يعاني العالم العربي ندرة في المياه، وهي من أكبر التحديات التي تواجهها التنمية فيه. تقع الدول العربية في المناطق الأشد جفافاً. وأشارت إحصاءات صدرت في مناسبة"اليوم العالمي للمياه"إلى أن إجمالي الموارد المائية المتجددة المتاحة في المنطقة العربية يصل إلى 263 بليون متر مكعب في السنة، منها 226 بليون متر مكعب سطحية، تأتي 66 في المئة منها من أنهار تنبع من خارج الحدود السياسية لهذه المنطقة، إضافة إلى 36 بليون متر مكعب من المياه الجوفية. الزراعة تخنق الماء وأورد تقرير بعنوان"توقعات البيئة للمنطقة العربية"أرقاماً تظهر شحّ المياه في المنطقة العربية، إذ صنّف دولاً كثيرة ضمن الدول ال15 الأكثر إفتقاراً إلى المياه. ويعتبر متوسط نصيب الفرد في الدول العربية من الموارد المائية الداخلية المتجددة، من أدنى المتوسّطات عالمياً. وحاضراً، يفتقر قرابة 83 مليون نسمة إلى مياه شرب آمنة ونقية. ويحتاج قرابة 96 مليون نسمة إلى خدمات ملائمة في الصرف الصحي. ويعيش معظم العرب في بلدان منخفضة الدخل أو تقع تحت وطأة الاحتلال أو تمزقها حروب وصراعات متنوّعة. وألقى التقرير ضوءاً كاشفاً على التناقس السريع في حصة المواطن العربي من المياه، مُبيّناً أنها إنحدرت من قرابة 3500 متر مكعب سنوياً في عام 1960 إلى أقل من ألف متر مكعب حاضراً، وهو رقم يتساوى مع"خط الفقر"مائياً. وتستهلك الزراعة الكمية الأكبر من مياه العرب، على رغم أن المنطقة العربية تستورد ما يزيد على 50 في المئة من حاجاتها غذائياً. وتعاني المياه الجوفية من الإستنزاف والتلوث، ما أدى إلى انخفاض مستمر في المياه الجوفية، حتى في الدول العربية الغنية بالمياه السطحية. ولاحظ التقرير أن استمرار التسارع في النمو السكاني والتوسّع في مشاريع التنمية وتدني كميات الأمطار المتساقطة والآثار السلبية المستقبلية المتوقعة للتغيرات المناخية، تقرّب من إمكان أن تنخفض حصة الفرد من المياه بنسبة تلامس 50 في المئة، فتصل حصة الفرد عربياً إلى 500 متر مكعب في السنة بحلول عام 2025. وأوصى التقرير بالتوجه بشكل أكبر إلى المياه المُحلاّة والمياه المُعالجَة، اللتين ما زال الإلمام بتقنياتهما ضعيفاً في المنطقة العربية. وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر إنتاجاً لمياه البحر المُحلاّة ونظيرتها من المياه الجوفية المائلة للملوحة. إذ تُنتج منهما قرابة 79 في المئة مما يستخدم عربياً. وتُعالج هذه الدول قرابة عشرة بلايين متر مكعّب من مياه الصرف الصحي سنوياً. البحث العلمي وأوصى التقرير بضرورة أن يتجه البحث العلمي في العالم العربي إلى قضايا المياه، بل أن يعطيها أولوية قصوى. ودعا الى وضع سياسات اقتصادية وإجتماعية متوازنة في إستخدام المياه، وتوظيف طرق الإدارة المتكاملة والرشيدة لتحقيق التنمية المستدامة، والتحوّل إلى تقنيات ترشّد إستهلاك المياه في الريّ مثل الريّ بالرش والتنقيط. وأشار إلى أن الري السطحي بالغمر ما زال مستخدماً في أكثر من 80 في المئة من الأراضي المروية، كما يستعمل الري بالرش في 22 في المئة منها. وتوظّف تقنيات الري بالتنقيط 3 في المئة من الأراضي المروية. وتقدّر نسبة الفاقد من المياه في القطاع الزراعي بقرابة 50 في المئة. وشدّد التقرير على الحاجة إلى تطوير الريّ ونُظُم الزراعة، وربط الأمن المائي بالأمن الغذائي، ونشر مفاهيم ترشيد الاستهلاك بين فئات المجتمع وقطاعاته كافة. ولم يغفل التقرير أحد أهم تحديات إدارة الموارد المائية، المتمثّل بالاحتلال والحروب. وحذّر التقرير من إمكان تعرّض المنطقة العربية لعجز مائي. وتوقّع أن تزيد الحاجة للمياه إلى ما يراوح بين 500 و 550 ألف متر مكعب بحلول عام 2025، ما يعني أن استمرار السياسات والممارسات الحاضرة، يفرض تأمين ما يراوح بين 242 و292 بليون متر مكعب إضافي من المياه. الأرجح أن هذه الأرقام والحقائق تشير أيضاً إلى غياب ثقافة ملائمة عربياً عن المياه وأهميتها وطُرُق التعامل معها وسُبُل الإقتصاد في إستهلاكها ومكافحة الإسراف في إستخداماتها وغيرها. هل يعني هذا أن مشكلة المياه في الدول العربية هي إشكالية ثقافية أولاً؟ ربما.