عندما تدلف إلى حي العود المجاور لأشهر وأقدم مقبرة في مدينة الرياض، تباغتك عائلة تمتهن البيع إلى جانب الإشارات المرورية، أم وابنتها الكبرى وطفل دون العاشرة من عمره، يحملون قوارير الماء البارد والحلوى، هم بالطبع من قاطني حي العود. في الطريق المؤدي إلى أحد الأزقة جلست على سلم طيني متهالك مسنتان على مشارف الستين عاماً، أم محمد وأم مبارك، وقالتا إنهن يجلسن هنا:"رغبة في استعطاف المارة من أجل القليل من الريالات", وألمح إلى أن هناك من يكافح هذا التصرف:"أحياناًَ يأتي أفراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويشيرون إلينا بالعودة إلى منازلنا". وتشتكي أم محمد،"زوجي مريض وعاطل عن العمل وأبنائي التسعة لا يسألون عني ولا يحاولون مساعدتي، وعندما توجهت إلى الجمعيات الخيرية قالوا لي إن لدي أبناء من واجبهم إعالتي". من ناحيتها قالت أم مبارك إنها مطلقة ولديها من الأبناء خمسة وابنتان، ولا تملك رأس المال الكافي لتمتهن البيع من خلال بسطة صغيرة، كما يفعل عدد من المسنات اللاتي يعانين من الظروف ذاتها. طلبنا من أم محمد أن تأخذنا إلى منزلها لرؤية الوضع هناك فوافقت على الفور بعد أن وضعنا في يدها مبلغاً من المال، وحين هممنا بدخول المنزل فاجأنا شاب كان يمشي بجوارنا رث الملبس في الثلاثين من عمره يطلب المساعدة في تسديد فاتورة الكهرباء الخاصة به. واستمر في ملاحقتنا حتى خروجنا من الحي. جميع المنازل في حي العود طينية قديمة، بعضها متهدم والقليل منها تم بناؤه في شكل عشوائي بالبلوك. يتكون منزل أم محمد الطيني الصغير من ثلاث غرف ومطبخ، ودورة مياه متواضعة في امكاناتها والحشرات تعتلي جدرانها في شكل ملحوظ، طفل رضيع ينام على الأرض وتحوم من حوله الصراصير وتشير أم محمد بيدها قائلة:"لا توجد قطرة ماء في دورة المياه، نعاني غالباً من انقطاعها"، المنزل يعد صغيراً على عائلة في هذا الحجم والهواء يكاد يكون معدوماً لقلة النوافذ". اقترحت أم مبارك أن تأخذنا في جولة في الحي حتى وصلنا إلى منزلها الذي تشاركها فيه خالتها"من ذوات الاحتياجات الخاصة وتجاوزت الثمانين من العمر"، كانت تستلقي على فراش رث على الأرض ويبدو عليها الإجهاد والمرض"تتناول بعض الحبوب والمسكنات". لا يختلف المنزل كثيراً عن منزل أم محمد فالحشرات تملأ المكان والغرف ضيقة والهواء خانق. والشم س تدخل بصعوبة إلى المنازل،"التوصيلات الكهربائية ذابلة نتيجة لقدم المنزل"، قالت أم مبارك وأضافت عن الأحوال المعيشية وكيف يتدبرون شؤونهم:"ننتظر المبلغ المقطوع من الضمان الاجتماعي بفارغ الصبر لتسديد الديون التي تتكدس طوال العام، حيث نضطر إلى الاستدانة لتسديد مبلغ الإيجار".