مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    محترفات التنس عندنا في الرياض!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    إرشاد مكاني بلغات في المسجد الحرام    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة كعمل احترافي تبعد كثيراً عن مفهوم الشعر كفن إبداعي وغالباً ما يأتي أحدهما على حساب الآخر
الشاعرة والكاتبة بديعة كشغري:الوطن هو الأرض التي تسكننا وهو «الجغرافيا» التي نتدثر بحنينها أينما اتجهنا
نشر في الرياض يوم 15 - 11 - 2012

تكمن التجربة الشعرية عند بديعة كشغري في العمق الحضاري الذي اختزنته سواء بتنقلها بين الطائف وجدة والظهران وكندا أمكنة الولادة والدراسة والعمل بالإضافة إلى تطوافها الثقافي في أنحاء شتى. الموهبة الشعرية تعمقت من خلال القراءات والإحساس بالكلمات والأخيلة الدافقة.
استطاعت أن تخط سطورها منذ أول حروف تعلمتها. قليلات تلك الأسماء التي ظهرت بأسمائها فترة ستينيات القرن الماضي برغم أن التعليم والصحافة وضعت للمرأة فرصة التعبير والمشاركة الاجتماعية. فمن أسماء مستعارة لشاعرات وكاتبات روائيات مثل غادة الصحراء وندى الجزيرة وسميرة بنت الجزيرة وسمراء البدائع ظهرت أسماء سارة بوحيمد وثريا قابل ولطيفة السالم وفوزية الجارالله وانتصار العقيل وأخريات.
ظهرت بديعة ضمن إطار التجربة الشعرية التي انطلقت تجديداتها منذ محمد حسن عواد وحمزة شحاته بالإضافة إلى عبدالرحمن المنصور وناصر بوحيمد مروراً بتجارب أحمد الصالح وسعد الحميدين وصولاً إلى فوزية أبو خالد وأحمد الملا وهدى الدغفق.
سجلت كشغري باكراً حضورها الثقافي سواء في عملها في مجال التعليم والنشر أو إبداعها في الشعر برغم أنه اتسعت فجوة بين أول نص شعري 1972 ونشر أو ديوان"الرمل إذا أزهر"(1994) التي تواصلت بأكثر من ديوان على غير شعراء وشاعرات لم يتجاوزوا قصيدة أو ديوان شعري وحيد مثل خديجة العمري وسلوى خميس وعبد الله الصيخان وعبدالكريم العودة.
حضرت بشكل كبير تجربتها التي تعمقت مع السنوات تهجس بموضوعات الحرية والحلم والوطن. ثلاثية تتمدد على مستويات عدة. تنطلق ولا تعود إلى ذات النقطة. في الحوار ننغمر في الشعر حيث التجربة تتحدث.
- كيف طرق الشعر أجراس روحك فعرفت من هم آباؤك وأمهاتك في الشعر؟
= لعل فعل " المجازفة" كموقف شعري كانت أول طارق لأجراس الروح وهذه سمة أستطيع رصدها عبر مواقف محددة في مراحل مفصلية من رحلة الحياة.
ولعل ذاكرتي تحتفظ بِبعض خربشات نقشتها على لوحة سيراميك أتغنى فيها بأمي في يوم عيدها وأنا في العاشرة من العمر. لم تجد تلك البذرة الغضة من يرعى موهبتها باستثناء بعض تشجيع مدرسي هنا وهناك ما هيأ لي رئاسة الإذاعة المدرسية التي كنت أرصع افتتاحيتها بما أحفظه من حكم الشعر العربي. في مرحلتي الدراسة الإعدادية والثانوية قرأت الكثير من أدب العقاد والرافعي كما انشغفت بشعر الرواد المجددين من أمثال نازك الملائكة والبياتي والسياب ، ثم جاءت المرحلة الجامعية بمنهجيتها لدراسة الأدب الانجليزي والتعرف على نماذج من الشعر الانجليزي بدءا بشعراء العصور الوسطى والكلاسيكية ومرورا بكل المدارس الشعرية من عصر النهضة الى الرومانسية و الرمزية . وهكذا تجد في ذاكرتي القرائية ( باللغتين العربية والانجليزية) آباء كثرٌ يمكن توصيفهم بما علق في الوجدان من نعوت أو بصمات إبداعية لأعمالهم بدءاً بكثافة " جون دون" ودرامية "شكسبير"، و بين فتنة "لوركا" ورومانسية "كيتس ووردسورزث وشيللي" تشبعت أيضا في المقابل بما رسخ في الوعي الشعري من:"سوداوية" المعري و"فلسفة "المتنبي وحكمة الشابي و"رومانسية " علي محمود طه و"حماسية" عمر أبو ريشه. لكن، اجتاحت مدارات كوني الشعري فيما بعد ومنذ أواخر السبيعنات، جذوة التمرد الروحي ضد عمود الشعر أو جمود قوالبه، ما جعلني ألج عوالم "إليوت" وأرضه الخراب و"إزرا بوند" وانطلاقاته لتنويع المضامين والشكل، و"ملارميه الفرنسي" وتحرر شعره من رتابة القافية والإيقاع. كما قرأت بنهم لكل الحداثيين العرب أو المجددين المعاصرين آنذاك من أمثال محمد الماغوط و أنسي الحاج و ممدوح عدوان والفيتوري، تلاهم شغفي الكبير بِ "سعدي يوسف" ومحمود درويش ومحمد بنيس وسعيد عقل، كما وجدت في أعمال فدوى طوقان وسلمى خضراء الجيوسي مبتغاي في القدوة أو النموذج في الشعر النسائي –إن جاز التعبير- .ومن الشعراء الأجانب استوقفتني بإعجاب أعمال الكاريبي"ديريك ويلكوت" والتشيلي الرائع" جونثالو روخاس" والكندي الفذ "باتريك وايت": وكما ترى، الأسماء كثيرة لكن يبقى "الفعل التراكمي "لمخزون القراءة مدداً وسراً من أسرار التشكل الشعري.
- هل كان الشعر وحده طريق المعرفة للشاعرة ؟
= لا شك أن الشعر طريقٌ شائك نحو المعرفة، يقترب من وعي الفلسفة حيناً، ويبتعد عنها في ملكة التصوير التي يبدع بها الشاعر همَّهُ الجمالي والفكري .إضافةً الى الشعر، ثمة أبواب أخرى –قد تبدو قصية ًعن الشعر- لكني طرقتها مدفوعة بظمأِ المعرفة. لعل أولها كان "كتابة اليوميات" منذ الصبا المبكر (اربما توظف في المستقبل القريب في كتابة "سيرة ذاتية"). وثانيها –وأعمقها- تأثيراً معرفياً وعملياً كان "السفر المقنن" منذ الصباالباكر بهدف التعرف على حضارات الشعوب وآثارها، ومن ثم جاءت "الدراسة الانتقائية أو الطوعية " حيث قصدت عبر مراحل العمر، العديد من أسرار العلوم عبر الدراسة االتطبيقية، مستفيدةً من أبعادها العلمية وآفاقها الإنسانية مثل: علم اليوجا والآيروفيدا وعلم الأحياء وعلم التغذية وعلم الصحة النفسية ومفاهيم البيئة والطب البديل والتأمل الماورائي) كما تهيأ لي - خلال عملي المهني في شركة ارامكو السعودية بالظهران- الانفتاح على آفاق "علوم الإدارة وتطوير الكفاءات البشرية" وفق أحدث المعطيات و"فن الخطابة ومهاراتها" ثم جاء صقل "القدرات الكتابية والتحريرية" باللغتين، أثناء عملي في قسم النشر والمطبوعات بارامكو. كما كتبت المقالة الصحفية في التسعينات في بعض مطبوعاتنا المحلية كالجزيرة وعكاظ ومجلتي القافلة و استجواب .وفي كندا –خلال العقد الماضي-مارست العمل في "معهد تعلم الثقافات المتبادلة" مستفيدةً من علاقتي العضوية بالثقافتين "السعودية والكندية" مما أتاح لي الانفتاح على آفاق معرفية ذات صلة، كثقافة الحوار ومفاهيم التعددية والاختلاف والتسامح الحضاري والثقافي. ولا أدري فقد يعكس شعري شيئا أشبه بعمليات التهجين بين هذه المعارف والخبرات ومن ثم تجاوزها إلى مناطق تأملية تستولد مغامرات الدهشة!
- الصحافة من أدوات الثقافة. ما هي المسافات التي تنأى وتقترب إلى الشعر؟
= قد تخدم الصحافة الشعر مثلما كان يحدث في معظم ملاحقنا الثقافية من تحيز القائمين عليها لأسماء معينة بحكم المحسوبيات والشللية ،كما أن تكرار أسماء بعض الشعراء الذين دأبوا على كتابة أعمدة صحافية، أدى –بلا شك- إلى رسوخ أسمائهم في وعي القاريء بغض النظر عن المستوى الفني لأعمالهم.لكن الصحافة كعمل احترافي تبعد كثيراً عن مفهوم الشعر كفن إبداعي وغالباً ما يأتي أحدهما على حساب الآخر فيتضاءل رصيد الشعر أمام صخب الصحافة.
في «المغترب» يتضاعف الإحساس بالوطن فيصبح لحظةً عشقية تساكننا في وعي يقظتنا ومسام ذاكرتنا
- أين استطعت أن تأخذي مكانك بين مساحات يحتلها الذكر وفحولاته ورجولاته في الصحافة والفضاء العام ؟
= لعله سؤال يفضل توجيهه إلى القراء والمتابعين.وأحسب أني – رغم نأيي بالذات عن ضجيج الصحافة – لي قدر لا بأس به من التواجد الإعلامي –لا سيما في الإعلام الجديد- حيث يعنيني تسجيل رؤاي ومواقفي إزاء ما يدور في فضاءاتنا بأبعادها المحلية والدولية وعلى مختلف الصعد سياسيا وثقافيا واجتماعيا.وقد طرقت عدة موضوعات عبر "الفيسبوك وتويتر" كان آخرها أزمة المرأة في اعتمادها على "السائق" وضرورة إيجاد البديل في ظل تعثر مسألة قيادة المرأة لمركبتها حالياً. وأكرر هنا ما ذكرته من اقتراح حثيث (لإيجاد وسائل نقل عامة معتمدة للمرأة يمكن استخدامها بشكل فاعل ومنتظم) وبذا سنحل أكثر من مشكلة: أولها التقليل من"مافيا السائقين"، وأزمة اختناق المرور وتلوث البيئة، هذا فضلاً عن انتشال المرأة من تعرضها لانتهاكات سائقي السيارات الخصوصية أو الأجرة، وتوفير مخرج لها من "الاتكالية البشعة" على السائق في تحركاتها اليومية.إضافة الى ذلك، كانت كتابتي في "صحافة المهجر الكندية" في العقد الماضي ممثلةً في مجلتي "ذكريات" و"الفلسطيني" وتولي إدارة تحرير صحيفة "المهاجر"، ولعلني ساهمت عبر هذه الفضاءات في الاشتغال على تأصيل الهوية وتقديم أدبنا العربي والمحلي بوجه خاص للآخر بل بأسلوب تفاعلي من حيث المشاركة في الفعاليات والمحافل ذات البعد الدولي في كندا وماليزيا وغيرها من الدول الأوروبية التي دعيت اليها كشاعرة سعودية (متَرجَمة) .كما أدرجت أعمالي الشعرية في "أنثولوجيا الشعر العربي لشعراء المهجر المعاصرين" الذي أصدره عام 2005 الشاعر الأمريكي من أصل سوري د. لطفي حداد.
- بين العربية والانجليزية إما تتغذى لغة بأخرى وإما تكتشف في العمق لغة تطفو عليها الأخرى. بينهما كيف انفلت الشعر ؟ وما أخذ وترك منهما ؟
= اللغة غوايتي وهوايتي وشغفي بها أشبه بالفطري . كنت أجد في "قواعد اللغة العربية و نحوها" رياضة ذهنية ممتعة، مادعاني الى تعلم اللغة الانجليزية في أصعب الظروف وربما إجادتها والتعمق فيها شفاهيا وكتابيا حد المدى الوجداني. ولعله من الطرافة بمكان أنني كتبت بعض قصائد اولى بالانجليزية في المرحلة الجامعية وتحت إشراف أستاذة الشعر البريطانية التي لقيت دعمها آنذاك.كما أن ولعي ب "اللغة" شكل مفتاح الولوج إلى الآخر غير العربي حيث قمت بترجمة مجموعة من نصوصي إلى الانجليزية كان ثمرتها ديواني المزدوج اللغة" زهرة اللوتس العصية- " الذي لاقى صدى جيداً في كندا وأمريكا وخارجهما.كما منحني هذا الولع متعة التواصل التفاعلي ومتعة ممارسة الترجمة الفورية للخطاب الأدبي أو الفكري.لكن -بلا أدنى شك- تظل العربية /اللغة الأم ، رافداً وجدانياً لانطلاقة الشعر واستمراريته ووتراً أعمق لشجي مفازاته، وذلك باشتغالها على المستويين الشعوريّ واللاشعوريّ بين شطحات الحلم ودهاليز اليقظة.
- منذ بداية الحبر الأول عام 1972 حتى أول ديوان 1994. طريق الأنثى "كلاب تحرسه وجنود". كيف انطلقت الشاعرة في هذا الطريق؟
= الطريق لم يكن مرصوفاً لا بالإسفلت ولا بالورود .إذا انطلقنا من منهج "لوسيان جولدمان " في "أن كل سوسيولوجيا للفكر تقبل بوجود تأثير للحياة الاجتماعية على الإبداع" فأنا لا أفصل مسيرتي الشعرية" عن نشأتي في منزل كان للذكور فيه الأفضلية لدى الوالد المرحوم، إيمانا منه بإنتاجيتهم وتفوق دورهم الاقتصادي والاجتماعي مقابل محدودية دور االإناث بل كونهن "عبئا" أو "هماً " لا مخرج منه الا بضمان ابن الحلال!. هذا العامل بأبعاده السوسيوسيكولوجية جعلني أعطي الأولوية للوظيفة منذ سن مبكرة، ما حقّق لي نوعاً من "الاستقلالية الاجتماعية والمادية" التي أحببتها-ضمن االمسموح أو المرغوب مقابل الكتابيّ أو الشعريّ المحظور. أضف إلى ذلك "المرحلة التنموية" الهامة التي كنا نمر بها محليا والتي فرضت "إثبات الذات أو الكيان " عبر التنافس الدراسي والمهني وقد انخرطت في هذين المجالين على حساب الشعر والإبداع، ولعل هذا ما يفسر مصادرتي "الشخصية " لقصائدي الأولى التي أودعتها أدراج مكتبي كمشروع مؤجل! وكما تعلم فإن نص "تأبين أحلام بنفسجية" المكتوب عام 1972، والوارد في ديوان "الرمل إذا أزهر"(1994)، كان تمردياً في روحه وتيمته وشكله، إذ سجلت فيه موقفي ضد "الخاطبة"، وضد مفاهيم مجتمعية كانت راسخة كالزواج المرتب بشكل تقليديّ. والأهم من ذلك امتزاج الذاتيِّ فيه بالموضوعيِّ حيث كان "حدسي وحساسيتي الشعرية" ينبئاني مسبقا أنه لن يكون مجازاً لا على المستوى الأسريِّ، ولا على مستوى النشر المحلي .وفي الديوان الأول ثمة نصوص تتسم بالجرأة في مضامينها كنص "ويل لكم" الذي يسجل موقفا ضد عنف الأستاذ وعصاه رغم بساطة النص لغويا وفنياً، إلا انه يرصد (ظاهرة اجتماعية) في زمن كتابته 1976. "والأستاذ يداهمنا /يدق على المقاعد كالقصاب/ ويزعق من جديد: ويل لكم وعذاب/ فنقرأ بعده ونعيد :"فاتقوا الله يا أولي الألباب"!.
ولعل قصيدة "لو أنني" تلقي الضوء على شيء من تلك المعاناة في طريق الأنثى وحراسه وبها تنويعات على مأزق جلد الذات بين نبرة الجرأة وخفر التأجيل والتردد :"لو أنني في ذاك المكعب كالريح العاتية/ما أفرغت عمري/ لوأنني ما رششت وجهي بالرصاص قهرا/ولا انزلقت في ظلال الأشياء/ ما حولت شعري نثرا.." هكذا كانت الذات الشعرية تخوض معاركها بكثير من نزف الحرف وتمرد الروح ضد بطرياركية المجتمع وهيمنته الذكورية.وعبر مراحل العمر وما بين إصدار وآخر، لعلك تلحظ مستويات النضج الاجتماعي والفني وانحسار هذه "الحساسية المجتمعية" حيث أن أحرفي راهناً تفصح عن رؤاها بثبات الموقف فتصيغ ما لم تكن تجرؤ على صياغته في المفاصل الأولية من كتاباتي.
- الأنثى تتسيّس في شعرك بدون التزام ولا سقوط في فوضى. كيف تسيطرين على تلك الحدود؟
= لعل الأنثى في نصوصي ومنذ البدايات هي "حواء الهوية" حواء التي تعي دورها الاجتماعي وتعي انتماءها الأول لإنسانيتها لكن دون انتقاصٍ من"كينونتها الأنثوية" بل إنها تحتفي بتفاصيل خصوصيتها وتصل بها الى أبعاد قد لا يملك الرجل القدرة نفسها على تنصيصها أو تقمصها. ولعل بعض عناوين نصوصي تشي بذلك مثل "ياهذا المجنون بغيرته" و "ولي في آدم الأولين سرٌ" :"وحدي عبرت/تعاويذ كل الحكايا/ فمولودةً كنت ام كنت موءودةً/فتسأل أو ليس تسأل/"بأي ذنبٍ قتلت"/ ومابرحت تقَّتل كل يومٍ/تفعل في لغة ضُرجِت بالمحال "وثمة عنوان يؤكد الهوية: "وجهي صيحة ميلادي" وآخر "في حفريات حناجرهن" تستطيع أن تلمس فيه الإيحاءات الدلالية ل"الحنجرة" التي هي رمز الصوت والصدق في بعديهما الحقوقي والأنساني:"سنابل الوطن البارقة/ لا تكف عن الارتجاف/ في حفريات حناجرهن/ ...لكنها رئة الوجود في أضلعهن/ تلقي بأحمالها../هناك حيث شساعة الآتي" ولعل مفردة "حفريات" توحي بذاك العمق الضارب في الجذور الذي تنطلق منه الأنثى بعزيمة وثبات لا تثنيهما العراقيل عن استمرارية التنقيب والاستكشاف.
هكذا فإن "ثنائية المرأة والرجل" ثيمة لازمتني بل هي مشقة أنهكتني فكان لا بد من اجتراح ابعادها بصوت يأتي من تفاصيل الكينونة الإنسانية اولا وهو صوت لا يقبل الانكسار لكنه لا يخلو من أوجاع المكان وتشوفات الحلم المتطلع إلى مستقبلٍ يحبل بأجنة أزمنةٍ أخرى تعد بغد أكثر إشراقاً.
-الترحال بين الأمكنة يمنحنا شعور الاغتراب والحنين والفقد. أ ترى كانت هذه الخميرة التي أنضجت شعرك؟
= أعتقد ان ذلك صحيح إلى حد كبير، ففي "المغترب" يتضاعف الإحساس بالوطن فيصبح لحظةً عشقية تساكننا في وعي يقظتنا ومسام ذاكرتنا، هكذا جاءت عنونتي لديوانٍ ضم بين دفتيه تفاصيل عشقي لوطني الأم بكل ما تعنيه أبعاد الهوية و الانتماء والحنين :" فأنت الروح إذ شهقت/ وانت العوسج الضوئيّ/ في منفاي في لغتي/ وأنت البوح/ أنت الجرح/ما اهتزت لغصته/ سوى أغصان ساقيت وأحلامي". كما اشتمل الديوان أيضا على شهادة رؤيوية لحقبة كانت حبلى بجراح (الوطن العربي الكبير) ونزفه بدءا بغزو العراق، ومروراً بحرب الجنوب إلى حرب غزة، وما سبق ذلك من أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها الكبرى علينا.
وفي الترحال تتلاقح الرؤى لدى الشاعر عبر مسارب الحنين وأسئلة الوجود وقد تناولت مثل هذه القضايا في شعري متمثلة في تيمة الغربة ومساءلات الزمن والموت والحياة وفضاءات الحرية للإنسان وللمرأة بشكل خاص . وفي ديواني الرابع "على شاطىء من دمانا"(2003) كما في السادس "لست وحيداً يا وطني"(2009) كنت قد طويت بعض الخصائص جانبا لأقف مع الوطن العربي على الجبهة وذلك ما فرضته الأحداث التي اجتاحت "جغرافيتنا العربية" فأضحت تئن تحت وطأة الحروب ومكابدات العولمة بين اصطلاء الدمار وخراب الأرض. هكذا نصبت خيمتي على مساحات شرقنا العربي "ومشيت مثل الأصفياء/ألثم أرجاء وطنٍ تعمده الحراب/ في غزة /في الجنوب/ في بغداد/ هانذا من نطفة أرضي أتخلق/ لن تتساوى النطفة يوما بالماء."
- منذ "الرمل إذا أزهر"(1994) حتى "مناسك أنثى"(2012). كيف ترين الذي تحقق منك في الشعر؟
= القصيدة وفق الناقد والشاعر جبرا إبراهيم جبرا "كيان هندسي يجب أن نمعن انظر فيه من التخطيط الأول إلى التجسيد النهائي" وما بين "الرمل إذا أزهر" و"مناسك أنثى" لعلني أستطعت ان أمعن النظر قليلاً في كيان القصيدة وبنائها الفني. اما من حيث المضمون، فلقد كانت نصوصي الأولى تحلم بتعشق المستقبل من أجل انبثاق إنسان جديد وغد أكثر إشراقاً. أما "مناسك أنثى" فهي سفر إلى الذات وتأمل في تجليات العشق والوجد، وعلى الرغم من تفاوت المدى الزمني الذي كتبت فيه نصوص الديوان إلا أن نفساً واحداً يجمعها وذلك من حيث المضامين المنبثقة عن رؤىً " ذات خصوصية أنثوية" تحاول عبر إبحارها الشخصانيّ المعمق رصد أدق التفاصيل في مداراتها، متكئة في ذلك على لغةٍ إيمائية تتأثر بالصوفية بل تقترب من "الأذكار" في دعوتها إلى"روحنة "الجسد –إن جاز التعبير- واكتناه أسراره. إنها نصوص تمتح من أبعاد روحانية تشي بدعوة "الشريك" إلى التماهي المطلق من أجل الانفتاح على اللامحدود والتسامق الصاعد إلى معراج الرؤى وأسرار الغيوب. :"هالَيْلُ مسافتنا يتقدم/ حلوا يتوشح بالأسرار الكونية/كي يكتبنا سطراً/ في فاتحة الأبدية..".
هكذا أشعر أن الزمن يستعاد ما بين ديوان وآخر.. وما بين قصيدة وأخرى رحلة من التجدد وفرح الدهشة الذي لا أود له أن ينتهي .
- الوطن حالة متعددة لديك من موطن الميلاد، وموطن الهوية، وموطن الغربة. بين التجربة وشعورها أين الخسارات والمكاسب هنا للشعر ؟
= الوطن هو الأرض التي تسكننا وهو "الجغرافيا" التي نتدثر بحنينها أينما اتجهنا وهو مرتع الطفولة واللغة الأولى : هذا هو موطن الميلاد والهوية بين الطائف وجدة والظهران. وقد احتفيت به بما تحمله رمزية المكان من معان معمقة وبما تؤصله الهوية في النفس بكل حمولاتها انتماء واغتراباً داخلياً حيناً. وفي الغربة تشعر أنك في "جغرافيا" غير جغرافيتك و"لغة" غير لغتك التي ألفتها على مستوى القراءة والتخاطب، فيغترب فيك الجسد وتنتاب القلب وحشة وقلق –رغم ما يحيط بهما من عطايا الطقس وأيجابيات المناخ ..إنها لتجربة فريدة جعلتني أستغرق في تأملات النص بين طقس "المغترب" وطقس المسافات القصية التي زرعتني فيما وراء البحار (كندا) وناءت بيني وبين حميمية موطن الهوية و ألفة الأهل والأصدقاء . ولعلني أعد ذلك من المكاسب التي أثرت تجربتي ووسمتها بخصوصية ارتكز عليها متن النص الإبداعي وقد تجسد هذا في ديواني اللذين أنجزا في المغترب : "على شاطىء من دمانا" و"لست وحيدا يا وطني" وقصيدة "أقيم ولا أقيم" هي مثال جيد هنا:" هنا مجاهيل تراقصني/ شساعة الأطلنطي تخبرني /انك قد نأيت/ وان إقامتي في صقيع الثلج/ شيء من القدر الحميم.." أما الخسارات فلعلها تتمثل في "فقدان استمرارية التواصل "مع الوطن ومستجدات حراكاته هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد شعرت أن غيابي في المغترب لما يقارب العقد من الزمن أوجد ما يشبه الجفوة أوالتغييب أو التنكر الذي نال كياني من قبل موطن الميلاد متمثلا في تعاملات الآخر إثر عودتي ، وهذا أمر محزن..
-إلى أين تصل بك التجربة الشعرية ؟
= إلى آفاق من التواصل الجمالي والفلسفي بيني وبين عناصر الوجود..وربما بيني وبين القارىء، فالتجربة الشعرية تحيل زماني إلى "ارتعاشة ضوء/ليطفيء عتمة هذي الكواكب/تهدي إليك كنوز الأزل."
التجربة الشعرية رهان على الوجود تجعلني:"أهيء موقد روحي/ كسرب فراشٍ/ يجيد العبور" .أبعد من ذلك، التجربة الشعرية تجعلني أعيد اكتشاف ذاتي حيث يطلق "الجسد السابع /نيرفانا روحه/ بتشوفات البوح مأهولةً/ تأمرك ان اصعد إلى منازلها.." هناك حيث: "انا وانت/ نقيم في الصفصاف/ في الأزرق الشفّاف/ سنمنح الضحكات شهقتها/والرغبات عفتها/ ونؤالف الغادين /والآتين/من شغف القطاف.."
باختصار: التجربة الشعرية هي سموق الروح إلى جنة المسرى، هناك حيث الحقيقة أشبه ب"أذكارٍ" تستريح في الخلوة مع المطلق.
بديعة داود كشغري
1967-1976 الدراسة والعمل في التربية والتعليم
1977 البكالوريوس في آداب اللغة الإنجليزية مع مرتبة الشرف من جامعة الملك عبدالعزيز
1978-1989 العمل في شركة أرامكو بتدريس اللغة الانجليزية وكتابة المناهج الأكاديمية وتحليل وتطويرالبرامج للموظفين وإعداد الامتحانات.
1989-1999 محررة في قسم النشر والمطبوعات : قافلة الزيت والقافلة والحصاد ومطبوعة اللغة الانجليزية The Arabian Sun.
1997-1998 الكتابة الصحفية في صحيفتي عكاظ والجزيرة ومجلة استجواب.
1999-2003 حررت عموداً ثقافياً في المجلات المهجرية في كندا كالمهاجر وذكريات والفلسطيني.
الأعمال الشعرية:
-»الرمل إذا أزهر»- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت (1994).
-»مسرى الروح والزمن»- دار الكنوز الأدبية- بيروت (1997).
- «شيء من طقوسي»- دار الكنوز الأدبية- بيروت (2001).
-»على شاطئ من دمانا»- الأولى للنشر القاهرة - (2003).
- زهرة اللوتس: مختارات شعرية، ترجمة الشاعرة إلى الإنجليزية، دار الساقي، لندن (2001).
- « إيقاعات امرأة شرقية» (بالألمانية)، ترجمة د. عدنان الطعمة (1998).
-لست وحيداً يا وطني، دار الخيال، 2009.
-مناسك أنثى، دار الخيال، 2012.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.