لم تكن مبالغة، حينما وصف ديبلوماسي غربي، خلال انتقال السلطة في مؤسسة الحكم السعودي، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز، بأنهما"صانعا قرار وذوا فكر متجدد فريدان من نوعهما". في الملف الاقتصادي خصوصاً، يبرز الملك عبدالله بن عبدالعزيز والأمير سلطان، بأنهما صانعا قرار جريئان، ذوا رؤية واضحة ترى أن هذا الشأن، تحديداً، لا بد من أن يستند إلى عمل مؤسسي منهجي داخله طموح ومبادرات وتحدّ. ولا جدال هنا على أن ذلك كان نتاج خبرة تراكمية لهما وقرب شديد من"عهد الفهد"، ومرونة في التعاطي مع واقع الظروف والتحديات التي أحيطت ببلادهما، منذ أن عهد الملك الراحل لأخيه الملك عبدالله إدارة شؤون البلاد وسانده ولي عهده الأمير سلطان منذ عام 1995 وجد الملك عبدالله أن بلاده تعيش وسط مشهد دولي محلي، لا يخرج عن التحديات التالية: أولاً: التذبذب في أسعار النفط وخطورة الاعتماد عليه مصدراً وحيداً للدخل. ثانياً: استمرار عبء الإنفاق الحكومي وما يتركه من آثار على ارتفاع الدين العام والعجز في الموازنة. ثالثاً: استمرار ضعف إسهام قطاعات البنية التحتية والخدمات في الناتج المحلي. رابعاً: النمو البطيء لبعض القطاعات. خامساً: تصاعد وتيرة النمو السكاني وزيادة معدلات الخريجين. سادساً: تقادم العمر الزمني لأنظمة وتشريعات الاستثمار. سابعاً: سيطرة تعقيد الروتين والبيروقراطية في بعض الإجراءات. ثامناً: اختلال تركيبة الأنشطة والقطاعات الاقتصادية بما ينعكس على ارتفاع كلفة الحصول على التقنية. تاسعاً: زيادة المنافسة في سوق جذب الموارد المحلية. عاشراً: زيادة الارتباط بالاقتصاد العالمي. حادي عشر: الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وبدت هذه التحديات متشابكة إلى حد كبير، بل يمكن القول إن بعضها قاد إلى الآخر كنتيجة حتمية، فارتباط أسعار النفط هبوطاً أصاب الإنفاق الحكومي بالتذبذب، وهذا الإنفاق - كما هو معروف - يعتبر لاعباً رئيساً في تحريك الطلب داخل السوق المحلية، ولا يزال على رغم خفضه وترشيده يشكل ما نسبته 40 في المئة من إجمالي الطلب المحلي، باستثناء تكوين رأس المال الثابت والتغير في المخزون، ونتيجة لذلك العبء تذبذب إسهام قطاعات البنية التحتية في الناتج المحلي الإجمالي عام 1993 نتيجة هبوط الإنفاق على مشاريع الكهرباء والماء إذ بلغ إسهام هذا القطاع 3.7 في المئة وحينما زاد الإنفاق عام 1996 ارتفع إسهامه إلى 6.5 في المئة. ويطبق ذلك أيضاً لتقادم العمر الزمني للأنظمة والتشريعات الاستثمارية وعدم مواكبتها التطورات المحلية والعالمية وتعددية الأجهزة التنفيذية والرقابية وما تركته على سوق جذب الموارد، فدولة مثل لبنان استقطبت 3.75 بليون دولار من أموال السعوديين، وقطاعان مثل التعدين والسياحة ينموان ببطء السلحفاة في الوقت الذي تملك فيه السعودية ثروات من شتى الأنواع، كما يصرف المواطنون نحو 30.3 بليون ريال لأغراض السفر. وفوق ذلك كله تصل استثمارات المصارف السعودية في الخارج إلى نحو 100 بليون ريال متحججة بارتفاع مخاطر الإقراض المحلي. العجز والدين وجد الملك عبدالله نفسه أمام ملف اسمه عجز الموازنة وارتفاع الدين العام فهما رفيقان متلازمان وأحدهما يقود إلى الآخر. وكانت خطط التنمية السادسة 1995-2000 تتوقع القضاء على العجز مع نهاية الخطة، ما أبرز التساؤل: كيف يمكن القضاء على العجز في ظل زيادة الاعتماد على الإنفاق الحكومي والاتجاه إلى التمويل عبر الاقتراض الداخلي بما انعكس على زيادة الدين العام؟ وأدى ذلك إلى طرح خيارات عدة، من بينها التمويل عبر فرض الرسوم، وهذا الخيار متاح وإمكان تطبيقه موجود، ويمكن القول إن هناك قطاعات أخرى يمكنها أن تسهم أيضاً: مثل زيادات أسعار التذاكر الدولية، واستخدام الطرق، وفرض رسوم على استخدام المرافق العامة مثل المستشفيات العامة وغيرها. إن التوجه نحو رسوم الخدمات العامة والاستفادة منه كقطاع مالي أساس ليس جديداً، فقد أقدمت كل دول مجلس التعاون الخليجي تقريباً على إحداث هذه الزيادات مع تفاوت نسبتها، بما فيها استحداث أسعار لخدمات كانت تقدم مجاناً أو شبه ذلك، منذ انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينات، واستمرار العجز في الموازنات العامة، الذي بدأ في الظهور عام 1993 إلا أنه مع استمرار تأزم الأوضاع المالية أخذ التركيز على هذا القطاع يبدو واضحاً مع بداية العقد الحالي. وتشير إحصاءات الأمانة العامة لدول المجلس إلى أن نصيب الخدمات الحكومية في الناتج الإجمالي المحلي المجمع للدول الست استمر في الارتفاع ابتداءً من عام 1985، فقد بلغ في ذلك العام 25.85 بليون دولار ووصل في 1992 إلى 38.3 بليون دولار، وبدأت الخدمات تحتل المرتبة الثانية بعد القطاع النفطي مباشرة إذ بلغت نسبتها في الناتج الإجمالي المحلي عام 1992 نحو 19.2 في المئة. ومع تطور وتعقد الأمور أصبح قطاع الخدمات العامة الخيار الأمثل والأسهل للحصول على موارد مالية من دون أعباء أو التزامات، ذلك أن الخيارات الأخرى تكتنفها صعوبات وتحتاج إلى ترتيبات ووقت حتى تعطي مردودها، مثل المصادر الإنتاجية كالصناعة والزراعة، التي يتطلب كل منها ترتيبات حتى تؤتي ثمارها، والوضع المالي لا يحتمل الانتظار أو حتى التمويل. كما أن خيار الضرائب بأنواعها المختلفة، أبرزها الدخل، لا يزال غير مرغوب في دول المجلس - ما عدا عُمان - لما لها من متطلبات وأعباء. واستمرت الدول الست عقداً في الاقتراض من السوق المحلية لتدعيم موازنتها منذ عام 1987 ببيع سندات التنمية وأذونات الخزانة لتمويل العجز، غير أنه بمرور السنوات وتكرار وجود العجز لم تعد تعاني من دفع فوائد الاقتراض فحسب، وإنما من صعوبة الإيفاء بالسداد، ما خلق مشكلة تراكم الديون المقترضة، أي تحول الوضع إلى معالجة العجز بعجز آخر. ويمكن الإشارة هنا إلى أن مطلوبات البنوك على القطاع الحكومي سجلت نمواً تصاعدياً بلغ ما يزيد على 30 في المئة في نهاية العام الماضي. وفي موازنة 1995 تم إدراج فرض رسوم على بعض السلع والخدمات العامة التي تقدمها، مؤملة تحقيق هدف ترشيد الاستهلاك، حيث تجاوزت المعدلات الفردية مثيلاتها من دول العالم. كما هدفت إلى خفض معدلات استقدام العمالة الأجنبية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة من طريق استخدام رسومها للقيام بذلك، وأخيراً تهيئة المناخ الملائم لبعض هذه الخدمات للتخصيص وتحويلها تدرجياً إلى القطاع الخاص، وبدا في شكل واقعي أن ذلك التصحيح أرادت به الحكومة أن يعكس مستوى كلفة إنتاج هذه السلع والخدمات أو حتى تقترب منها على الأقل، واختارت لتطبيقه نظام الشرائح لتحقيق توزيع عادل لأي عبء مالي ينتج من هذه الرسوم الإضافية بين طبقات المجتمع، وعلى رغم عدم توافر مؤشرات حقيقية لقياس انعكاسات تلك الزيادات على معدلات نمو الاستهلاك فإن ثمة انطباعاً عاماً بأنها أسهمت في الترشيد، ويمكن القول إن المخطط السعري في حاجة إلى إجراء مراجعة دورية وشاملة لنظام الرسوم المفروضة لتحديد مدى تأثيرها وما إذا كانت هناك حاجة إلى إجراء تعديلات عليها بين الحين والآخر لتحقيق مزيد من العدالة، مع الأخذ في الاعتبار التدرج، سواء في ظل تطبيق موحد لجميع الفئات أو في نظام الشرائح. المجلس الاقتصادي بحسب كثير من المراقبين، فإن قرار إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى الذي يترأسه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، دليل واضح على التوجه المستقبلي لدور الدولة في قيادة دفة الشؤون الاقتصادية، إذ وجد العاهل السعودي حينها ضرورة خروج الملف الاقتصادي من"عباءة"الدولة إلى القطاع الخاص. وتنبغي الإشارة إلى أن المجلس الأعلى لا يعتبر الأول من نوعه، إذ سبقه عام 1952"مجلس اقتصاد"في عهد الملك عبدالعزيز إبان فترات التنمية الأولى إذ رغب الملك المؤسس في الحصول على نخبة من الآراء والاقتراحات في كيفية استثمار الموارد النفطية. ويجب النظر هنا إلى أن المجلس الاقتصادي الأعلى السعودي لم يكن مجرد هيئة حكومية جديدة أو قرار لتشكيل جهة تتولى أعمال وأعباء جهات أخرى أو حتى إضافات، فهو هيكل هدفه تنظيم العلاقة بين جميع أطراف العملية الاقتصادية بدءاً من الدولة وأجهزتها مروراً بالمستثمرين المحليين والأجانب وانتهاءً بالمواطن. والواقع أن النجاح الذي حققه السعوديون في بناء اقتصاد عملاق يشكل نحو 40 في المئة من إجمالي الناتج الإجمالي العربي، وبما اعتبروه ضرباً من ضروب التحدي، حفزهم لأن يختاروا تحدياً جديداً في صياغة نموذج المجلس الأعلى، وكأنهم يشيرون إلى أن رحلتهم السابقة هي نموذج حقيقي في التنمية تعرضوا خلاله إلى مثل هذه التغيرات بل أشد، ومن نجح في بناء نموذج قوي يمكنه ابتكار سياسات تحميه وتخرجه من عنق الزجاجة. ويعزز ذلك القول أن المجلس الأعلى ضم في عضويته قمة الهرم في القيادة السعودية ممثلاً في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز ، ما يعني أن المجلس يحظى بقوة ودفع من أن لتلك الشخصيتين تأثيراً كبيراً في مسار العملية الاقتصادية، كما يحظى المجلس بعضوية جميع الوزراء ذوي العلاقة المباشرة بالشأن الاقتصادي، وهم :المالية، التجارة، النفط، التخطيط، الصناعة والكهرباء، العمل والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى عضوية ثلاثة وزراء دولة ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي التي تقوم بدور البنك المركزي في البلاد. وبات السؤال مطروحاً: هل يعني إنشاء مجلس أعلى أن الاقتصاد السعودي لا يزال في قبضة الدولة في الوقت الذي ينادى فيه بفك ارتباط الشأن الاقتصادي عنها؟ إن علم الاقتصاد يعرّف وظيفة الدولة بأنها"تحقيق الرفاهة للمجتمع"، ومن هنا حسمت السعودية ذلك الجدل حينما أوضحت أن السياسة الاقتصادية ترتكز على ثوابت الرعاية الاجتماعية الشاملة ومفهوم الاقتصاد الحر والأسواق المفتوحة للمال والسلع والخدمات والمنتجات من أجل تحقيق العديد من الغايات، وهي: أولاً: أمن ورفاهية وازدهار المجتمع مع المحافظة على القيم الإسلامية والبيئة والثروات الطبيعية في شكل يوازن بين الحاضر والمستقبل. ثانياً: نمو الاقتصاد بصفة منتظمة وبمستوى ملائم بحيث تتحقق زيادة حقيقية في دخل الفرد. ثالثاً: استقرار الأسعار. رابعاً: توفير فرص العمل وتوظيف أمثل للقوى البشرية. خامساً: ضبط الدين العام والسيطرة عليه في حدود آمنة ومقبولة. سادساً: تأكيد التوزيع العادل للدخل وفرص الاستثمار والعمل. سابعاً: تنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة مصادر الإيراد العام. ثامناً: تنمية المدخرات وتطوير أوعية ادخارية وقنوات استثمارية سليمة. تاسعاً: زيادة دخل الدولة وربطه بحركة ونمو الاقتصاد الوطني بما يمكنها من أداء مسؤولياتها نحو التنمية. عاشراً: زيادة استثمار رؤوس الأموال والمدخرات المحلية في الاقتصاد الوطني بالسبل الفعالة ودعم برنامج الحكومة للتخصيص وتطوير برنامج التوازن الاقتصادي. حادي عشر: زيادة مشاركة القطاع الخاص وتوسيع إسهامه وفاعليته والمشاركة في برنامج التخصيص. ثاني عشر: تعزيز مقدرة الاقتصاد الوطني على التفاعل بمرونة وكفاءة مع المتغيرات الدولية. إن كل تلك السياسات تصب في تحقيق"الرفاهة للمجتمع"وتكرس مفهوم وظيفة الدولة الاجتماعية. وإذا كانت هذه الغايات أكدت إشراف الدولة على العملية الاقتصادية بهدف عدم حدوث اختلال فيها، فإنها في المقابل أكدت أيضاً أن الدولة شريك في السوق، ومن أهم المؤشرات على ذلك أن السياسة الاقتصادية نظرت إلى قضية ضبط الدين العام في حدود وظيفته الآمنة كمحفز للعملية الاقتصادية حتى لا يتجاوز الغرض من حركته في حدود أهداف الدولة الاجتماعية. كما أن السياسات الاقتصادية السابقة أشارت إلى ضرورة توافر البدائل اللازمة للدولة للقيام بأعباء وظيفتها وربط ذلك بحركة السوق حتى يمكن توفير مصادر حقيقية من حركة السوق فلا يكفي أن تعتمد الدولة على ملكيتها مصادر الثروة الطبيعية أو المصادر الجبائية. صناعة الغاز الثابت حالياً أن"مبادرة الغاز"الشهيرة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 1998 في عقر دار الشركات الأميركية، استهدف بها"الفعل التنموي"وليست لأهداف سياسية، فالعاهل السعودي كان يرغب أن تستفيد بلاده من مدخرات الأرض الطبيعية في تنمية البلاد ورفاهة المواطن. ووضح ذلك جلياً في مسار المفاوضات التي شهدت حينذاك"ضجيجاً"ملحوظاً، إذ كان الجانب السعودي يسعى إلى تحقيق أفضل المكاسب في المفاوضات مع الشركات الأجنبية، وليس لأهداف تجارية أو اقتصادية كما تنظر إليها الشركات. وكان واضحاً أن الشركات الأجنبية المفاوضة تناست حينها أن الطرف المقابل حكومة ولجنة وزارية مسؤولة عن التنمية وليست شركة تبحث عن ربح، وهو ما يجعل الأمر يختلف تماماً، كما أن نوعية المشاريع المطروحة من النوع المتكامل، إذ إن المشروع الواحد يشمل إضافة إلى تطوير حقول الغاز بناء محطات تحلية وكهرباء وتنفيذ مشاريع بتروكيماوية، وهذا النوع من الاتفاقات محدود على مستوى عالمي ويحتاج إلى تكاتف الشركات المتخصصة لتنفيذه، إلى جانب أن عائد الربح مثلاً في مصفاة النفط يتراوح بين 18 و20 في المئة في حين أن الوضع مع مشاريع المياه والكهرباء يختلف تماماً. واقتنعت الشركات في الفترة الأخيرة من مسار المفاوضات بأن الاتفاق سيكون مع الحكومة السعودية ولمصلحة مواطنيها، ومثل هذه الاتفاقيات أبرمت قبل نحو 60 عاماً وتمتعت فيها الشركات المستفيدة بأرباح واستقرار سياسي وأمني وضمان للاستثمار قل أن يوجد في مناطق الدول النامية. وفي عام 2000 أعطى الملك عبدالله بن عبدالعزيز الضوء الأخضر لإعلان استراتيجية قطاع الغاز لتكون بمثابة السبيل الذي ينبغي الاسترشاد به في تطوير هذه الصناعة. وأكدت هذه الاستراتيجية دور الغاز كمحرك رئيس للنمو الصناعي ولإيجاد مزيد من الفرص الوظيفية، كما تضمنت الاستراتيجية الرؤية المستقبلية لقطاع الغاز ألا وهي"تحقيق أعلى مردود اقتصادي واجتماعي من استغلال مواردها من الغاز الطبيعي". ومن الناحية العملية فإن الرؤية المستقبلية لقطاع الغاز تشمل إجراء برامج تنقيب مكثفة وسريعة للمناطق التي لم يتم التنقيب فيها بشكل كاف وذلك بغرض اكتشاف موارد إضافية كبيرة من الغاز يمكن تطويرها اقتصادياً لزيادة الإمدادات وتلبية متطلبات الغاز لمدة 25 عاماً المخططة لها، وستأتي الإمدادات المطلوبة من موارد متعددة ضمن جميع مناطق البلاد. وتركز الرؤية المستقبلية لقطاع الغاز على التوسع السريع والمكثف لإمدادات الغاز لتحقيق مزيد من التطور الصناعي وإيجاد فرص وظيفية إضافية. وأبدى الملك عبدالله بن عبدالعزيز إصراراً كبيراً على أن تكون شركة أرامكو السعودية شريكاً في مشروع تطوير واستغلال الغاز بطريقة فعَّالة من خلال استثمارات مستهدفة من جانب السعودية والمستثمرين المحليين والأجانب في هذا القطاع. وواضح أن هذا المشروع يسير بحسب المخطط له من طريق تبني قواعد تنظيمية ومالية مناسبة وفعَّالة. وفي هذا السياق، قامت المملكة بمبادرتها لجذب الاستثمارات المباشرة الأجنبية في جميع مراحل أعمال الغاز. وتجري حالياً شركات زيت عالمية رائدة مفاوضات مع المملكة لتنفيذ"مشاريع محورية"كبرى في جميع مراحل صناعة الغاز. ويسمح هيكل الصناعة المستقبلي للقطاع الخاص بالإسهام في جميع مراحل أعمال الغاز التي تشمل عمليات التنقيب والإنتاج والمعالجة والتجزئة والنقل إضافة إلى استخدامات الغاز المختلفة، مثل مشاريع توليد الكهرباء، وتحلية المياه، والصناعات البتروكيماوية وغيرها. وبحسب المخطط التنفيذي للمشروع سيتم إمداد الغاز وإنتاجه في المستقبل من قِبل شركة أرامكو السعودية أو المشاريع المشتركة بين المستثمرين في القطاع الخاص و"أرامكو السعودية". وسيكون بيع منتجات الغاز مستقبلاً من قِبل هذه الفئة من المستثمرين إلى"المجمِّع"الذي يقوم بتشغيل شبكة الغاز الرئيس في"أرامكو السعودية"وذلك إذا لم يكن الغاز مطلوباً من المستثمرين لاستخدامهم الخاص، كما سيكون بمقدور الشركات المنتجة تسويق الغاز ومنتجاته محلياً من خلال شبكة غير متصلة بشبكة الغاز الرئيسة. وستتولى وزارة البترول والثروة المعدنية الإشراف المباشر على صناعة الغاز وتنظيمها، والقواعد التنظيمية لحقوق ومعايير استخدام الغير خطوط الأنابيب والمرافق ذات الصلة، وتخصيص الغاز، وتسعير الغاز ومنتجاته، ومنح التراخيص للمستثمرين. إن صناعة الغاز والصناعات البتروكيماوية حققت في الفترة الماضية مردودات إيجابية وقيمة مضافة للاقتصاد السعودي، ويتوقع لها أن تستمر كنتيجة مباشرة للرؤية الثاقبة للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فالتطور الذي شهده قطاع الغاز خلال العقدين الماضيين حتى وصل إلى وضعه الحالي والتوسعات الجارية حالياً وتلك المخطط لتنفيذها هي خير شاهد على سياسة قيادة أصرت على مساندة التطور الصناعي. وكان لشركة أرامكو السعودية دور رئيس في هذا المجال، كما أنها ملتزمة بالبناء على نجاحاتها التي حققتها في السابق وتقديم المزيد من الإسهامات من أجل تطور ورفاهية المملكة، فتلك النجاحات السابقة تشكل قاعدة صلبة يعتمد عليها في نمو وتطور هذه الصناعة الحيوية مستقبلاً، عبر دعوة القطاع الخاص للاضطلاع بدور أكبر في تحقيق النمو في جميع مراحل صناعة الغاز. ولتحقيق ذلك الهدف فإن التسهيلات القانونية والتنظيمية والمالية السعودية من شأنها دعم تحقيق رؤيتها المستقبلية لقطاع الغاز مع توفير الحماية لمصالح المستثمرين في الوقت نفسه. التوازن الاقتصادي يحسب لولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز أنه مهندس برنامج التوازن الاقتصادي السعودي، الذي أسس أولى لبنات جذب الاستثمارات الصناعية ونقل التقنية والتوظيف. وكان الأمير سلطان بن عبدالعزيز يرى أن برنامج التوازن الاقتصادي هو محاولة ذكية للاستفادة من الأموال التي تنفقها الدولة على عقود الشراء للإسهام في دعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويتم ذلك عبر تشجيع الجهات الأجنبية على بناء شراكة استراتيجية بعيدة المدى مع القطاع الخاص السعودي من خلال توقيع اتفاقات للتوازن الاقتصادي تلتزم فيها تلك الجهات بإعادة استثمار ما يوازي نسبة محددة من قيمة العقود المرتبطة بها مع الحكومة، لإنشاء مشاريع ذات تقنية متقدمة بالمشاركة بين شركات القطاع الخاص السعودي والأجنبي. وبالفعل بدأ تطبيق برنامج التوازن الاقتصادي عام 1984 من خلال اتفاقيتي التوازن الاقتصادي اللتين أبرمتا مع كل من شركتي بوينغ وشركة جنرال إلكتريك. ونظراً إلى التقنية العالية التي تحملها مشاريع برنامج التوازن الاقتصادي وتنوع مجالاتها، أصبحت تشكل قاعدة جيدة لكثير من الصناعات، مثل: صناعة الطيران والفضاء من خلال شركات السلام للطائرات، الإلكترونيات المتقدمة، والدولية لهندسة النظم، والمعدات المكملة للطائرات، والشرق الأوسط للمحركات، والتي أصبحت توفر خدمات ذات أهمية استراتيجية للقوات المسلحة السعودية والخطوط الجوية السعودية. كما يضم البرنامج شركات تسهم في شكل فاعل في توفير احتياجات السعودية من سلع أساسية مهمة مثل الشركة المتحدة للسكر، وجلاكسو السعودية التي تصنع أصنافاً متعددة من الأدوية والمراهم، والشرق الأوسط للبطاريات. ولم يقف البرنامج عند هذا الحد، بل أصبح يلعب دوراً فاعلاً في الصناعة السعودية، من خلال تنسيق المشاركة الاستثمارية المباشرة للشركات السعودية وكبرى الشركات الأجنبية العالمية، وهو بذلك ينقلها من موقع مستورد التقنية إلى موقع المصدر لها. كما قدم البرنامج الاستشارات والمساندة للشركات في تطوير أدائها أو في توسيع حجم نشاطها، والبحث لها عن أفضل السبل والحلول المؤدية إلى ذلك. وبحسب تقديرات شبه رسمية، فإن حجم استثمارات برنامج التوازن الاقتصادي تجاوز سبعة بلايين ريال موزعة على 25 مشروعاً، ركزت على القطاعات الاستراتيجية والحيوية، وتوزعت على مجالات عدة بين صناعات كيماوية وبتروكيماوية وصناعة الطيران والكهرباء والإلكترونيات والغذاء والدواء والحاسبات والبرمجيات. وأسهمت هذه المشاريع جميعها في توفير أكثر من 4600 وظيفة مباشرة لا تقل نسبة السعوديين فيها عن 43 في المئة. ومن كبرى الشركات الأجنبية العالمية التي استثمرت في السعودية تحت مظلة برنامج التوازن الاقتصادي: بوينغ، وجنرال إلكتريك، ورولز رويس، وبرات آند وتني، وتيت آند لايل، وجلاكسو، وتاليس، والشركة البريطانية للطيران والفضاء، وإيه سي ديلكو، وبازل. فيما كان شركاؤها من القطاع: مجموعة صافولا، والبنك الأهلي التجاري، والشركة السعودية للصناعات المتطورة، والشركة السعودية للتوريدات، وشركة التوضيب والصيانة المحدودة، وشركة الجميح، وشركة عمر بالبيد، ومجموعة العيسى، ومجموعة المطلق، وشركة حمد الزامل، وشركة خليفة القصيبي القابضة. وشهد برنامج التوازن الاقتصادي في الأعوام الأخيرة تطوراً، إذ ركز على مشاريع في قطاعات التعليم والتدريب للإسهام في توفير متطلبات سوق العمل من الكوادر الوطنية المؤهلة، لكنها في الوقت نفسه لم تتجاوز الاستراتيجية المرسومة لها، سواء في التركيز على قطاعات الإلكترونيات والاتصالات وتقنية المعلومات أو تلك التي تتمتع فيها السعودية بميزة نسبية مثل صناعات البتروكيماويات. ويبقى القول إن النجاح السعودي تحقق من خلال نقل وتوطين الخبرات التقنية عالية المستوى من خلال إقرار وتطبيق مفهوم برنامج التوازن الاقتصادي الذي يهدف في الأساس إلى نقل وتوطين التقنية الحديثة وفن الإدارة لخريجي الجامعات والكليات والمعاهد الفنية وإعطاء المواطنين ورجال الأعمال السعوديين فرصة للاستثمار والإسهام في إنماء الاقتصاد السعودي من خلال شركات مربحة تدار بأسلوب ربحي وفق نهج تجاري وإيجاد البدائل المنافسة للأجهزة والمعدات المستوردة. هرولة التخصيص أدرك الأمير سلطان بن عبدالعزيز أن درجة استعداد الاقتصاد السعودي للخصخصة عالية مقارنة بالكثير من الدول النامية، ويتبيّن ذلك من جملة أمور، فبلاده ألزمت نفسها بمبدأ السوق المفتوحة للاستيراد والتصدير منذ البداية، ولم تلجأ مطلقاً للتقتير في تحويل القطع الأجنبي إلى خارج البلاد، وتتبيّن قابلية الاقتصاد السعودي للخصخصة كذلك، من خلال قدرته على استيعاب فائض العمالة في الأنشطة المخصصة، من خلال اتباع سياسة إحلالية للعمالة الوافدة. وقبل سبعة أعوام تحديداً وبعد نجاح تجربة تخصيص قطاع الاتصالات، اتخذ حينها قراراً جريئاً وطموحاً بإعلان تخصيص"الناقل الوطني"حينها، ونقل عنه القول:"إن ملكية الشركة ستكون بين القطاعين الحكومي والخاص". وعاد الأمير سلطان للتأكيد في مناسبة أخرى على هذا الاتجاه بقوله:"إن صفقة الطائرات الجديدة دعم لمبدأ تحويلها إلى شركة وطنية حتى يتسلم المواطن مؤسسة ناجحة ورابحة". ولم يكن قرار الأمير سلطان التاريخي بمثابة"هرولة"إلى التخصيص، بل كان ينظر إلى أن تخصيص"الخطوط السعودية"هو تفعيل لاستراتيجية دولته في تحويل بعض الأنشطة التي تديرها إلى دفة ذلك القطاع. ومثل حديث الأمير سلطان بن عبدالعزيز منذ البداية دليلاً قوياً على العزم على المضي في تأهيل قطاع النقل الجوي لمواكبة التغيرات الخارجية والداخلية والسوقية أيضاً، عبر الإسراع في تطبيق برنامج تخصيص"الخطوط السعودية"، خصوصاً إذا علمنا أنه كان دعماً استقطع جزءاً كبيراً من الموازنة السعودية، إذ تجاوزت مخصصاته في أعوام سابقة أكثر من 12 بليون ريال 3.2 بليون دولار. وفي الجانب الآخر فإن"الخطوط السعودية"ترتبط بواحد من أهم وأسرع قطاعات النقل وهو النقل الجوي، كما أنه يرتبط بشكل مباشر بالعديد من نشاطات القطاعات الأخرى وفي مقدمها السياحة. ويمكن القول هنا إن الكثيرين كانوا ينظرون إلى تصريحات الأمير سلطان بن عبدالعزيز في كل مناسبة يسأل فيها عن تخصيص الناقل الوطني، بأنه أشبه ب"بالون اختبار"للقطاع الخاص حتى يتسنى له درس وتحديد المشاركة التي يرغبها، وما يعزز ذلك أن معظم الغرف التجارية الصناعية طلبت من رجال الأعمال تحديد الأطر الرئيسة لمشاركتهم في عملية تخصيص نشاطات"الخطوط السعودية"إضافة إلى المشاريع التي يمكنهم الاستثمار فيها، سواء بإفساح المجال أمامهم للمشاركة في أعمالها المساندة، مثل: التحميل، والتخزين، والتموين وغيرها من الأعمال. واليوم قطع مشروع التخصيص مرحلة كبيرة جداً، وأولى نتائجها أن الناقل الوطني دخل مرحلة الربحية التي سبق أن وعد الأمير سلطان بن عبدالعزيز بها. وبحسب الأرقام الرسمية المعلنة يتضح أن إيرادات"الخطوط السعودية"حققت في تلك الفترة نمواً بلغ ذروته عام 2004 بقيمة 13.5 بليون ريال في مقابل 10.2 بليون ريال عام 1998. وأظهرت النتائج أن"الخطوط السعودية"حققت في النصف الأول من العام الحالي، زيادة مطردة في أعمالها نتيجة نمو الإيرادات وترشيد المصروفات بما لا يؤثر في متطلبات السلامة أو مستوى الخدمة. وبحسب التقرير تمكنت"الخطوط السعودية"من إيقاف الخسائر المتوالية التي وصلت عام 1998 إلى 1.4 بليون ريال، إذ بدأت في السيطرة عليها والنزول بها تدرجياً إلى 659 مليون ريال عام 1999 ثم إلى 578 مليون ريال عام 2000 وأخيراً إلى 110 ملايين عام 2001. وكشف التقرير أن"الخطوط السعودية"بدأت عام 2002 الانطلاق إلى الربحية للمرة الأولى في تاريخها، محققة 117 مليون ريال ثم تضاعفت إلى 252 مليون ريال عام 2003، وقفزت الربحية إلى 440 مليون ريال عام 2004، ما انعكس أخيراً على تحسين قوائمها المالية بما يوازي 1.8 بليون ريال في سبعة أعوام فقط. ويحسب للمدير العام ل"الخطوط السعودية"وفريقه الإداري نجاحهما في ما يحصده الناقل الوطني اليوم، بدءاً من تجربة إعادة الهيكلة عام 1995 وما تبعها بعد ذلك من انتهاجها أسلوب التشغيل التجاري الذي حقق خفض كلفة التشغيل إلى أدنى حد وزاد من وتيرة الإيرادات. وتنبغي الإشارة هنا إلى النقل الداخلي، فهو قبل أن يكون رافداً ربحياً بالنسبة إلى"الخطوط السعودية"يعد مسؤولية وطنية وضعها لها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حينما أصدر قراره بإنشائها عام 1945، وحددها ب"ربط مناطق البلاد". مزايا وإيجابيات تسير السعودية اليوم مسلحة بالكثير من المزايا والإيجابيات التي قلما تتوافر لبلد نام آخر، ومنها: أولاً: امتلاك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وهي من أكبر منتجي النفط حالياً وأكثرهم مرونة من حيث طاقة الإنتاج، ما يمكّنها من لعب دور مهم ومتزايد في استقرار السوق العالمية، ويعطيها القدرة على الاستفادة من أي زيادة في الطلب. وغني عن الإشارة هنا أن السعودية تعد الركيزة الأساس والقوة الأكثر تأثيراً في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. ثانياً: تلعب السعودية دوراً إقليمياً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وتعزز هذا الدور مرات عدة خصوصاً إبان حروب الخليج الثلاث. وعلى رغم تحملها ضخامة أعباء ذلك الدور، فإن السعودية لا تزال تمتلك أكبر اقتصادات المنطقة حجماً وأغناها مالياً وأكثرها إمكاناً للنمو، ما يعزز موقعها في التعامل مع الدول الأخرى النامية والمتقدمة والصناعية. وتلعب هذه المعطيات دوراً مهماً في إيجاد منافذ متزايدة للمنتجات السعودية في الأسواق الخارجية. ثالثاً: تمتلك السعودية ثروات معدنية هائلة غير مستغلة، وتشمل مواد مثل الذهب، والفضة، والزنك، والنحاس، والحديد، والفوسفات، والبوتاسيوم، والبوكسايت. ومع صدور نظام الاستثمار الجديد في التعدين يجري العمل حالياً على فتح المجال أمام القطاع الخاص لتطوير استغلال الخامات، ما يسهم في جهود التنويع عبر تحقيق إيرادات إضافية للحكومة وزيادة الصادرات، وتطوير قطاع تصنيع جديد واجتذاب موارد مالية محلية وأجنبية. رابعاً: يشهد الاقتصاد السعودي منذ سنوات عدة فترة توسع ونمو مرشحة للاستمرار، ويرافق هذا التوسع الناتج من الاستثمارات الإنتاجية طويلة الأجل من جانب الاستثمارات الأجنبية المتوقع تدفقها بعد سلسلة من الإجراءات والتشريعات والأنظمة، إضافة إلى استمرار عودة رؤوس الأموال من الخارج، مع تطور ملحوظ في السوق المالية وفاعلية الجهاز المصرفي. وهذا ما يوفر أخيراً أرضية ملائمة لاتساع دور القطاع الخاص في التنمية وتحفيز رؤوس الأموال التي يمتلكها للاستثمار في الداخل. خامساً: على رغم اختلال سوق العمل وعدم فاعلية نظم التدريب في توفير حاجة الاقتصاد من الخريجين وأصحاب المهارات، فإن بدء نشاط صندوق الموارد البشرية والتوظيفات التي قام بها القطاع الخاص والحكومة أيضاً، سيعطيان مردوداً متزايداً في المستقبل ويوفران للاقتصاد أحد أهم عناصر القوة المطلوبة لتحقيق التحول النوعي المرجو في مسار التنمية.