بات تقليداً متعارفاً عليه في المشهد الثقافي الجزائري أن يرتبط الموسم الأدبي بانطلاق المعرض الدولي للكتاب الذي تقرر موعده هذا العام بين 30 تشرين الأول أكتوبر و9 تشرين الثاني نوفمبر. والمعروف أنّ هذه الفترة تشهد أكبر إقبال جماهيري على الكتاب الجزائري والعربي والأجنبي لتخفت الحماسة بعدها بعض الشيء بسبب غياب سياسة توزيع الكتاب وقلة المكتبات في مختلف أنحاء الوطن. ولهذا أصبحت دور النشر الجزائرية أو أبرزها على الأقل تهتم بهذه المناسبة لتقديم جديدها الأدبي بخاصة بعد أن لوحظ في السنة الماضية ذلك الإقبال الكبير على الرواية الجزائرية وحتى العربية بحيث حققت روايات كثيرة مبيعات قياسية في بلد كان يشتهر قراؤه بحبهم المبالغ فيه للدراسات بكل أنواعها على حساب النصوص الأدبية. بل استطاعت الرواية أن تزاحم حتى الكتاب الديني الذي تراجع الإقبال عليه في السنوات الأخيرة ربما لوفرته كذلك في سوق الكتب الجزائرية. بدأت دور النشر الجزائرية تعلن عن بعض عناوينها الجديدة في موقع التواصل الاجتماعي- الفايسبوك- وشرعت الصحافة تولي أهمية للتحدث عنها في صفحاتها الثقافية، وغالبية دور النشر صارت مقتنعة إلى حد كبير بأن الإقبال على النصوص الأدبية، وخصوصاً الرواية سيزداد هذه السنة بفضل ما يظهره القراء من اهتمام إزاء بعض الصفحات الفايسبوكية والمواقع الأدبية الخاصة التي صار لها جمهور واسع ومتعدد ويبحث عن الجديد دائماً. منشورات"الاختلاف"الجزائرية بالتعاون مع منشورات"ضفاف"اللبنانية ستقدم ما يقارب 12 عملاً روائياً لعل أهمها ترجمة رواية"نجمة"الشهيرة لكاتب ياسين التي انجزها القاص السعيد بوطاجين ورواية أمين الزاوي الأخيرة"نزهة الخاطر"والرواية الثالثة للشاعرة ربيعة جلطي"عرش مُعشق"والعمل الروائي الثاني للكاتبة ديهية لويز"سأقذف نفسي أمامك"والعمل الروائي الثاني أيضاً للمبدعة منى بلشم"أهداب الخشية، عزفاً على أوتار افتراضية"... وثمة عمل روائي جديد للفائز بجائزة الطيب صالح في دورة هذا العام إسماعيل يبرير بعنوان"باردة كأنثى"، هذا بالإضافة إلى أعمال روائيين عرب معروفين كرواية المصري وحيد الطويلة"باب الليل"، ورواية اللبناني محمد الحجيري"طيور الرغبة"ورواية الشاعر عبده وازن الجديدة"غرفة أبي"والسورية شهلا العجيلي"سجاد عجمي"إلى أعمال روائية أخرى. دار"الشهاب"الجزائرية اعادت نشر أعمال بعض الروائيين الجزائريين الكبار مثل رشيد ميموني باللغة الفرنسية اللعنة، شرف القبيلة، النهر المحول و ترجمة ل"ثلاثية الشمال"الروائية للراحل محمد ديب ثلوج المرمر، سُطوح أورسول، إغفاءة حواب قام بترجمتها الروائي محمد ساري، وبالعربية رواية للصحافي حميد عبد القادر"توابل المدينة". وأعلنت دار فييسرا عن مجموعة من الإصدارات منها رواية الجنوب الكبير تحت عنوان"مملكة الزيوان"للروائي الصديق حاج أحمد ورواية"سينما جاكوب"للروائي عبد الوهاب عيساوي. أما منشورات البرزخ فتقدم رواية جديدة للكاتب محمد ساري"القلاع المهشّمة"وهناك أعمال روائية جديدة لكل من سعيد خطيبي بعنوان"بَزاف"التي تعني بالفصحى"هذا كثير"والحبيب السايح"الموت في وهران"والخير شوار"ثقوب زرقاء"وواسيني الأعرج"مملكة الفراشة". ولعل هذا العدد من الروايات يؤكد الحضور الطاغي للرواية على مختلف الأجناس الأدبية الأخرى ويخلق منافسة كبيرة بين الروائيين الجزائريين وبخاصة في مجالس المعرض الدولي للكتاب. غير أن هذا لا يلغي حضور الشعر في هذه الإصدارات الجديدة، فمنشورات الاختلاف نشرت ثلاث مجموعات شعرية:"مسقط قلبي"للشاعرة سمية محنيش،"العبور على متن الوهن"، لمحمد جعفر،"قلب لا يحسن التصديق"للشاعر المقيم في فرنسا هواري غزالي. و أصدرت منشورات لزهاري لبتر عملين شعريين لشاعرتين من تونس، الأولى بعنوان"النساء انتظار"لريم قمري، والثانية"مُعطرة أمضي إليه"للشاعرة صونيا خضر. و تصدر مجموعة شعرية جديدة للشاعر نصر الدين حديد"رجل بربطتي عنق"عن منشورات"أناب". من جهة أخرى أعلنت دور نشر جزائرية عن كتب تاريخية متنوعة حول التاريخ الوطني والكفاح التحرري، في مناسبة الذكرى الخمسينية لاستقلال الجزائر، وهي في معظمها كتب مدعومة رسمياً، وتدخل في إطار التاريخ الرسمي برغم صدور كتب تاريخية جديدة تنزع إلى النقد مثل كتاب السياسي سعيد سعدي حول المجاهد عميروش الذي يشكك في الرواية الرسمية لمقتله، ويحكي قصة دفن عظامه في فترة حكم بومدين تحت مبنى للدرك الوطني خوفاً من اكتشاف جثته. وهي قصة تبدو كالأسطورة، ويحاول من خلالها زعيم الحركة من اجل الثقافة والديمقراطية القبائلي سعيد سعدي فتح ملف التاريخ الجارح الذي يزخر بأسماء كثيرة تم اغتيالها في زمن الثورة مثل عبان رمضان، أو بعد الاستقلال مثل كريم بلقاسم. وعلى رغم حركية الكتاب والنشر في الجزائر في السنوات الأخيرة إلا أن القطاع لا يزال يعاني من مشاكل كثيرة، لعل أهمها يتمثل في ضعف توزيع الكتاب في مختلف المدن والأرياف وعدم استغلال ديناميكية معرض الكتاب الذي يعرف إقبالاً كبيراً على الكتب ما يعني وجود جمهور متعطش إلى القراءة، ولكن لا تلبى حاجياته المعرفية والثقافية. ولعل الإشكال الأكبر المطروح اليوم هو غياب استراتيجية حقيقية لتشجيع الكتاب بطريقة تدفعه إلى أن ينجز حضوره الفعال من طريق دعم مقنن وواضح الغايات والأهداف وليس عشوائياً يدفع الكثير من التجار إلى إنشاء دور نشر وهمية بلغ عددها نحو 700 دار لا حضور فعلياً لها على أرض الواقع، فهي تستفيد من الدعم فقط وتنتهي مهمتها بعد ذلك.