المملكة، وبالتالي توجد نظرة بعيدة لدى القيادة السياسية في الرياض بأن جنوبالعراق هو عمق حيوي في الأمن القومي العربي والأمن الوطني السعودي والخليجي، لافتا إلى أن هذا الحضور سيمنع أي تحركات مريبة لإثارة المشاكل في هذه المناطق. دحض الاتهامات يرى سياسيون عراقيون أن افتتاح قنصلية سعودية في النجف واتساع الدور السعودي في عموم المحافظاتالعراقية، بات يفند الاتهامات التي وجهتها بعض القوى السياسية العراقية للرياض بأنها دولة معادية للمكون الرئيسي في العراق. وقال الناشط الإعلامي في محافظة الديوانية العراقية، فاضل حسين، في حديثه إلى «الوطن»، إن الوجود السعودي في النجف يدحض ادعاءات بعض القوى العراقية من أن الرياض لا تقف على مسافة واحدة مع جميع مكونات الشعب العراقي، مشيرا إلى أن مثل هذه الخطوة تؤكد وجود رغبة سعودية لإقامة علاقات قوية مع عراق موحد يؤمن بسلطة القانون، لافتا إلى أن القوى الإيرانية هي من أسهمت في إذكاء هذه النعرات الطائفية ضد المملكة. استهداف المملكة قالت مصادر بلجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، إن النظام الإيراني وحلفاءه التقليديين في سورية لديهم قناعة بأن مرحلة فاصلة من الصراع المذهبي ستبدأ بعد انتصار نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق، وإن الهدف المقبل لهذا الصراع هو السعودية، سواء من خلال التفرغ للوضع في اليمن، أو إثارة مشاكل على حدود العراق والسعودية. وأضافت المصادر «أن الوجود السعودي في النجف يمكن أن يتطور إلى وجود قنصلي في البصرة وغيرها من المدن الجنوبيةالعراقية، مما سيجهض كل الحسابات الإيرانية التي لا ترغب في وجود انفتاح بين مكونات العالم الإسلامي».