طبيعي جداً ما حدث من "ضجيج" و"جدل" حول ترشح سيدات الأعمال إلى عضوية مجلس إدارة "بيت التجارة"، على خلفية معروفة أن شؤون المرأة كان ولا زال"الحديث المكهرب"، فما بالنا ودخولها قلعة التجّار والصنّاع عبر بوابة الانتخابات، وهي المحك الرئيس لممارسة الفعل"الديموقراطي". إذن، نحن أمام وجهين لعملة واحدة، إن صح التعبير، الأول يخص المرأة نفسها في المجتمع، والثاني"الانتخابات"واقتحامها لها. علينا الاعتراف أن المرأة السعودية وقفت دائماً وأبداً في شؤونها تنتظر"ردة الفعل"في أي"فعل"من جانبها من الشريك الآخر، على اعتبار أن قراره مهم جداً. وأياً كان هذا الطرف أو الشريك رجلاً أم مجتمعاً وحتى صانع قرار، ظل عاملاً حاسماً في أي خطوة تخطوها، ما خلق أخيراً ذلك"الجو المكهرب"بينهما. وفي شكل عام، ومن دون البحث والتقصي في شرح تراكمية تجربة المرأة السعودية مع"الشريك الآخر"، فإن بوابة التجار والصناع، بدت لها"سهلة"ودون ممرات تنزلق فيها في مواجهات وصدام معه. وكانت المفاجأة أن أحد الشركاء ساندها وقدم لها دعماً باكراً في ذكاء واضح، فهو من جهة على قناعة تامة بأهمية ثراء تجربتها وضرورة مشاركتها والاستفادة منها، وفي المقابل قدم لها فرصة"الممارسة"بالأسلوب الذي طالبت به. ومن دون"قسوة"أو"شفقة"من الشريك الآخر أو تسرع من المرأة نفسها في قطف ثمارها، فإن التجربة مفيدة جداً وتحتاج إلى وقت لنضوجها، خصوصاً في ما يتعلق بالعمل الجماعي المؤسسي، فهي أي المرأة السعودية ألفت وتعودت النجاح بشكل"انفرادي"دوماً تبعاً لبيئتها وظروفها المحيطة، وليس أدل على ذك أننا حينما نتحدث عن تجربتها، نذكر مجموعة من الأسماء، وليس مؤسسات. أما الوجه الآخر من العملة، فهو يتعلق بمفهوم"الانتخاب"في السعودية عموماً، فهو كان ولا يزال حتى في المجتمعات المتقدمة"عملاً نخبوياً"إلا في ما ندر، على خلفية صورة نمطية مفادها أن"كل شيء مرتب"و"العملية مطبوخة"، والفائزين محددون مسبقاً. إن استمرار هذه الصورة النمطية لن يفيد أبداً، ولسنا هنا نتحدث عن سلبية"الناخب"في أن الأمر لا يعنيه وأن مشكلاته وهمومه بعيدة من أولئك المرشحين، فالمسألة أعمق بكثير من ذلك، فهي تعني ببساطة شديدة غياباً كاملاً ل"الثقافة"وما انعكس أخيراً على غياب"الممارسة"وهي تعني المشاركة. وليس الأمر بسيطاً، إذ أن بناء"الثقافة"أولاً و"الممارسة"أخيراً يحتاج إلى وقت طويل، لكنهما في الوقت نفسه يحتاجان إلى إرادة ورغبة، فصاحب المؤسسة الصغيرة الذي يجهل حتى شؤون الغرفة، ينبغي عليه التعرف"القسوة"على نفسه وبذل الجهد للتعرف على حقوقه وشؤونه ومتطلباته. وليس هنا مجال انتقاد دور الغرف التجارية الصناعية في هذا المجال. وفي الجانب الآخر، فإن الجهد"الشعبي"لم يكن يوماً حاسماً في تكريس مفهوم العملية الانتخابية، وليس أدل على ذلك أهمية الدور الذي لعبته وزارة الشؤون البلدية والقروية في الانتخابات البلدية. ومن هنا تقع المسؤولية على وزارة التجارة والصناعة بلعب أدوار مهمة في هذا الجانب، هذا علاوة أيضاً على توسيع دائرة التصويت. ومع ذلك كله، ثمة اتفاق على أن تجربة"الانتخاب"في الغرف التجارية الصناعية، لا تزال تجربة حديثة جداً وتحتاج إلى وقت طويل وصولاً إلى تكريس مفهوم"ثقافة الانتخاب"، حتى إن البعض يرى أن تجربة المجالس البلدية أعطت بعداً آخر، فالثقافة ليست المحك النهائي، فهي الطريق إلى"الممارسة"الفعلية للتجربة نفسها. محمد سمان