لستُ غريباً عن"الحياة"، قُيّض لي في يوم أن أكون أحد مُستكتبيها الدائمين، وعملتُ محرّراً في مجلّة"الوسط"الصادرة عنها، وكتبتُ مقالات عدّة في النقد التشكيلي في صفحاتها الثقافية. ولي بين محرّريها أصدقاء كُثر، كما كان لي أصدقاء كُثُر. "الحياة"ليست بعيدة عنّي، وأذكر أنني كلّما سافرتُ إلى بلد غير لبنان كان أوّل ما أسأل عنه في بلدي المغترب هو صحيفة"الحياة"، إذ أنني اشعر بأنّها تصلني بعالمي وتضعني في وسطه، وأنني هكذا لا أغترب تماماً، بل تبقى قطعة من هذه البلاد معي. فصحيفة"الحياة"، كما يعرف الجميع، صحيفة عربية، وذلك لا يعني أنها مكتوبة أو مخطوطة فقط باللغة العربية، بل يؤكّد أنّ مداها ومجالها ومساحتها هي العالم العربي كلّه. وفي وسعنا لدى قراءة"الحياة"أن نكون حقاً وسط العالم العربي وأن نجد في صفحاتها لغة عربية جامعة. فالجمع العربي هذا لا يُتاح لكلّ صحيفة، بينما هو في وضع"الحياة"جغرافيتها الطبيعية. وبالطبع فإنّ صحيفة هي ذات بُعد عربي لا بدّ أن تتسّم، و"الحياة"أصلاً تتسّم، بقدرٍ من الإعتدال، إذ لا يُمكن أن تكون الصحيفة لكلّ العرب فيما هي تنحاز لبعض العرب. واعتدال"الحياة"في هذا الظرف الصعب المتوتر صفة محمودة، فهي لا تُشارك اللحظة ولا في قسوتها. * شاعر وصحافي لبناني