إذا كان بناء مؤسسات الدولة هو التطور الأبرز في القضية الفلسطينية، فإن التطور المضاد والأسوأ هو الذي ارتبط بفوز"حماس"في انتخابات 2006، فعلى رغم أنها جاءت بطريقة ديموقراطية، إلا أن هذه الحركة كانت مثل الخنجر الذي غُرس في ظهر القضية الفلسطينية، ليس فقط لدخولها في صراع وجود مع حركة"فتح"، وإنما أيضاً في استخدامها كأداة لقوى إقليمية تحت شعار الدفاع عن الشعب الفلسطيني. ومنذ وجود"حماس"بهذا الشكل الموظف من الخارج، وجدنا كيانين فلسطينيين، في وقت كان من المهم جداً أن يتحدا تحت سلطة واحدة، ودخلنا في قضية الصراع الداخلي بين الفلسطينيين بطريقة المباراة الصفرية، ولتتحول القضية وتتقزم من قضية عالمية يسعى الجميع إلى وجود حلول لها، إلى أن تصبح قضية أنفاق غير مشروعة على الحدود بين مصر وغزة بتوقيع حركة"حماس"ومباركتها. وهنا ليس المهم أن يتوحد من يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية مثلما كان الوضع قبل الانتخابات التي جاءت بحماس، وإنما المهم أن تعيش زعيماً أو قائد فصيل بمباركة الخارج. وجاء فوز جماعة الإخوان المسلمين بالحكم في مصر مثل طوق نجاة ليس للشعب الفلسطيني وإنما لحماس، لتجد من يدعمها ويقويها على باقي الفصائل الفلسطينية من خارج الحدود، ولكي ندور من جديد في الدائرة المفرغة التي أضاعت كثيراً من الحقوق الفلسطينية. ومن ثم، لم يكن مستغرباً أن يشرف إخوان مصر على انتخابات رئيس حماس الجديد من القاهرة، التي اجتمع فيها المكتب السياسي للحركة في مطالع نيسان أبريل الجاري ليستمر خالد مشعل في ولايته الخامسة رئيسا لها. والسؤال: لماذا يصر الفلسطينيون على تكرار أخطاء الماضي ولا يتعلمون منه؟ فخبرة السبعين سنة تؤكد أن أول ركن في استرجاع حقوقهم هو ضرورة الانطلاق من الداخل الفلسطيني والبعد من التوظيفات والمتاجرة بالقضية التي دخلت فيها جماعات لن تضيع فقط القضية الفلسطينية وإنما البلاد التي تحكمها. آن الأوان للفلسطينيين أن يكون لهم ربيعهم، وأن يغيروا هذه النخب والوجوه التي أضرت أكثر مما أفادت الفلسطينيين. فنجاح حماس أو حتى فتح لن يكون متوقفاً على مدى ارتباطها بإخوان مصر، بقدر ارتباطه بما سوف تحققه على الأرض من المصالحة والتوحد للدفاع عن الحقوق الفلسطينية من دون تمييز عقائدي. وتحقيق هذا الأمر يتطلب أولاً أن تبتعد القيادات التقليدية التي كانت سبباً للانقسام وأداة للتوظيف الخارجي، وثانياً ضرورة الارتباط بالداخل والتحرك بناء على معطياته وليس على معطيات الخارج الذي قد يكون في دمشق أو طهران، أو حتى في القاهرة، فالقضية الفلسطينية لم تعد قيادات تتاجر بمصير شعب وإنما باتت مرتبطة بمن يحقق لهم إنجازات على أرض الواقع، التي يشغلها اليوم الإسرائيليون ببناء المستوطنات وترجمة حلمهم حقيقة، في حين أن أصحاب الأرض الحقيقيين حقوقهم تضيع ما بين هؤلاء القيادات والدول التي توظف قضيتهم. * كاتب مصري