كان يمكن أن يشارك العرب بأربعة منتخبات في مونديال البرازيل 2014 لو أن مصر لعبت مباراة كوماسي غانا بالطريقة التي لعبت بها مباراة العودة في القاهرة، لكن الفراعنة يغادرون الرواق ويكتفون بالندم. ولو أن تونس لعبت مبارة العودة بالكاميرون بالطريقة التي لعبت بها في تونس لأمكنها الإطاحة بالأسود، لكن ذلك لم يحدث، فخرج من المولد بلا حمص، واكتفى النسور بالعض على الأصابع. ولو أن الأردن لعب في عمان بالطريقة التي واجه بها الأوروغواي على أرضه، لربما تمكن من تحقيق المفاجأة، واكتفى النشامى بالأسف على ما ضاع! فخرج الثلاثة من السباق لينجح محاربو الجزائر في اقتطاع التأشيرة في مباراة كسر عظام.. وهي المرة الثانية التي يجد فيها الجزائريون أنفسهم على رغم أنفهم ممثلين للعرب والمسلمين في عرس الكرة العالمية على أرض الجلد المنفوخ.. كيف فاز الجزائريون؟ الجواب بسيط جداً، هو تأمين الاستقرار للمنتخب. لأن رئيس الاتحاد محمد روراوة، هو رجل صاحب كاريزما، وليس من النوع الذي يتأثر بالضغط الإعلامي أو غليان المحيط، فهو قوي الشخصية، يملك حساً مهنياً عالياً. إذ يكفي القول بأنه لم يكلف خزينة الدولة منذ أربعة أعوام ديناراً واحداً، واعتمد على الشركات الممولة، التي جعلته قادراً على التكفل بأغلى منتخب عربي، باعتبار أن لاعبيه محترفون، ويلعبون لأندية أوروبية معروفة، ونجح في إنشاء مركز للتدريب من أعلى طراز، وأكثر من هذا قام بجلب مدرب مشهود له بالجدية والانضباط هو وحيد حليلوزيتش. فلماذا لجأ روراوة إلى هذا البوسني الذي قال يوماً إنه لو لم يكن لاعباً لكرة القدم لأصبح جنرالاً في جيش بلاده؟ حليلوزيتش، جاد وصريح، ولا يقبل الخسارة، لكن له قصة مؤلمة مع الفيلة الإيفوارية. فهو الذي أوصلها إلى نهائي كأس العالم 2010، ولكن اتحاد كوت ديفوار تعمد إذلاله وإهانته وطرده من إدارة دروغبا وزملاءه، لسبب بسيط هو أن الجزائر أطاحت بالفيلة في تصفيات كأس أفريقيا بأنغولا 2010 بنتيجة دراماتيكية 3-2.. وهو ما لم يقبله وحيد، واعتبره طعنة في الظهر، لكن روراوة اختاره بين عشرات المدربين الذين ترشحوا لتدريب المنتخب بعد رحيل سعدان وبعده بن شيخة. جاء وحيد، فلم يجد نفسه وحيداً، إذ إنه سرعان ما تحول إلى أشهر شخصية شعبية في المشهد الرياضي الجزائري، حتى وهو يخرج من الدور الأول من كأس أفريقيا في بداية هذه السنة، كاد يرمي المنشفة ويرحل، إلا أن الجماهير طالبته بالبقاء، فرضخ للإرادة الشعبية، وواصل عمله مع فيغولي ويبدة وسوداني، وزاد إصراره على الوصول بمحاربي الصحراء إلى غابات الأمازون.. وهو ما تحقق في البليدة، في أجواء باردة جداً، لكنها حارة من حيث الرغبة الجامحة في بلوغ الهدف. وتحول الثنائي روراوة وحليلوزيتش إلى طفلين يبكيان مع الآلاف الذين قاسموهما لحظة صادقة هي ترجمة لجهد ثلاثة أعوام من العمل الدؤوب الذي أثمر فرحة عارمة تجاوزت حدود الجزائر إلى الشارع العربي الذي وجد في تمثيل الجزائر له بالبرازيل خير عزاء على انتكاسات متلاحقة في السياسة.. والرياضة. ولمن يريد وصفة التفوق ما عليه إلا أن يطلبها من الحاج محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، وعضو الاتحاد العربي و"كاف"و"فيفا".. والمواطن الذي يؤمن بأن النجاح لا يكون إلا.. بالثقة والعمل والصبر. [email protected]