في مكان بني بسعف النخيل، أو ما يطلق عليه شعبياً "العريش"، يجلس حسن الغراش بين أوانيه الفخارية، يتذكر نصف قرن قضاها في صناعة تلك الأدوات بأشكالها المختلفة، مرتدياً ثوباً قصيراً تلطخ بالطين. فالغراش ورث مهنته"أباً عن جد"، وهو لا يجيد غير هذه الصنعة التي لا تدر عليه سوى النزر اليسير من المال، يكاد لا يكفيه للإنفاق على أبنائه السبعة. وهذا ما يثنيه عن تعليم أولاده تلك الصنعة"أنا لا أشجع أولادي على ان يتعلموا صناعة الفخار، لأنها لن تساعدهم على بناء حياة كريمة من الناحية المالية". ويرى أن مستقبل هذه المهنة هو الاندثار بعد زمن ليس ببعيد، ويرجع السبب إلى الإهمال وعدم الاهتمام بهذه الصنعة من أهلها في الأحساء، إضافة إلى دخلها المتواضع الذي لا يساعد من يعمل فيها. وكذلك الأواني الفخارية التي ترد من الخارج مثل إيران والبحرين والصين وسورية. لكنه يشكك في جودة صنعها ويقول:"بعضها رديء جداً، واستغرب كيف يشتريها الناس". لكنه يشير إلى ان كثيراً من المشترين لا يفهمون أسرار الفخار، لذا يشترون كل ما تقع عليه أعينهم، وبخاصة إذا كان رخيصاً. ومن العوامل التي تؤثر سلباً في مستقبل صناعة الفخار، صعوبة العثور على المواد الخام المناسبة وعدم توافر الطين المناسب، ويقول:"تحول كثير من الأماكن التي كنا نجد الطين فيها على عمق متر، إلى منازل مبنية وبقيت أماكن قليلة في قريتي الطرف والشعبة، كما ان البعض يجلبها من الخارج". وعلى رغم ذلك يعشق الغراش مهنته، فهي جعلته يشارك في مهرجانات عدة أبرزها المهرجان الوطني للتراث والثقافة في"الجنادرية"، وكذلك مهرجانات أخرى محلية على صعيد محافظة الأحساء أو المنطقة الشرقية. كما تحرص الكثير من الوفود السياحية التي تزور الأحساء على ارتياد مصنعه الصغير في سفوح جبل القارة، والتقاط الصور معه، وخصوصاً طلاب المدارس. ولكن الزوار الذين يشترون شيئاً من مصنوعات الغراش قلة ويكون دافعهم الحفاظ على التراث وتزيين بيوتهم ببعض أوانيه الفخارية التي تباع بسعر زهيد لا يتعدى خمسة ريالات 1.3 دولار، فهي تجذب عين الناظر إليها بزخرفتها ونقشها الجميل المصمم على الطراز القديم. ويضع الغراش أنامله برفق على الجرة مستخدماً مهارته الفنية ولمساته السحرية الجميلة في صناعتها، التي يتقنها بمهارة عالية من خلال خبرته الطويلة، فهو يعد المباخر وكذلك الجرة والجهلة والحب أدوات تستخدم لتخزين الماء وشربها إضافة الى الحصالة تستخدم كأماكن يودع فيها الأطفال أموالهم ودلال القهوة، والسخنة تستخدم لطحن حبوب الهيل والقهوة.