مع تغيّر وتيرة حياتنا في السنوات الأخيرة، ومع تسارع المستجدات في وسائل التواصل الاجتماعي، نجد أنفسنا تدريجياً صغارنا وكبارنا نستغني عن طرق التواصل التقليدية كاللقاءات والزيارات العائلية والمسامرات والاتصالات الهاتفية، وهي بلا شك وسائل ضرورية للتواصل وتبادل الخبرات في الحياة وتناقل الأخبار والحكايات والمعلومات، وفي المقابل تسيطر على المشهد وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي تتميز بسهولة الاستخدام والذكاء التقني، وبذلك تصبح هي المصدر الأول للأخبار العائلية والقصص وتناقل الخبرات، فتجد كبار السنّ قبل الشباب يتسابقون في تبادل الرسائل والصور والمقاطع المليئة بالترفيه والدعابة البريئة وهو أمرٌ جميل ولا بأس فيه، ولكن أيضاً فإن كثيراً من هذه الرسائل التي يتم تناقلها تحتوي على قدر لا يُستهان به من المعلومات الدينية والطبية والعلمية والتاريخية المغلوطة والمكذوبة، والتي تُصاغ عادةً باحترافية وفطانة عالية، في قالبٍ يبهر المتلقّي ويُلامس اهتماماته واحتياجاته، والناس بطبعها شغوفة بالحقائق والمعلومات الجديدة عليهم، وبالتالي فإنها وللأسف تؤخذ على محمل الجِدّ وخصوصاً من قبل كبار السنّ ومحدودي التعليم، فيصدّقونها دون تثّبت أو تمحيص وكأنها مُسلّمات موثوقٌ بها، قد تؤثر بوعيٍ وبلا وعي على أفكارنا وقناعاتنا وحياتنا.. وهنا تكمن خطورتها. فبعضها يحتوي على أحاديث نبوية موضوعة وروايات وآثار مكذوبة، يتمّ تذييلها بالعبارة المشهورة: انشر تؤجر !! مع أن نشرها فيه إثم لا أجر، وأيضاً قد تحتوي على معلومات طبية مُضلِّلة وخاطئة تضرّ ولا تنفع، ويتم إقحام أسماء مؤسسات طبية عريقة أو أطباء أعلام زوراً وبهتاناً، والنتيجة طبعاً قد تصل إلى تدهور في أجهزة الجسم أو الوفاة. إن أغلب هذه الرسائل والمعلومات كما يجب ألا يخفى على المتلقي تجمع بين أكثر من كارثة، فهي مجهولة المصدر ومضطربة المصداقية وغامضة الأهداف، على عكس وسائل التواصل التقليدية والتي مصدر الخبر أو المعلومة فيها ذو موثوقية معقولة ويمكن بسهولة التحقّق منه وتصديقه أو تكذيبه، كما أن الهدف منها معروف وواضح، ومن هذا المنطلق فإنني كنت ولا زلت أعتقد أن التروّي والتدقيق عند تلقي مثل هذا النوع من الرسائل أمر ضروري، فلا داعي للتسرّع في نقلها للأهل والأصدقاء والأحباب قبل التمحيص والرجوع إلى المصادر الموثوقة والمعروفة للمعلومات كالمَراجع والكتب والمجلّات العلمية المعتمدة، وهي أيضاً متوفرة بسهولة بصيغتها الرقمية على الإنترنت، ولمن لا يستطيع فلا أقل من عرض تلك المعلومات والاستفسار عن مدى صحّتها ودقتها من الأشخاص الذين نثق بعلمهم ومصداقيتهم، وإن لم يكن هذا أيضاً متاحاً فإني أرى ولعلكم توافقونني أن عدم نقل مثل هذا النوع من الرسائل إلى الآخرين أفضل وأحوط. ولعلنا نلخّص الموضوع بتلك الوصية النبوية العظيمة: " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " *طبيب نفسي وكاتب