يخافون من المطر حد البكاء، والتضرع إلى الله ليل نهار: "حوالينا لا علينا" ! يرعبهم الشتاء، ويحرقهم الصيف، إنهم ساكنو الصفيح في جزيرة تاروت وبلدة العوامية بمحافظة القطيف. “شمس” كانت هناك؛ لتكشف حجم معاناة هؤلاء، وتبحث ما قدم للتخفيف منها. نهرب من البيت ويشكو أبو عبدالله مما يعانيه وأسرته المكونة من 15 شخصا: "أسكن أنا وعائلتي في ثلاث غرف خشبية مسقوفة بالصفيح، وكما ترون فإن ضيق المكان وعدم توفر الأشياء الأساسية يمثل الهم الأكبر لي ولأسرتي"، وعن كيفية تعاملهم مع تقلبات الأجواء يضيف: "في الصيف تزداد الحرارة بسبب الصفيح؛ الأمر الذي يضعف دور المكيف؛ ليصبح عديم الفائدة، وكذلك في الشتاء نكون عرضة للبرد القارس، وما أن تتساقط علينا الأمطار حتى نهرع إلى بيت إحدى القريبات إلى أن تنتهي الأزمة ثم نعود أدراجنا إلى بيتنا"، ولا ينكر أبو عبدالله أن هناك بذلا من البعض، وإن كان لا يكفي الحاجة: "تعطينا جمعية العوامية الخيرية بطانيات، وهناك من يعيرنا من الجيران مدافئ؛ لنواجه بها البرد، ثم نعيدها بعد ذلك". اعتدنا الحرائق وفي الحي ذاته تذكر (م م): "لم يعد الحريق مستغربا لدى ساكني بيوت الصفيح؛ فكم مرة احترق منزل، ثم جدد لتلتهمه النيران من جديد.. سلسلة لا تنتهي"، وتقول إن بيت أسرتها تعرض للحريق منذ فترة ليست بالطويلة، وعن المساعدات التي يجدونها من الجهات المختصة تضيف: "هناك الجمعية الخيرية التي تقدم يد المساعدة؛ فكلما دهمتنا مشكلة هرعنا إليها، ولكن رغم ذلك تظل المشكلة قائمة؛ لأن المساعدات التي يقدمونها لا تركز على حل أساس المشكلة! كما أن هناك مساعدة من الضمان الاجتماعي؛ فهي تصرف على ابني المعوق، ويتم صرفها بعد استلامها على المنزل كافة". مستقبل مخيف ولا يختلف وضع أسرة (أ ع) عن بقية الأسرة التي تقطن الحي، إن لم تكن أسوأ: "لا نملك من متاع الدنيا سوى غرفة بُنيت بالحجارة، تطقطق مع كل تيار هواء"، ولا يضاهي خوفها من أن تقع هذه الغرفة/البيت على الأبناء سوى خوفها على مستقبل أبنائها: "على الرغم مما أعانيه من خوف وقلق إلا أن أمرهما يتضاءل إذا ما فكرت في مستقبل الأولاد الذين يعيشون في جنبات هذه الغرفة الصغيرة، ما مصيرهم؟! ماذا ينتظرهم؟! وغيرهما من الأسئلة التي لا تنفك تعصف بذهني، ولا أملك إزاءها إلا الدموع أنثرها حرقة عليهم"، وعما يواجهونه من مصاعب تضيف: "الحال يغني عن المقال! انظروا إلى هذا البيت الضيق المتهالك لتعرفوا ما نعانيه"، ولا تخفي أمنيتها في أن يحصل أبناؤها على سكن كبقية الأسر، يمكنهم من العيش الكريم فيه، كما تتمنى ألا يعانوا مثل معاناتها في التنقل بين هذه العشش على حد وصفها! نأكل وننام وفي حديث مغاير لما يشعر به ساكنو هذه الصفائح كان لأم علي حديث آخر: "لديَّ تسعة أولاد نعيش معا في هذه (الصنادق)، إلا أنني لم أعد أكترث بما يجري لنا؛ فقد اعتدت أنا وأبنائي هذه الحياة"، وتكمل ما بدأت به أم علي من حديث: "الحمد لله نستطيع أن نأكل كل يوم، وهذا الأمر يكفينا في الحياة؛ ففي الوقت الذي أسمع فيه أن هناك من لا يجد قوت يومه أجد أن هذا لا يزال متاحا لنا"، وعما تتمنى أن يتغير في حياتهم تضيف: "إن كان من أمنية فهي أن تضاف غرفة إلى الغرفتين اللتين لدينا؛ ليتسع السكن للأولاد، وليحمي سقفه ما يعانونه أيام المطر من بلل يدخل من سقف الغرفتين؛ الأمر الذي كثيرا ما يلحق الضرر بملابسهم"، ورغم تجلُّد أم علي وصبرها إلا أن مخايل الحزن لا تفارق محياها. لا أصدقكم وتتفق أم محمد مع أم علي في رضاها عما يجري لهم، لكنه بدت أكثر حدة حين سألناها عما تأمله من الجهات المعنية: "لا أصدقكم، دعوني أنسى الأمنيات التي طالما قلتها لمن سبق أن جاؤونا"، مشيرة إلى أن معاناتهم لا تخفى على أحد، ورغم ذلك لم ترَ تغييرا يذكر لحالهم، وحال منازلهم! عطاؤنا محدود أما الجمعيات الخيرية في كل من جزيرة تاروت وبلدة العوامية فتعتبر أن مقدرتها محدودة في التعامل مع بيوت الصفيح. يقول عبدالله العوجان (رئيس لجنة تحسين المساكن): "لا يمكن للجمعيات الخيرية أن تحل مشكلة هؤلاء؛ فعطاؤها محدود، كما أنها غير مسؤولة بشكل أساسي عن بناء وترميم هذه البيوت وحدها!"؛ فلديها الكثير من المهام، ومع هذا فهي تقدم ما تقدر عليه ضمن التقرير الذي يقدمه باحثو الجمعية الميدانيون من الرجال والنساء من خلال لقاءاتهم ومقابلاتهم مع أفراد هذه الأسر للوقوف على احتياجاتهم؛ لسدها"، ويشير العوجان إلى وجود مشكلة كثيرا ما تعرقل مساعدة هذه الأسر: "بعض مساكن هؤلاء منشأة على أراض غير مملوكة؛ الأمر الذي يعوق التصرف فيها، فلا يمكن حينئذ التصرف في هذا الوقف والبناء عليه، كما أن بعضهم يرفض الانتقال إلى مكان آخر؛ ما يزيد من التكاليف التي تخصصها الجمعية لهم في كل عام مع دخول فصل الشتاء؛ حيث تحتاج هذه البيوت إلى عوازل وأغطية لحمايتهم من المطر"، وعما قدمته الجمعية لمساعدة هذه الأسر أوضح العوجان أن نحو 333 أسرة في جزيرة تاروت لا يزالون يعيشون بين منازل آيلة للسقوط وبيوت صفيح، وتولت الجمعية خلال عام 1425ه بناء وصيانة 33 منزلا، وبعده بعام أنشأت 22 منزلا، وفي عام 1427ه 22 منزلا، تلتها ب51 منزلا العام قبل الماضي، و73 منزلا العام الماضي، مضيفا أن الجمعية تعمل على مشروع الإسكان الأهلي؛ حيث تبني ست شقق سكنية على أرض متبرعة من أحد فاعلي الخير ستخصص لست أسر من ساكني بيوت الصفيح. نعمل لحلها من جانبها، دشنت جمعية العوامية الخيرية مشروع السكن الخيري، وذلك ببناء وحدتين سكنيتين لعائلتين ممَّن يسكنون في بيوت من الصفيح، ويأمل المسؤولون أن يكملوا بناء المزيد من الوحدات حتى تختفي بيوت الصفيح من البلدة، ويضيف حسين الزاهر (مسؤول اللجنة الخيرية لتحسين المساكن بجمعية العوامية الخيرية) بقوله: "اللجنة أسست لخدمة ساكني بيوت الصفيح؛ حيث إنهم عانوا على مر سنوات معاناة صعبة، فكانوا وما زالوا عرضة للحرائق والأمطار وأمراض الشتاء وغيرها من المشاكل الكثيرة، وتبين من المسح الميداني الذي أجرته اللجنة لعدد المساكن غير الملائمة للعيش أن هناك ضرورة ملحة لتكافلنا جميعا لإنقاذ هذه الأسر من ضنك العيش والمسكن. وارتأت اللجنة أن معالجة مثل هذه الحالات الملحة لا تتم إلا من خلال إيجاد حلول جذرية لتغيير واقع هذه الأسر المتدهور يوما بعد يوم، وذلك بإنشاء وحدات سكنية جديدة بدلا من بيوت الصفيح وبأقل التكاليف ويتوافر فيها الحد الأدنى من السكن الملائم"، ويشير الزاهر إلى أن المشروع السكني الاستثماري الذي تعمل عليه الجمعية حاليا هو أحد التحديات المستقبلية والطموحة ولن يكون الأخير، "واللجنة وضعت لها عددا من الأهداف أولها معالجة مشكلة بيوت الصفيح. وثانيها تولي جانب التحسين وعمل خطة عمل له"، وعما تم رصده يضيف: "بعد عمل المسح الميداني تم رصد 15 أسرة تحت هذا التصنيف (بيوت الصفيح)، وتمت دراسة حالة كل أسرة على حدة من حيث الإمكانيات المتوافرة لديهم، وجاهزية المسكن لإعادة البناء، كما درست اللجنة الطلبات المقدمة للجمعية وبدأت في تنفيذها حسب الخطة التي وضعتها اللجنة. وهناك هدف طموح أيضا تم وضعه أخيرا، وستسعى اللجنة إلى تحقيقه، وهو إنشاء مبنى سكني استثماري كمصدر دخل للجنة، وهذا المشروع هو الآن قيد الدراسة من قبل اللجنة"، مضيفا أن مجموع الأسر المستفيدة من التحسين خلال عام بلغ 20 أسرة بمبلغ 164554 ريالا، وهناك عدد من الطلبات الجديدة أيضا قيد الدراسة والبحث وتحتاج إلى ما يقرب من 100 ألف ريال.