لا يخفى على أحدٍ أن المرأة السعودية وجدت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مساحة من حرية الحركة والعطاء لم يكن متاحًا لها من قبل، حيث أولى خادم الحرمين الشريفين اهتمامًا كبيرًا بقضايا المرأة، وسمح لها بالمشاركة في القضايا العامة التي كانت حكرًا على الرجال لزمن ليس بالقصير.. وأما هذا الواقع الذي تجاوز مرحلة الحلم، باتت هناك كثيرًا من التحديات تنتظر المرأة لإثبات حضورها وتأكيد مكانتها وجدارتها بما أتيح لها من مساحة.. «المدينة» وضعت قضية مشاركة المرأة في الشأن العام ومؤسسات المجتمع على طاولة النقاش الذي يشارك فيه ناشطون وناشطات في الساحة السعودية العامة، عبر محورين يبحث أولهما في تجربة المشاركة الحالية، وعلى أساس يمكن أن تقيم، ويستشرف الآخر التطلعات المستقبلية لهذه التجربة وكيفية تلافى الأخطاء السابقة.. فإلى الجزء الأول من هذه الندوة. * المدينة: بداية يسعدني الترحيب بكم إنابة عن الجهاز التحريري في صحيفة المدينة في هذه الندوة لنتحدث عن تمثيل المرأة في المجتمع بشكل عام، ونقصد بالمجتمع هنا جميع أفراده من رجال ونساء. نعلم جميعًا أن المرأة لا تمثل نوعها أو جنسها فقط، وإنما تمثل المجتمع من خلال هيئات ومؤسسات ومن خلال مجالس انتخابية نتوقع أن تكون المرأة جزءًا منها في المستقبل مثل مجلس الشورى أو مؤسسات مدنية مثل الجمعيات العلمية أو جمعيات أخرى وهيئات عامة.. سنناقش الموضوع عبر محورين هما تقييم التجربة والواقع الذي نعيشه في تمثيل المرأة وهي تجربة في بداياتها، والمحور الآخر هو الرؤية الاستشرافية أو التطلعات نحو المستقبل.. لنبدأ بالدكتورة نادية باعشن عميدة كلية الأعمال الخاصة للبنات في جامعة الإدارة والتكنولوجيا لنتعرف على رؤيتها وتقييمها للتجربة الحديثة لتمثيل المرأة سواءً في الغرف التجارية أو مجلس الشورى المجالس البلدية التي ستكون في العام المقبل؟ بدايات خجولة * د. نادية باعشن: تمثيل المرأة في المملكة العربية السعودية لا زال تجربة في مراحلها الأولى المبكرة. لا أقول إنها في مرحلة الولادة لأنها ولدت بالفعل وطرحت على الأرض وبدأنا نراها. إذا أردت تقييمها أقول إن التجربة لم تؤت أكلها بالمعنى المطلوب، ولا زالت تجربة تسير على استحياء، ولا زلنا نجد صعوبة كبيرة في إيجاد الدور الفاعل للمرأة في هذه المجالس، وحتى إذا وجد فالمجالس عادة لا تكون قائمة على الانتخابات وإنما على التعيين. عطاء المرأة لا شك فيه، لأنها بمجرد أن توجد في لجنة ما أو مجلس، سواء في القطاع الخاص في مجالس الإدارات فقد أثبتت وجودها وكذلك مجالس إدارات البنوك وإن كان وجودها على استحياء ولا زال قليلاً. في المجالس العامة المتعلقة بالحكومة مثل مجالس الغرف التجارية أو المجالس البلدية أو مجلس الشورى فإن وجود المرأة سيكون أكثر نجاحًا لو كان وجودها تم عن طريق الانتخاب أو الترشيح. عارضنا كثيرًا تجارب الغرفة التجارية في إقحام النساء في مجالس الإدارة وكانت حربًا شعواء. في عام 2003 و2004 و2005 كانت تجربة شاقة جدًا أن نقنع المسؤولين على مستوى الغرفة التجارية بجدة التي كانت صاحبة التجربة الأولى أو في وزارة التجارة بأن يقبلوا ذلك، مع عدم وجود نظام يمنع ذلك. نجحنا في الحقيقة نجاحًا باهرًا كنساء في تحقيق هذه المكاسب، وأذكر أن المجموعة الأولى التي رشحت نفسها ولم تكن لها سابقة وكان عددهن 24 سيدة قدمن أوراقهن للترشيح وسجلن أسماءهن ضمن المرشحين وفي ذلك الوقت كانت الانتخابات تتم عن طريق المجموعات، لذلك قامت النساء بتكوين مجموعة خاصة بهن من 12 سيدة ومن هذه المجموعة تم انتخاب سيدة واحدة. في التجربة التي تلتها تم انتخاب 4 سيدات وفي التجربة اللاحقة انخفض عدد المرشحات إلى 3 أو 4 سيدات والسبب كان هو تغيير نظام الانتخابات إلى النظام الفردي. المرأة انحسرت خوفًا من أن تخوض التجربة لوحدها وأن لا يتم التصويت لها، لذلك قل عددهن من 24 مرشحة إلى 4 فقط وهذا انحسار مفزع. خلال هذا العام سيكون التقديم للمرأة في شعبان وأتوقع أن لا نجد أكثر من سيدتين اثنتين. الإقبال الأول كتجربة جديدة لم يوجد في التجارب الأخرى. هذا له تفسير واحد عندي. المرأة إما أن تدخل ضمن قائمة الرجال وبهذا تجد الحماية وضمن التصويت لها، وإلا فإنها تفضل الدخول عن طريق التعيين بدلاً من خوض تجربة الانتخابات. ألاحظ أيضًا أن المرأة انصرفت عن الاهتمام بالغرفة التجارية إلى مجلس الشورى حيث أشيع أن المرأة ستدخل المجلس القادم وأن هناك 30 مقعدًا خصِّص لها وسيكون وجودها عن طريق التعيين وليس الترشيح وعرض البرنامج الانتخابي. المرأة السعودية لا زالت في هذا الإطار الفكري وتفضل البقاء في بيتها حتى يطرق الآخرون أبوابها ويرشحوها بدلاً من خوض غمار الانتخابات وتفشل في الحصول على أصوات كافية. ** المدينة: هناك من يرى وجود عزوف عن المرأة عن الحراك الشعبي والحراك الانتخابي.. بصفتك ناشطة في هذا المجال هل ترين أن المرأة قليلة المبادرات وتعتمد على الدعم الذكوري؟ جرأة مفقودة * د. ماجدة أبوراس: أرى أن الفرصة متاحة حاليًا أمام المرأة حتى تنال تمثيلها، ولا بد أن تكون لها الجرأة في طلب المبادرة والمحاولات لأن الصلاحيات تؤخذ ولا تعطى.، فلماذا تنتظر حتى يقوم الآخرون بترشيحها.. الترشيح في حد ذاته ليس مشكلة، لكن المرأة ما دامت امتلكت العلم والثقافة والقدر والشخصية التي تكفل لها تمثيل مجتمعها فلا بد عليها أن تخوض التجربة. وكما تفضلت الدكتورة نادية فقد انخفض عدد المرشحات من 24 إلى 24 سيدة. لماذا حدث ذلك.. ولماذا لا ترشح المرأة نفسها وتسعى لإقناع الناخبين.. حتى إذا فشلت مرة فسوف تنجح في المرة القادمة. والترشيح لا يعني مجرد الرغبة في الفوز، فمجرد ممارسة حق الترشح هو مكسب في حد ذاته على المرأة أن تحافظ عليه وأن لا تفرط فيه. نفس الأمر ينطبق على المجالس البلدية فالرجال يرشحون أنفسهم بأعداد كبيرة بينما لم تتقدم سوى سيدة أو اثنتان بترشيح أنفسهن. هذا يعتمد على النساء أنفسهن.. كما أن موضوع العزوف يتعلق بالنساء أنفسهن. قد تخشى المرأة أن تخوض هذه التجربة وقد تتوقع الفشل. مجتمعنا ينظر إلى المرأة نظرة خاصة لذلك فإن خوفها من الفشل يدفعها للتراجع، لكنني على ثقة أن المرأة لو حاولت وقدمت برنامجًا مكتملاً وسعت إلى إقناع الناخبين فإنها ستنجح. قد يكون برنامجها أفضل من برنامج نظيرها الرجل. الآن توجد تربة خصبة للمرأة. إذا لم تطور نفسها في هذا العهد فسوف تخسر كثيرًا، لأن الفرصة متاحة أمامها لترشح نفسها للمجالس البلدية. فلماذا تنتظر أن يرشحها الآخرون أو يعينوها.. لماذا تكون سلبية وتتوقع الفشل.. بالنسبة للغرف التجارية هناك رهبة من المرأة أو استحياء بصورة عامة.. ربما يعود ذلك لعدم الثقة في تحقيق النجاح، وربما يكون لقناعتها أن المجتمع ذكوري لذلك فإن الفرص الفوز في الانتخابات أكبر أمام الرجل ولكني أرى ومن واقع تجربة شخصية حيث دخلت العمل في مجال البيئة ولأول امرأة تكون هناك امرأة سعودية في هذا المجال، ولكني عملت بإصرار ووصلت إلى تمثيل المرأة وتمثيل برامج تخص الرجال والنساء في ذات الوقت. حث الكفاءات * د. نادية باعشن: ولكن هذه تجربة لامرأة من ضمن 8 ملايين أخريات والشاذ عن القاعدة ليس حكمًا، ولكن لدينا كفاءات وسيدات متميزات ومثقفات في كافة المجالات العلمية ونحتاج فقط للمحاولات.. ونحن نحثها على ذلك وندفعها ونقول لها أن لا تضيع حقوقها لمجرد الخوف من الفشل. حتى إذا فشلت فسوف تنجح في المرة القادمة. الغرفة التجارية لها 68 عامًا أو أكثر. كل 4 سنوات لا بد أن يكون هناك مجلس إدارة، سواء كانت به امرأة أو لا. سيستمر الرجل في ترشيح نفسه. في كل عام يخسر رجال ويربح آخرون، ولكن في كل عام أيضًا نجد أن الرجل موجود في الساحة ولا زال يرشح نفسه. لماذا لا تستمر المرأة في المطالبة بحقوقها التي مُنحت لها نظامًا وشرعًا، وتحجم عن المشاركة لمجرد الخوف من الفشل.. **المدينة: هل هناك عدم ثقة من المجتمع في المرأة ولذلك يحجم عن منحها صوته ويحتاج إلى مشوار طويل حتى تمثل المجتمع كله؟ إيمان بالقدرات * د. حسين الشريف: يجب النظر إلى الموضوع بصورة أكثر عمقًا بدلاً عن النظر فقط إلى الواقع الحالي. التجربة التي مرت بها المرأة كانت ثرية وصعبة في بداياتها، وما حصلت عليه اليوم لم يكن وليد الصدفة بل كان نتيجة جهود ومطالبات تنصب في مجملها تحت مظلة الحقوق. هذا الأمر يندرج تحت حقوق المرأة بكافة أنواعها، وإن كانت قد حصلت على كثير من حقوقها ولكنها ما زالت هناك بعض الحقوق التي ينبغي أن تسعى للحصول عليها. المرأة يجب أن تنتقل إلى مرحلة التمكين وليس مجرد إعطائها الفرصة، فهذه المرحلة تخطتها بالدعم الملكي. الإشكالية القائمة هي مدى القدرة وعمل كافة الأجهزة سواء على مستوى متخذي القرار أو الأجهزة التنفيذية في الإيمان بقدرات المرأة وتمكينها من أخذ هذه الفرصة وتسهيل كافة المعوقات التي تعترض طريقها. التجارب التي مرت وإن كانت تجارب ديمقراطية وانتخابية قد تكون نجحت أو فشلت فيها المرأة لا أعتقد أن السبب فيها يعود إلى المرأة ولكن نتيجة للموروث الثقافي الكبير والهائل في المجتمع والذي كان بطريقة أو أخرى يهمش دور المرأة ولا يؤمن بقدراتها ولا يسمح لها بالمشاركة. بعد أن أتيحت لها هذه الفرصة يبدأ في وضع الصعوبات أمامها بطريق أو بآخر لإفشالها. مع ذلك نعتقد أن التجارب السابقة نجحت فيها المرأة ولا زالت تحارب من أجل إثبات وجودها من خلال التجارب الانتخابية من خلال الفرص التي أتيحت لها للمشاركة سواء بالانتخاب أو بالترشيح. إجمالاً فإن معظم المجالس التي تمت عن طريق الانتخاب بها رجال ونساء. التطلع ينبغي أن يكون للمستقبل. يجب الاهتمام في الوسائل التعليمية والإعلامية والمنتدى والملتقيات ومع أصحاب الفكر والرأي ومتخذي القرار بالتركيز على قدرات المرأة والعمل على تمكينها وتوفير الفرص لها. إذا آمنت المرأة نفسها بقدراتها وسعت لتسخير قدراتها بالتعاون مع شقيقاتها من النساء والمؤمنين بقضاياها من الرجال في ترسيخ هذه المفاهيم ونشرها وسط المجتمع والتوعية بها، فإنها ستحصل على مكانة أفضل مما هي فيه الآن. حراك جيد * د. بهيجة بهاء عزي: موضوع تمثيل المرأة السعودية في المجتمع يندرج تحت خمسة محاور. كلنا يعلم واقع المرأة السعودية في ظل الظروف الحالية وقد نعتبره مشكلة وقد نعتبره فرصة، وشخصيًا أعتبره فرصة. كما يقولون مع المحن تأتي المنح. هناك حدث تاريخي هو قرار الملك عبدالله. هذه القرارات له مدلولات عديدة وأنا أدرجه تحت تطلعات المرأة وهو قراره بتعيين المرأة عضوًا كاملاً في مجلس الشورى والمجالس البلدية. السؤال هو هل بدأت المرأة أخذ فرصتها أم أنها ستبدأ.. هناك منابر عدة تتحرك فيها المرأة. هناك حراك جيد وقد حققت المرأة مكاسب كثيرة جدًا من خلال هذا المشوار الطويل. المرأة تحتاج إلى الدعم السياسي والرسمي وفي تقديري أن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتميز بالدعم الكامل للمرأة السعودية. لا بد للمرأة أن تستثمر هذا الدعم لتحقيق تطلعاتها. الحدث الثاني بتاريخ 25 سبتمبر 2011 عندما أطلق خادم الحرمين عدة رسائل في مجلس الشورى لتواكل تطلعات المرأة السعودية ورؤيتها للمستقبل بقرارات ملكية تعزز ضرورة مشاركتها في مجلس الشورى عضوًا من الدورة القادمة. وكذلك حق المرأة في ترشيح نفسها لعضوية المجالس البلدية. هذه القرارات لها مدلولات هامة أبرزها أن مشاركة المرأة في مجلس الشورى يعتبر مشاركة في منبر سيادي وهو منبر مهم جدًا لأن المرأة تحتاج أن تكون في موقع صناعة القرار وهذا منبر سيادي. كذلك القرار يؤكد أن المرأة شريك في المواطنة وهذه قضية هامة. كذلك فإن قضية العضوية الكاملة تؤكد موضوع المساواة بين الرجل والمرأة لأنها ستكون في موقع صنع القرار في كل ما يخص الشأن العام.. القرار دعم للمرأة ولكنا نتساءل عن منجزات المرأة.
أدار الندوة : فهد الشريف مشاركون في الندوة: * د.بهيجة بهاء عزّي: مستشارة في مجلس الشورى وعضو مؤسس في مجلس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والأمين العام للهيئة العالمية للمرأة والأسرة * د. حسين الشريف: عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة والمشرف العام على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة مكةالمكرمة * د. عمر الخولي: عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز ومستشار قانوني في هيئة حقوق الإنسان * فاتن يوسف بندقجي: عضو مجلس الغرفة التجارية الصناعية ورئيس لجنة العلاقات الدولية وعضو مؤسس لحملة بلدي لإشراك المرأة في الشأن العام.. * د.ماجدة أبو راس: أستاذة مساعدة بجامعة الملك عبدالعزيز وباحثة في وكالة ناسا لأبحاث المياه الجوفية * د.نادية باعشن: عميدة كلية الأعمال الخاصة للبنات في جامعة الإدارة والتكنولوجيا