لائحة التباين بين الرجل والمرأة طويلة، ومنها الفجوة الجندرية في تحديد جرعة الدواء. فيوماً بعد يوم، يدرك الأطباء والباحثون اختلاف تفاعل الذكور والإناث مع الدواء اختلافاً لا يستهان به. وشطر راجح من الأدوية يُقصر اختباره على الرجال. وفي مطلع العام الجاري، أعلنت"إدارة الغذاء والدواء الأميركية"تقليص جرعة النساء من مادة أمبيان إلى النصف، بعدما تبيّن أن أثرها المنوم في الإناث يفوق أثرها في الذكور. ومرد التباين هذا إلى دورة الهورمونات النسائية وأعضاء المرأة الأصغر حجماً قياساً إلى أعضاء الرجل ونسبة الدهون الأكبر في جسمها. وثمة اختلاف في عمل الجينات قد يؤثر في كيفية استقلاب الدواء بين الجنسين: فوتيرة استقلاب الذكور الكافيين أسرع من نظيرتها في أوساط الإناث. استقلاب النساء المضادات الحيوية ومضادات الكآبة أسرع منه لدى الرجال. وفي بعض الأحوال، يخبو أثر الدواء بحسب جنس متناوله. والنساء أقل استجابة للتخدير ومادة الإيبوبروفن. ولا يجوز إهمال هذا التباين الجنسي في تذليل معاناة ملايين النساء من الألم المزمن. ف25 في المئة من الأميركيين يعانون الألم المزمن، وشطر كبير منهم إناث. وبحسب دراسة نشرت في"جورنل أوف باين"في 2009، يفوق احتمال إصابة المرأة بالألم المزمن نظيره في صفوف الرجال. وعلى سبيل المثل، تبلغ نسبة إصابة النساء بالتصلب اللويحي التصلب المتعدد ضعفي نظيرتها في أوساط الرجال، وبداء المفاصل ثلاثة أضعاف، وبمتلازمة التعب المزمن أربعة أضعاف. وتصيب أمراض المناعة الذاتية المتزامنة مع وجع منهك، الإناث ثلاث مرات أكثر من الرجال. الألم هو نموذج لا يستخف به في إبراز التفاعل بين الجنس الاختلافات البيولوجية وتباين الكروموزم - الصبغيات والجندر الأدوار الثقافية وما يُتوقع من الشخص. وفي 2011، أصدر معهد الطب الأميركي تقريراً استنتج أن نسبة معاناة النساء من الألم أكبر، وأن شكوى الواحدة منهن الألم تُهمل ويُطعن في كونها مؤشراً إلى مشكلة. لكن الألم ذاتي ولا يسع غير المريض، سواء كان رجلاً أو امرأة، الإبلاغ عنه. والتشخيص والعلاج هما رهن تصديق رواية المريضة وعدم الطعن فيها. وخلصت دراسة"الانحياز ضد النساء في معالجة الألم"إلى أن النساء لا يتلقين علاجاً قوياً يكافح الداء مكافحة فعالة، وتُنسب آلامهن إلى حالات"انفعالية"و"نفسانية المنشأ"، أي إلى حالات"غير حقيقية"كما يحسِب المعالجون. وعوض مداواة عارض الألم وأسبابه، تتلقى النسوة أدوية أمراض عقلية قد لا تعانين منها. واستجابة النساء الأدوية المضادة للكآبة مختلفة عن استجابة الذكور، وتتباين كذلك بحسب الدورة الهورمونية. وفي 2008 أظهرت دراسة أعدتها مجلة طب الطوارئ الأكاديمي سعت إلى قياس الفوارق بين مرضى غرف الطوارئ الذين يعانون آلاماً في البطن على اختلاف جنسهم وعرقهم، ودرجة تأمينهم الطبي، أن ثمة تبايناً في إعطاء مسكنات الألم الأفيونية للجنسين. فنسبة مد النساء بهذه المسكّنات تقل 13 إلى 25 في المئة عن نسبة مد الذكور بها، على رغم أن الجنسين يشكوان عوارض واحدة. وفي الحالات التي تحقن فيها النساء بالأفيون، يتأخر الحقن 16 دقيقة أكثر من المدة الفاصلة بين شكوى الذكر وحقنه بالمسكّن. والحالات الغامضة الأسباب والتي لم تطور بعد فحوص لرصدها مثل متلازمة التعب المزمن والفيبروميالجيا، تظهر المشكلات الوثيقة الصلة بالنظرة إلى المريضة المُخبرة عن ألمها. وثمة ميل غالب إلى تشخيص إصابة الإناث بمثل هذه الحالات الغامضة التي يبلغ عدد المصابين بها في الولاياتالمتحدة 6 ملايين شخص. ونسبة تشخيص النسوة بهذين العارضين تفوق 9 مرات التشخيص المماثل لدى الرجال. طوال أعوام، شكوتُ من التهابات رئوية حادة ومشكلات في الرئة. لكن الأطباء قالوا إنها من بنات انفعالاتي. وأمضيت شطراً كبيراً من عامي المدرسي الأخير في غرفة الطوارئ متصلة بآلات وأكافح للتنفس. وكان شاغل الأطباء سؤالي لماذا لا أتجاوب مع الأدوية كما ينبغي أن أفعل، فهل أنا قلقة وأعجز عن التعامل مع الإجهاد. ولم تشخص حالتي المرضية إلا بعد سنوات، أي يوم كنت في ال23 من العمر. تبين أنني مصابة بمرض جيني رئوي عانيت منه منذ ولادتي. وحال دون تشخيص مرضي إهمال الأطباء عوارضه، ونسبتها إلى عُصاب المرأة الشابة. وعلى رغم التطورات الطبية في العقود الأخيرة، لا يزال الألم غامضاً شأن سبل إخماده. والحاجة ملحة إلى تناول الأبحاث أعراض المرض لدى الجنسين واختلافها وتباين استجابتهما للدواء، وإلى تدريب الأطباء على تشخيص أسباب ألم النساء وتذليله. وكلفة سوء تشخيص علّة وجع النساء باهظة. فبحسب تقرير صدر أخيراً، يؤدي سوء تدريب الأطباء على رصد وعلاج 6 أنواع من الألم تصيب النساء، إلى حد بعيد دون غيرهن، إلى زيادة فاتورة أميركا الصحية 80 بليون دولار سنوياً. * صاحبة"مملكة المرضى: تاريخ اجتماعي للمرض المزمن في أميركا"، عن"نيويورك تايمز"الأميركية، 16/3/2013، إعداد م.ن.