وسائل الدعوة ليست توقيفية، ولكنها متجددة تجدد وسائل الاتصال والتخاطب بين الناس، ومن توفيق الله لعبده أن يطوّع وسائلَ الاتصال الحديثة لنشر الخير واستعمالها في الهداية إليه على بصيرة، ومن البلوى وعدم التوفيق أن يستعمل تلك الوسائلَ للدعوة على غير بصيرة، فيضل ويُضِل، فينشر بدعةً، أو يشوّه سنة، أو يروي حديثاً مكذوباً، أو ضعيفاً لا تثبت به حجة، فيكون بذلك عوناً على نشر الجهل وتشويه الدين وترويج الدجل والخرافات. وأكثر من يقع في هذه الخطيئة يعتذر بحبه الدعوة للخير، وأنه لو علم ما فعل، ولكننا نقول: النية الحسنة لا تشفع، ولا تسوِّغ الفعل، ولقد كانت عذرَ بعض الذين يضعون الأحاديث، أو يتساهلون في رواية الضعيف منها، فما أعذرتهم ولا سوّغتْ خطأهم. إن كثيراً من هؤلاء لا يتصورون الداعية إلا في صورة ذلك الرجل الذي يقوم أمام الناس فيخطب فيهم ويعظهم كفاحاً بلسانه، أو يُسمعهم الموعظة من خلال وسائل الإعلام! ولا يتصورون أن بعضَاً مَن يَبتدر رسائل انشر تؤجر بإرسالها إلى غيره داعيةٌ كذلك! أليس يرسل موعظة، فيها ترغيب أو ترهيب، وحديثٌ أو أثر؟ فلماذا نستعظم ونستقبح من الداعية بصورته النمطية في كلمته ما لا نستعظمه ولا نستقبحه من أنفسنا في رسائل: انشر تؤجر، من إيراد حديث موضوع، أو موعظة تخالف هدي النبي r، أو عملٍ لا تقره الشريعة؟ بل لعل ما نفعل من ذلك أقبح وأعظم خطراً من فعل ذلك الداعية، لأن جنايتنا على الشريعة ورسولها في رسائل انشر تؤجر أسرع انتشاراً وأبقى أثراً، فهي محفوظة في مستودع رسائل الجوال، يتلقاها جوال عن جوال، ونسوط الناس لنشرها بعبارةانشر تؤجر، إياك أن تقف الرسالة عندك، لا تحرم الناس أجرها. ليعلم المتولون كِبر هذه الرسائل إنشاءً وإرسالاً أن فقه الوعظ والاحتساب ينسحب على رسائل انشر تؤجر، كما تنسحب على وعظ الواعظ في المسجد، واحتساب المحتسب في مجتمع الناس، بل إن رسائل انشر تؤجر تتضمن زيادةً تستوجب تثبّتاً لا يجب في غيرها، وهي عبارة: انشر تؤجر، حيث تقرِّر حكماً شرعياً وهو: أن ناشرَ هذه الرسالة مأجور، ومن المعلوم أن استحقاق الأجر لا يُعلم إلا من جهة الشرع، فلا بد إذاً من دليل، ولو من عمومات النصوص، وإلا كان افتراءً على الشرع. وصحيحٌ أن عمومات الشريعة تدل على أن مَن دل على هدى، فله مثل أجر فاعله، وأن من دعا إليه فله أجر من تبعه، ولكن هل كل ما تدعو إليه رسائل انشر تؤجر يعد من الهُدى المؤجور ناشرُه والداعي إليه؟ أليس كثيرٌ منها يروي أحاديث مكذوبةً عن النبي r ؟! أليس منها رسائل تقرر فضائلَ أعمال لم يصح لها فضل في الشرع؟! أليس منها رسائلُ تشرِّع صوراً من الاحتساب لا يرضاها الشرع، تفتقد الحكمةَ والتثبّتَ والموازنةَ بين المصالح والمفاسد، وتتضمن التشهير والنيل من بُراء بلا بينة ؟! أفليس حقّها أن يقال عنها: انشر تؤزر، وليس انشر تؤجر؟! من آخر بواقع هذه الرسائل التي تَعِدُ الأجرَ لناشرها رسالةٌ تدعو إلى مقاطعة إحدى شركات الرز وتحذّر من الشراء منه لزكاة الفطر، بدعوى أنها أحد الراعين الرسميين لبرنامج مشهور مع أنه لم يثبت ذلك والمضحك المؤسف أن رسائل مقاطعة تلك الشركة الممهورة بعبارة انشر تؤجر تُرسل من خلال شرائح شركة اتصالاتٍ، هي من أشهر الراعين الرسميين لذلك البرنامج يقيناً وكانت الأحقَ بالمقاطعة من تلك الشركة إن كان لا بد من مقاطعة ولكن جبنتْ أيدي المقاطعة عن مقاطعتها، لأن سياسة المقاطعة ألا تُسلط المقاطعة في هذا البلد إلا على كل ضعيفٍ متضعِّف، ليس هذا فحسب! بل انقلبت مقاطعة تلك الشركة ربحاً ودعماً لشركة الاتصالات هذه، وحقّقت لها رسائل المقاطعة أرباحاً غير محتسبة، ببركة مُخدِر انشر تؤجر! ومهما يكن، فإننا نحسب أن دائرة الجهل والإثم في رسائل انشر تؤجر ستضيق شيئاً فشيئاً، بعد أن تسابقت مؤسسات علمية ودعوية موثوقةٌ من أشهرها مؤسسة الإسلام اليوم في تنفيذ خدمة رسائل الجوال الدعوية ، وأخضعت رسائلها لإشراف نخبة مؤهلة شرعياً وفكرياً، فتولّت عن الناس مهمة انشر تؤجر، لعشرات الآلاف من المشتركين في الخدمة، ولا شك في أن تولي المؤسسات الموثوقة هذا الأمر فيه ترشيدٌ لرسائل انشر تؤجر وتقليص لرسائل انشر تؤزر. * محاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. [email protected]