تضاربت آراء الاقتصاديين السعوديين حول القطاعات الواجب دعهما خلال موازنة هذا العام، إذ ترى فئة أنه يجب توجيه جزء منها لتسديد الدين العام، في حين ترى الفئة الأخرى أن مشاريع الرفاه الاجتماعي، المتمثلة في قطاعي التعليم والصحة، تتطلب تخصيص جزء أكبر من الموازنة لدعمها. وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة فيلالي:"إن توجيه جزء من الموازنة لسداد الدين العام يعد خطوة مهمة، لذا يجب إعداد جدولة تستمر خمس سنوات مقبلة، يتم خلالها سداد كامل الدين العام، الذي يشكل عبئاً على الاقتصاد القومي". وأضاف:"تنفيذ هذه الجدولة سيسهم في تخفيف الضغط على الاقتصاد، ما يساعد على نموه بصورة كبيرة". وفي المقابل، يختلف عضو مجلس الشوري يوسف ميمني في رأى مع قاله فيلالي، إذ يرى"أن مشاريع الرفاه الاجتماعي، المتمثلة في القطاعات الصحية والتعليمية، تتطلب تخصيص جزء كبير من الموازنة لدعمها، ما يساعد على إحداث نقلة نوعية في مستوى الخدمات في هذين القطاعين". ويضيف:"يجب تخصيص أموال لإنشاء معاهد وكليات متخصصة متوائمة مع سوق العمل المتنامية في السعودية، مع إعطاء القطاع الخاص الفرصة للمشاركة في هذه المشاريع". وعلى رغم تسجيل تضارب آراء واضحة ما بين الاقتصاديين حول القطاعات المطلوب دعهما في الفترة المقبلة، إلا أنهم يجتمعون عند النقطة المتعلقة بضرورة إيجاد آلية مناسبة لتحقيق سياسة التنويع الاقتصادي، بعيداً من الاعتماد الكلي على النفط. وهنا يعلق عضو مجلس الشوري ميمني:"أعتقد أن الدولة عملت خلال السنوات الماضية على تحديد آلية تسهم في تحقيق سياسة التنويع الاقتصادي، إذ تم إنشاء العديد من الشركات الخاصة بالمنتجات الوسيطة التي تعتمد على البتروكيماويات، إضافة إلى أن قطاع الصناعة في البلاد يسجل باستمرار خلال العشر سنوات الماضية نموا سنوياً يصل إلى 8 في المئة، مع النمو الملحوظ في القطاعين الزراعي والسياحي". ومن جهته، أشار الفيلالي إلى"أن على الدولة بذل المزيد من الجهد لتنفيذ برامج التنمية الخاصة بقطاع الخدمات، والقطاع الصناعي، خصوصاً الصناعات التحويلية غير النفطية". ويمضي في القول:"إن توسيع نطاق السوق السعودية بعد الدخول في منظمة التجارة العالمية، يتطلب منا السعي إلى الاستفادة من عملية فتح السوق مع أسواق 148 دولة، المدرجة ضمن المنظمة، من خلال إيجاد فرص جيدة للصادرات السعودية في هذه الأسواق، وتحقيق فكرة إنتاج صناعي للتصدير، مع العلم أن لديها العديد من الصناعات التي تعتمد بصورة كبيرة على النفط، والطاقة، والرمال، وجميع هذه العوامل دعامة قوية لتحقيق مبدأ التنويع الاقتصادي. من جهة أخرى، يرى الاقتصاديون أن التحسن الكبير في الإيرادات السعودية في ظل استمرار ارتفاع أسعار النفط، وبما انعكس على زيادة التوسع في الإنفاق على موازنة العام 2006، ينبغي أن يضع المخطط الاقتصادي على"محك"التحديات التي تحيط بالاقتصاد الوطني. ويحدد الاقتصاديون الذين تحدثت إليهم"الحياة"أبرز التحديات المقبلة، وهي: الاستمرار في الاعتماد على الإيرادات النفطية، واستمرار عبء الإنفاق الحكومي، والنمو البطيء لبعض القطاعات، وتصاعد وتيرة النمو السكاني وما يسببه ذلك من ضغط على البنية التحتية والعلوية وسوق العمل. وقدرت الحكومية السعودية في العام 2005 إيراداتها الفعلية ب 555 بليون ريال و314 بليون ريال مصروفات فعلية. وثمة اتفاق على أن العوائد النفطية أسهمت إلى حد كبير في النتائج التي سجلها الاقتصاد السعودي, كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعاداً جديدة لموازنة الدولة، خصوصاً مع زيادة وتيرة الصادرات النفطية باستثناء زيت الوقود السفن، ونمو القطاع النفطي بنسبة 28.2 في المائة بالأسعار الجارية، وبما كان له أكبر الأثر في انخفاض العجز بين الحساب الجاري وحساب الخدمات والتحويلات. وهنا لا يجد الاقتصاديون مفراً من التخلص من سطوة النفط وتأثيره على الإيرادات، إلا بتحقيق أمرين مهمين، الأول تفعيل القاعدة الصناعية وبالذات التصنيع الغذائي، وثانياً تفعيل قطاع الخدمات الذي لا يزال متخلفاً، ويعتمد على العنصر غير السعودي". ويقول فيلالي:"إن وجود فائض في موازنة هذا العام سيعطي الحكومة فرصة الصرف على تجديد، وتوسيع، وصيانة البنية التحتية"، مبيناً أن زيادة معدلات النمو السكاني للمملكة"تتطلب تنفيذ العديد من المشاريع الخدمية كالمدارس، والمستشفيات، وغيرها". ويسجل للموازنة السعودية للعام 2006 مؤشرات مهمة، أبرزها: ضخ الإنفاق الحكومي في القطاعات التي تمس برنامج الرفاه الموجه للمواطنين في قطاعات التعليم والتدريب، والصحة، والخدمات البلدية، وبلغت قيمة المشاريع الجديدة 126بليون ريال. ويرى تقرير وزارة المال أن معدلات الأداء الجيدة للاقتصاد المحلي، تنسجم مع الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق أهداف استراتيجيتها الشاملة للتنمية، التي تتضمن تغييرات هيكلية لمختلف النواحي الاقتصادية والتنظيمية والإدارية، حيث أنشأت أجهزة متخصصة وأقر العديد من الأنظمة، بهدف تهيئة المناخ الملائم لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية وإيجاد الفرص الوظيفية والاستخدام الامثل للموارد وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. ففي مجال تنويع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على النفط كمحرك رئيس للتنمية، تحققت إنجازات ملحوظة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات المالية وغيرها، أما في ما يتعلق بتفعيل دور القطاع الخاص فقد استمرت الحكومة السعودية في إشراك القطاع الخاص في العديد من أعمال الإنشاء والتشغيل والصيانة التي يقوم بها القطاع الحكومي. كما قدمت الحكومة قروضاً ميسرة للقطاع الخاص في مجالات الزراعة والصناعة والعقار وغيرها، من خلال صناديق التنمية المختلفة، إضافة إلى تسهيل الإجراءات المالية والإدارية والتنظيمية لتشجيعه على إنشاء مشاريع مشتركة مع الشركات الأجنبية، إضافة إلى نظام الاستثمار الأجنبي الذي أوجد حوافز متعددة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف القطاعات.