لا يبدي عمال آسيويون اهتماماً بتحذيرات صحية، تطلقها جهات عدة في محافظة الأحساء، من أكل أسماك تتكاثر في مصارف الري الزراعي، بل يستغلون أجازاتهم الأسبوعية والساعات التي تسبق الدوام، أو التي تليها، في اصطياد الأسماك من تلك المصارف. فالعاملان الفليبينيان جون وبول، يستيقظان كل صباح ليمارسا هوايتهما في صيد السمك من مصرف زراعي قريب من المصنع الذي يعملان فيه، وحين يملآن أوعيتهما، ينطلقان إلى عملهما في المصنع. قد يبدو منظر جون ورفيقه بول كأي صيادين آخرين يلقيان بسنارتيهما على ضفاف أحد الأنهار، لكنهما ليسا كذلك. فهما يصطادان من مجرى ري زراعي، يحمل الفائض من مياه ري البساتين، التي لا تخلو من مواد سامة، بفعل المبيدات الحشرية التي ترش على الأشجار، لحمايتها من الأوبئة والآفات الزراعية. وعلى رغم بساطة أدواتهما، التي لا تتجاوز خيطاً من النايلون القوي وقطعة حديد حادة في طرف الخيط، وقطعة صغيرة من عجينة الخبز، مستغنيان عن القارب والشبكة وأدوات الصيد الحديثة. ويمارسان الصيد وسط الغناء وتبادل الذكريات المتطايرة مع أنفاس السيجارة. لم يكن مضى على قدومهما سوى ساعتين، لكنهما استطاعا تعبئة وعاءين كبيرين بأسماك البلطي، المحظور صيده، إذ يعتقد أنه"مستودع للبكتيريا والأمراض والأوساخ"، لكنهما يبدوان سعيدين جداً بما اصطاداه، ممنين النفس بالتهام"وجبة لذيذة". ويؤكدان أنهما اكتسبا مناعة تحول دون إصابتهما بالأمراض التي قد تنتقل إليهما من هذه الأسماك. ويقول جون مبتسماً:"إن المياه هنا أكثر صفاءً ونقاءً من مياه الأنهار في بلادنا، ولو رأيتم المياه هناك ستكرهون النظر إليها، فضلاً عن الاصطياد فيها"، وهذا ما أكده رفيقه بول، الذي قال:"أستطيع أن أستحم وأشرب من هذه المياه، من دون أن أصاب بأي مكروه، لأننا اعتدنا على المستنقعات والمياه الملوثة في بلادنا". في السابق كان المصدر الأساس للري مياه العيون الطبيعية، وعددها يربو على 32 عيناً منتشرة في الأحساء، وبعد جفاف معظمها ونقص مخزون أكثرها، قام مشروع الري والصرف بحفر آبار ارتوازية لتعوض الري منها. ثم بعد ذلك جاءت مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثياً للزراعة، وتستقبل محطة التنقية مياه الهفوف والمبرز، التي تديرها وزارة المياه، نحو 80 ألف متر مكعب، وتعالج ثلاثياً، ثم تسلم إلى هيئة الري والصرف، ليجرى تحليلها مخبرياً، للتأكد من مطابقتها المواصفات العالمية لمياه الزراعة غير المقيدة. ولا ينتظر الصيادون نتائج التحليل للتأكد من سلامتها، فهم يمارسون هواية الصيد، التي توفر لهم مؤنة الأكل، وتعد دخلاً جيداً، فبعد أن يؤمنوا حاجتهم منها يبيعون الفائض على زملائهم، الذين لم يتمكنوا من الصيد، فيحصلون على المال. وخلال أيام الجمعة، وهو يوم أجازة هؤلاء العمال، يحصل الصيادون على كميات أكبر من الأسماك"بحسب التفرغ والجهد وعدد الذين يصطادون"، كما يقول بول. وغالبية الصيادين من الجنسية الفليبينية، ما دفع عمال من جنسيات أخرى، كالهندية والبنغالية، الى تبني الفكرة، بعد ان وجدوا أنها"مربحة"وموفرة، فزاحموا الفليبنيين في هواياتهم. بيد أن بول يؤكد"لا يمكن لأحد أن يجارينا في الصيد، فنحن ولدنا مع السنارة". ولم يخف بول وجون ألمهما لقلة الضفادع في مجاري الصرف، وصعوبة الحصول عليها، إلا في المستنقعات الآسنة، التي تجاور النخيل والمزارع البعيدة. وتمثل الضفادع إحدى الوجبات المفضلة للجنسية الفليبينية، بصورة خاصة، والشرق آسيوية بصورة عامة. ويقول بول:"كنا نتمنى أن نصطاد ضفادع بنفس كمية السمك الذي نحصل عليه في كل يوم". ويشرح جون طريقة إعداد طبق الضفادع"بعد أن نسلخ الجلد بأيدينا، نقوم بسلقها في ماء يغلي، ونضيف البهارات الآسيوية والملح، ونبدأ بحسائها المفيد جداً، ثم بأكلها مثلما تأكلونا العصافير، لما تحمله من فوائد غذائية، تجهلونها أنتم". وتمثل المصارف مصدر رزق للعمالة الوافدة، التي لا ترى حرجاً من ممارسة هذه المهنة علناً، وتحت أنظار المارة والفضوليين، حتى ان الهواية تطورت من الخيط والعجينة إلى أدوات الصيد الحديثة، كالسنارة المتطورة والقبعة ذات الريش والكرسي وأنواع مختلفة من الطعم وسلة كبيرة وحافظة للأسماك.