تشير بعض التقديرات إلى أنه ومع نهاية شهر رمضان المبارك، ودخول عيد الفطر السعيد، ينفق السعوديون والمقيمون من المسلمين في المملكة سنوياً، ما يتجاوز ال 200 مليون ريال على شراء أنواع مختلفة من "الأطعمة"، ليخرجوها زكاة لفطرتهم، إلا أن هناك من يعتبر أن الرقم قد يتجاوز هذه التقديرات بكثير، وذلك بسبب مايعرف ب"التدوير" في سوق "بيع زكاة الفطرة"، حيث يقوم البعض ببيع الزكاة المقدمة لهم، وخاصة إذا كانت من "الأرز"، والسبب يعود لحاجتهم في تلك الأموال، أو توافر "الأرز" لديهم، فيما هنالك من يبيعها لكي يستفيد من مالها في شراء حاجيات العيد، له ولأسرته، وهو الأمر الحاصل في "شرورة"، حيث لاحظت "الوطن" وجود عمليات "تدوير" للزكوات الموزعة، فهي تشترى من عند البائع، وتوزع على المحتاجين، الذين يقوم عدد منهم ببيعها في السوق من جديد، وأخذ أموالها، وشراء حوائج أخرى، خالقين بذلك دورة اقتصادية سريعة، وإن عدها البعض "صغيرة"، إلا أنها مؤثرة في الأسواق المحلية على مستوى المناطق. سوق "الفطرة" تنشأ أسواق "الفطرة"، كما يطلق عليها أهل "شرورة"، في الأيام الخمسة الأخيرة من شهر رمضان، مع قرب حلول عيد الفطر المبارك. وهي سوق ليس لها موقع سنوي ثابت، حيث يتغير مكانها كل عام، حسب تعليمات الجهات الرسمية ذات العلاقة، خصوصا أن هذا السوق، في جزء منه، هو عشوائي وغير منظم، ويعتمد على باعة موسميين. سيارات ومفارش! أول ما يلفت نظرك، هم أصحاب سيارات النقل الصغيرة، المتناثرة هنا وهناك، والتي يعلوها شبان ورجال، تمتلئ سياراتهم بالمواد الغذائية، التي اعتاد الناس على إخراجها في "الزكاة"، كما يستوقفك الانتشار الواسع ل"المفارش"، و"البسطات"، والتي يتوزعها نساء ورجال، من مختلف الأعمار والجنسيات، يعرضون للبيع الأرز بمختلف أنواعه، بعد أن اشتروه من المستودعات التجارية. البيع الموازي السيارات والمفارش، يؤمها عدد كبير من الناس، الذين ما إن يشتروا زكواتهم ويوزعونها على المحتاجين، حتى تبدأ عملية بيع وشراء موازية، يقوم بها أوائل آخذي زكاة "الفطرة"، بحثاً عن النقد "الضروري"، لشراء مستلزمات العيد لهم ولأسرهم، من ملابس، وحلويات، وسواها، واجدا في "سوق الفطرة"، المكان المناسب الذي سيجد فيه المشترين بالسرعة المطلوبة، حيث يبيعها إما لتجار في هذا السوق، أو لمشترين يريدون أن يخرجوا الزكاة. تدوير الأرز "الوطن"، وفي سياق تتبعها لهذه "الظاهرة"، جابت السوق، والتقت العديد من روادها من المشترين والباعة، ومن ضمنهم "سعيد"، بائع "الأرز"، الذي يتخذ من"حوض" سيارة قديمة، مجلسا ومكانا لعرض بضاعته، لعلّ أحدا يقبل عليها ويشتري منه. يحدثنا سعيد قائلا "في بداية أول أيام إخراج الفطرة، تكون الأسعار مرتفعة، لأن الكميات التي تُحضر للسوق تكون قليلة. وفي المساء تكون السوق أكثر نشاطاً في عمليات الشراء أولاً، ومن ثم البيع، ومن ثم الشراء من جديد". ويراهن "سعيد" على أن "أكياس وقطم الأرز" التي يبيعها، ستعود إلى السوق، وقد يشتريها بنفسه مرة أخرى!. أسعار مخفضة الطرف الآخر في السوق، هم مخرجو الزكاة، ومن بينهم المقيم خالد أحمد، والذي جاء لهذه السوق عن قصد، مفضلا إياها على المستودعات والمحلات التجارية، بالرغم من عشوائية الأولى، وتنظيم الأخيرة، إلا أن خالد يرجع سبب تواجده هنا، وعدم الشراء من المستودعات، إلى كونه يستطيع "الحصول هنا على مقدار الزكاة المفروضة، من الأرز المزة، بسعر يقل ب40 % عن سعره في المراكز التجارية"، ومادام الأمر كذلك والحديث لخالد "فلماذا لا أشتري زكاتي من هنا، وأتصدق بها، وأخرجها لمستحقها، وأذهب بها إلى بيت المحتاج، وبعدها لا أتابعه، أكلها أم باعها". ويضيف قائلا "بما أننا نعيش في المملكة، فنحن ملتزمون بفتوى عدم جواز إخراج زكاة الفطر نقداً، والتي أكدها الجمعة الماضي المفتي العام للمملكة، وإن كنا نخرجها في بلادنا نقداً"، معتبرا أنه "لو أخرجنا الزكاة نقداً، كانت أفضل للمستحق، لأنني أسمع قصصا عن أن بعضهم يبيعها بسعر أقل من ثمن الشراء". حاجيات العيد وأنت تجوب متنقلا بين أطراف سوق "الفطرة"، تجد العديد من النساء، وبينهن سيدة أربعينية، يناديها نسوة السوق بكنيتها "أم مبخوت"، وهي تقف مع ثلاثة من أبنائها، أكبرهم لم يتجاوز الثامنة من العمر، محاولة بيع ما جاءها من زكاة يبلغ مقدارها ثلاث قطم أرز، من فئة ال 10 كيلو. تقول "أم مبخوت"، إنها ستبيعها مجتمعة ب 150 ريالا، وستعطيها لأولادها، ل"يشتروا بها ملابس للعيد". وعما إذا كان بيعها ل"الصدقة"، ينافي استحقاقها لها، تجيبنا بالتأكيد على كونها مستحقة لها، إلا أنه لديها في البيت كميات من الأرز تكفيها لمدة شهر، أعطاها إياها آخرون، حيث إن أكثر من مخرج للفطرة، يعطيها فطرته سنوياً. تذمر الشركات المخازن والمحلات التجارية الكبرى، يعتبرون الباعة في سوق "الفطرة" خصوما لدودين لهم، كون هذه السوق قامت بجذب عدد كبير من الناس لها، كما أثرت على حركة مندوبي الشركات، التي تبيع الماركات التجارية من "الأرز" في "شرورة"، كيف لا، وهؤلاء المندوبون يجدون موادهم التي يسوقون لها، تباع بأسعار منافسة للناس، مبدين دهشتهم في الطريقة التي يستطيع من خلالها هؤلاء الباعة توفير "الأرز" بأسعار أقل، وفي سياق محاولتهم الإجابة عن ذلك، ذكروا ل "الوطن"، أنه "بعد أن بحثنا عن مصدر هذه السلع، وجدنا أن مستفيدين من خدمات جمعية البر بشرورة، حصلوا عليها كمساعدة عينية من الجمعية، فباعوها في السوق بأسعار تقل كثيراً عن أسعار التكلفة"، موضحين أنهم سيرفعون تقارير لشركاتهم عن أسعار هذه المنتجات، لتقوم بما تراه مناسبا من إجراءات. الزكاة لمحتاجيها مدير جمعية "البر" الخيرية بشرورة، عبد الله بن مفرح الوادعي، وفي تعليق له على حديث مندوبي الشركات، وادعائهم ب"أن الجمعية تقوم بإعطاء ما يصلها من زكوات الفطر لأسر، تقوم لاحقاً ببيعها"، قال ل "الوطن" إن "الجمعية تتحرى الأسر الفقيرة الأشد حاجة، وتقوم بإيصال الزكاة إلى المنازل مباشرة، ولا تعطيها لمن يتواجد عند المستودع، ويطلب إعطاءه من الزكاة". مضيفا "لقد درجت الجمعية على استقبال زكاة الفطر كل عام، بهدف التسهيل على الناس، ومساعدتهم في إيصالها لمستحقيها، من الأسر المسجلة ضمن خدمات الجمعية في محافظة شرورة، وعددها 600 أسرة. كما يقوم المستودع الخيري بشرورة، والتابع للجمعية، بمهمة استقبال الزكاة أيضاً، وتوزيعها فور وصولها، على أسر مسجلة في المستودع". الوادعي اعتبر أن "دور الجمعيات هو الإنابة عن بعض المزكين، في توصيل زكواتهم، كون بعضهم لا يعلم عن الأسر الفقيرة، و يرغب بأن تقوم الجمعية بذلك، نظراً لاختصاصها، وإن كان العدد الأكبر من مخرجي الزكاة، يقوم بإخراجها بنفسه، على حالات يعلم مدى حاجتها". تحذير المفتي من جهته، حذر مفتي عام المملكة، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مؤخراً من "إعطاء زكاة الفطر لمن يبيعونها، أو من يقفون بجوار البائعين لزكاة الفطر، فيأخذونها من المزكي، ثم يبيعونها مرة أخرى"، مشددا على ضرورة أن تعطى الزكاة لمن يستحقها من الفقراء والمساكين. وهو في هذا الصدد، أبان أنه "لا يجوز إخراج زكاة الفطر قيمة نقدية"، استنادا إلى "ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تخرج من طعام وقوت أهل البلد، من الأرز، والبر، والأقط، والزبيب".