"فئران وحشرات ومآس" كلمات اختصرت بها أم أحمد الهويدي إحدى ساكنات بيوت الصفيح واقع هذه الأكواخ. وليست الهويدي 70 عاماً الساكنة الوحيدة في هذه البيوت، إن صحت تسميتها بيوتاً، ففي غير قرية ومدينة في محافظتي القطيف والأحساء ومدن أخرى في المملكة، تنتشر هذه البيوت، لتعكس صورة بدأ تسليط الضوء عليها إعلامياً بعد الزيارة التي قام بها ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز إلى بيوت مشابهة في العاصمة الرياض، قبل نحو أربع سنوات. وربما كانت زيارة ولي العهد الرمضانية، لهذه البيوت التي لم يكن أحد يتخيل أنها موجودة في السعودية فضلاً عن عاصمتها الرياض، هي الشرارة التي أطلقت مشاريع وطنية عدة، لمعالجة مشكلة الفقر. لعل أبرز تلك المشاريع صندوق معالجة الفقر، ومشاريع إسكان في المناطق السعودية كافة، تبناها أمراء، مثل أمير المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز، الذي تبنى ثلاثة مشاريع إسكان في الدمام والأحساء وحفر الباطن، وكذلك الأمير الوليد بن طلال، الذي بدأ خطوات عملية في هذا الصدد. ولم يقتصر الأمر على الرجال، حيث أطلقت اللجنة النسائية العليا للخدمات الإنسانية والاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة، مشروعاً لبناء قرية نموذجية في منطقة الطفيل، تحوي 400 منزل للفقراء. وترعى المشروع حرم أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رئيسة اللجنة الأميرة سارة بنت عبدالمحسن العنقري. وفي المنطقة الشرقية، هناك مواقع عدة تتجمع فيها بيوت الصفيح. ففي جزيرة تاروت تكثر تلك البيوت في بلدات"الربيعية"و"الخارجية". كما أن بلدة العوامية شهدت منتصف الأسبوع الجاري حريقاً كبيراً في بيتين، من بيوت الصفيح المتجمعة في الحي الغربي. والمفارقة أن المأساة قد تتحول إلى حل، ولو بشكل موقت. ويقول علي الجارودي، الذي احترق بيته الصفيح أخيراً في البلدة:"كانت المأساة حلاً، فقد استأجرت ليّ جمعية العوامية الخيرية بيتاً، وأثثته، وأنا أشكرهم على ذلك، لأنهم حلوا مأساتي خلال 24 ساعة فقط". وإن اعتبر الجارودي"محظوظاً"فهناك عشرات القاطنين في هذه المنازل، لم يروا حلاً بعد. ويطالب غير مواطن من مختلف المناطق، أعضاء المجلس البلدي خصوصاً المنتخبين منهم، بضرورة معالجة هذه المشكلة فور ممارستهم عملهم في المجلس. ويقول سعيد المرزوق:"إن بلدتي ليس فيها بيوت من الصفيح، بيد أن فيها مأساة مشابهة، وربما تكون أخطر، وهي المنازل الآيلة للسقوط". ويضيف"هناك عوائل عدة في الآوجام لا تمتلك بيوتاً، وهي أشد فقراً ممن يملكون بيتاً من الصفيح". ويلخص المرزوق مطالبه التي يريدها من أعضاء المجلس البلدي بالقول:"يجب تشكيل لجنة من جانب المجلس، لمتابعة حال ساكني بيوت الصفيح، ودرس إمكان إعطائهم أراضي تؤويهم". ويعتبر عضو المجلس البلدي في محافظة القطيف جعفر الشايب مشكلة بيوت الصفيح"من القضايا المهمة، التي يجب التعامل معها بكل جدية". ويقول:"بحسب إطلاعي، عندما كنت مسؤولاً في جمعية تاروت الخيرية، على أوضاع بعض الأسر، التي تعيش في هذه البيوت، رأيت أوضاعاً مأساوية لعدد منهم، يتكدس أفرادها في غرف ضيقة". ويقدم الشايب الحل من وجهة نظره"من خلال قيام المسؤولين بوضع برنامج جذري لمعالجة هذه القضية، عبر تبني المؤسسات المعنية بمكافحة الفقر والإسكان الخيري مشروعاً متكاملاً لاستبدال بيوت الصفيح والبيوت الآيلة للسقوط، وفي أسرع وقت ممكن، من أجل معالجة هذه المشكلة التي أضحت تؤرق المواطنين جميعاً". +مساعدات طارئة للمتضررين من حريق الاثنين تبحث جمعية"العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية"عن حلول لمشكلة بيوت الصفيح، إثر الحريق الذي طاول منزلين في البلدة الاثنين الماضي، وتسبب في تشريد نحو 15 شخصاً من عائلتين، تسكنان غرب البلدة. وصرفت الجمعية مساعدة عاجلة قيمتها 45 ألف ريال لأسرة علي الجارودي، الذي طاولته أضرار كبيرة. كما عقد مجلس إدارتها اجتماعاً طارئاً مساء أول من أمس، حضره أعضاء مجلس الإدارة كافة. وتمت فيه مناقشة تداعيات الحريق، إضافة إلى الحال التي وصلت إليها الأسرة التي تضررت بفعل الحريق بشكل كامل. وقال نائب رئيس مجلس الإدارة علي البراهيم:"إن الجمعية خرجت بنتائج مهمة، مثل استئجار منزل مؤلف من خمس غرف للعائلة، وتأثيثه بالضروريات في الوقت الجاري، مثل المكيفات والثلاجة والفرش وأثاث النوم". وأضاف"وزعنا مبلغ 45 ألف ريال على تلك الأشياء، فالحال التي أصابت العائلة مأساوية". ورفض نائب الرئيس قيام الجمعية ببناء بيوت في الأرض المقامة عليها بيوت الصفيح. وقال:"الأرض غير مرخصة للبناء، وهي أرض وقف، كما يعلم الجميع في البلدة". بيد أنه استدرك"لو حصلنا على ترخيص من الجهات القانونية والشرعية فإننا لن نتردد في بناء هذه الأماكن، ومجلس الإدارة يتمنى حصوله على الترخيص في بعديه القانوني والشرعي". ولم يكن الحريق الذي ضرب بيتين من بيوت الصفيح الوحيد في تاريخ البلدة، إذ كثيراً ما تكررت تلك الحوادث. بيد أن ما حصل أخيراً كان الأعنف بحسب ما قاله كبار السن في البلدة. وقال الجارودي:"إن الحرائق تتكرر، حتى أن أهل البلدة كانوا يضربون مثلاً بها، ويقولون: أعظم من حريق الفريق الغربي".