قرأت إحصاء وزارة الشؤون الاجتماعية عن عدد الجمعيات الخيرية غير الحكومية المسجلة رسمياً، والتي يزيد عددها على مئتي جمعية بحسب قولهم. وهذا الكم الهائل من الجمعيات الخيرية ينطبق عليه قول الشاعر، الذي حرفه احد الفقراء لي قائلاً: ما أكثر الجمعيات حين تعدها ولكنها لنجدة المحتاج قليل ومن يرى هذا الزخم من العمل الخيري لدينا يعتقد ان فقراءنا قالوا:"كفى، جزاكم الله خيراً، لقد حفظتم الأمانة وقمتم بالواجب، فاذهبوا إلى اخواننا في افريقيا"، ولكن واقع الحال يندى له الجبين، من خلال ما عايشته وسمعته عن هذه الجمعيات وتبديدها للأموال بحسب الاهواء والمصالح الشخصية وتخصيص الجزء اليسير لكسب ود الآخرين، إذ تسيطر العلاقات الشخصية والمصالح المتبادلة على العمل الخيري لدينا. يقول لي احد الفقراء من الجوف:"اذا كان لديك واسطة، فأبشر بالخير، واجلس في بيتك ولا تتعب، فما لذ وطاب مقبل اليك لا محالة. أما اذا كنت فقيراً او يتيماً وليس لك معرفة فلن يأتيك إلا حلاوة طحينية منتهية الصلاحية وكيس من أردأ أنواع الأرز كل أربعة أشهر". لم اصدق ما سمعت وبدأت أبحث عن الحقيقة، فوجدت فقيراً آخر في حفر الباطن يقول:"إذا كان لك علاقة شخصية او معرفة مع موظفي الجمعية، فابشر بأفخر الأثاث بل المنزل الواسع وكل ما تفكر فيه من أنواع الطعام يأتيك على باب منزلك كل 15 يوماً، مع مبلغ لا يقل عن ألف ريال، اما اذا كنت فقيراً ولا تعرفهم فمهما بلغ حجم العائلة وشدة الحاجة فأبشر بعلبة من الزيت وكيس من دقيق وكيس من الأرز الرديء كل أربعة او خمسة أشهر"! سألت في الهفوف وحائل والقصيم والرياض والشكوى نفسها والتذمر واتهام القائمين على الجمعيات بالعمل بحسب الاهواء بعيداً من التنظيم واعطاء الحق لأهله. قابلت احد المواطنين في الدمام وتذمر منهم قائلاً:"هم لا يساعدون الناس ولكن يعملون فقط لمصالحهم"، ويواصل قائلاً عندي لك شهادة ان احد الجمعيات لديها مسؤولو مستودع مقيمون قاموا بتكليفي بنقل ثلاث تريلات أطعمة عبارة عن أرز وتمر إلى مرمى النفايات، لانها تالفة نتيجة سوء التخزين وطول المدة، وهذا دليل آخر على ان الأموال لا تصل لمحتاجيها. في الثقبة، ارسلت احد الفقراء إلى احد الجمعيات وحالته معروفة ولم يحصل على شيء، بينما احد المقيمين اخذ في لمحة بصر ألف وخمسمئة ريال، لانه عابر سبيل! ثم حاول صاحبي اخذ صندوق طماطم فنهره البنغالي واعطى الصندوق لاحد زملائه، وهذا شاهد آخر على التلاعب بهذه الجمعيات من المقيم، لانه يرى بعينه ما يجري من مخالفات من القائمين عليها. بعد ما سمعت وبعد ما شاهدت من أخبار هذه الجمعيات لو كنت مليونيراً فلن اتبرع لهم بريال واحد، حتى يتم تنظيمها وتزويدها بموظفين أكفاء وعمل نظام محاسبي ورقابة عليها. ادعو القائمين على العمل الخيري إلى ان يتقوا الله في فقرائنا، وليعلموا ان الله مطلع عليهم وألا يحابوا احداً، ويعطوا كل ذي حق حقه بعيداً من التعصب لقبيلة او مذهب او جماعة. ويعتب الفقراء المهمشون وكل مواطن غيور على وزارة الشؤون الاجتماعية على فشلها في إدارة هذه الجمعيات وتوفير كادر إداري مؤهل، وان تتم المحاسبة والمراقبة. مخلف الشمري - الخبر