ارتفع الناتج المحلي الاجمالي للدول العربية من 531.3 بليون دولار في عام 195 الى 576.1 بليون دولار في عام 1996 بمعدل نمو قدره 8.4 في المئة مقارنة مع 6.4 في المئة عام 1995. ويؤكد التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1997 الذي سيصدر رسمياً في غضون ايام وحصلت "الحياة" على نسخة مسبقة منه ان هذا التحسن في الأداء الاقتصادي العربي مقارنة بأداء السنين الثلاث الماضية يعكس الزيادة الملحوظة في اسعار النفط العالمية خلال عام 1996 والنتائج الايجابية لجهود التصحيح الاقتصادي والاصلاح الهيكلي المستمرة في معظم الدول العربية لتصحيح هياكل اقتصاداتها وتحريرها وازالة التشوهات في الاسعار واعادة تأهيل المؤسسات العامة وتحويل ملكيتها الى القطاع الخاص، وتعزيز مشاركة هذا القطاع في حركة النشاط الاقتصادي. ونستكمل اليوم الجزء الثاني من التقرير: موازين المدفوعات والدين الخارجي ونظم الصرف في مجال موازين المدفوعات، شهد ميزان الحساب الجاري لمجموع الدول العربية تحسناً ملموساً في 1995 مقارنة بالعام السابق، اذ تقلص العجز فيه بحوالى 66 في المئة ليبلغ 4.9 مليون دولار مقابل 14.5 مليون دولار عام 1994. فيما ارتفعت المديونية الخارجية الى 157.7 بليون دولار بنهاية 1995. ويعزى هذا التحسن في شكل رئيسي الى الارتفاع الملحوظ في فائض الميزان التجاري والتقلص في عجز ميزان الخدمات وفي مستوى العجز ببند صافي التحولات مقارنة بما كان عليه في عام 1994. وبلغت نسبة العجز في ميزان الحساب الجاري للدول العربية نحو 1.1 في المئة مقابل 3.5 في المئة في عام 1994 ونحو 5 في المئة كمتوسط سنوي للفترة 1991 - 1996. ويقدر ان تنخفض هذه النسبة الى نحو أقل من واحد في المئة في عام 1996 وذلك في ضوء توقع استمرار التحسن في الموازين الجارية للدول العربية. وتمت تغطية عجز الحساب الجاري خلال عام 1995 من التدفقات الرأسمالية ومن مصادر التمويل الاستثنائي لدعم موازين المدفوعات ويتوقع ان يتحول العجز الكلي في موازين مدفوعات الدول العربية الذي بلغ 2.1 بليون دولار عام 1995 الى فائض يقدر بنحو 5.7 بليون دولار عام 1996. وفي ضوء هذه التطورات واصلت الاحتياطات الرسمية الخارجية للدول العربية ارتفاعها المستمر منذ بداية التسعينات. لتبلغ في نهاية عام 1995 نحو 62 بليون دولار، أي بمعدل نمو يزيد على 13 في المئة. وتشير البيانات المتاحة عن وضع الاحتياطات الرسمية الخارجية في عام 1996، الى ارتفاعها في عدد كبير من الدول العربية. وتحققت أكبر الزيادات في الجزائر ومصر ولبنان وسورية والامارات واليمن وتونس والأردن وعُمان. وعلى صعيد المديونية الخارجية، بلغ اجمالي الدين القائم على الدول العربية المقترضة 157.7 بليون دولار في نهاية عام 1995 مقارنة بنحو 151.1 بليون دولار في نهاية عام 1994. وسجل اجمالي المديونية زيادة ملحوظة خلال عامي 1994 و1995 بلغت نحو 10 بليون دولار و7 بليون دولار على التوالي، مقارنة مع نمط التغير في المديونية خلال السنين الأربع السابقة اذ سجل انخفاضاً مستمراً في حجمها. ويلاحظ ان ما يقرب من نصف الزيادة في المديونية خلال عامي 1994 و1995 نتج عن اعادة تقويم القروض المسجلة بعملات غير الدولار الأميركي الذي شهد سعر صرفه انخفاضاً ملحوظاً خلال العامين المذكورين. وسجلت خدمة الدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة انخفاضاً ملحوظاً خلال عامي 1994 و1995، اذ بلغت 12.8 بليون دولار و12.5 بليون دولار على التوالي مقارنة بنحو 18.5 بليون دولار في عام 1993. ويرجع هذا الانخفاض في شكل رئيسي الى هبوط خدمة ديون الجزائر. وفي مجال نظم الصرف، انضمت كل من موريتانيا واليمن خلال عامي 1995 و1996 الى قائمة الدول العربية التي ادخلت اصلاحات كبيرة على نظم صرف عملاتها الوطنية. اذ قامت موريتانيا بتعويم الأوقية في نهاية عام 1995 ليتم تحديد سعر صرفها وفقاً لعوامل العرض والطلب. كما قامت السلطات في اليمن بتعويم الريال اليمني ليحدد سعر صرفه وفق عوامل السوق، وذلك بعد قيامه بتوحيد سعر الصرف الرسمي مع سعر الصرف مع السوق الموازي. وفيما يتعلق بتطورات أسعار الصرف العربية، سجلت ست عملات عربية انخفاضاً طفيفاً في قيمتها مقابل الدولار الأميركي عام 1996، في حين انخفضت عملات ثلاث دولا عربية بنسب متفاوتة مقابل الدولار بلغت 14 في المئة بالنسبة للدينار الجزائري، و30 في المئة بالنسبة للريال اليمني، و104 في المئة بالنسبة للدينار السوداني. وجاء ذلك في اطار التغييرات التي طرأت على نظم الصرف في هذه الدول والرامية الى تعزيز القدرة التنافسية لاقتصاداتها. واستمر عدد من الدول العربية خلال عام 1996 في ادخال تعديلات للتقليل من القيود على الصرف لأغراض معاملات الحساب الجاري. وتحرير حركة رأس المال. وذلك في اطار برامج وسياسات التصحيح الاقتصادي التي تنتهجها، وكذلك لتحسين المناخ الاستثماري، واستقطاب الاستثمارات الخارجية. أوضاع المياه في الوطن العربي يتناول محور التقرير أوضاع المياه في الوطن العربي، فالوطن العربي يعاني، بحكم موقع اغلبية دوله في نطاق مناطق جافة وشبه جافة، من ضغوط شديدة على موارده المائية المتاحة. فهو يمثل نحو 10 في المئة من مساحة العالم و5 في المئة من مجموع سكانه، ولكنه لا يحظى الا بنحو 0.5 في المئة من موارد العالم المائية العذبة المتجددة 265 بليون م3/ السنة. مما يجعل وضع الوطن العربي الأسوأ في العالم في ما يتعلق بمعدل نصيب الفرد من المياه المتجددة والذي بلغ نحو 1027م3/ السنة في عام 1996، ويتوقع ان يتناقص الى 464م3/ السنة في عام 2025، أي أقل من 500م3/ السنة والذي يعتبر حسب التصنيفات العالمية سقف الفقر المائي الخطير. ومما يزيد الأمر تعقيداً ان نصف الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي ينبع من دول خارج المنطقة العربية ما يجعل هذه الموارد عرضة للتناقص والتدهور خصوصاً في غياب التشريعات الدولية التي تضمن حقوق الدول العربية، كما ان قسماً كبيراً من المياه مهدد بالتلوث من مياه مجاري التجمعات السكانية ومخلفات الصناعة والمبيدات وفضلات السماد التي تصب في الأنهار والأودية. ولمواجهة شح المياه لجأت بعض الدول العربية وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي الى تحلية مياه البحر حتى أصبحت تأخذ زمام السبق في هذا المجال وتتوسع في طاقة انتاج المياه المحلاة التي تبلغ 11 مليون متر مكعب في اليوم أي 60 في المئة من طاقة الانتاج العالمية. ويستخدم الوطن العربي حالياً ما يقارب 169 بليون متر مكعب في السنة، أي 68 في المئة من موارده المتاحة ويستحوذ الري على أكبر نسبة استخدام بواقع 88 في المئة يليه استخدام مياه الشرب بنسبة 7 في المئة ثم الصناعة بنسبة 5 في المئة. ويتسم استخدام المياه في الري بتبني الكفاءة التي لا تتجاوز 50 في المئة. ويرجع ذلك في الأساس الى ان أسلوب الري السائد في معظم الدول العربية هو الري السطحي التقليدي الذي يشغل 90 في المئة من الأراضي المروية. كما ان استخدام مياه الشرب تغلب عليه ظاهرة التبذير الى جانب الفاقد المرتفع في شبكات التوزيع والذي تراوح نسبته بين 40 و50 في المئة في الوقت الذي يفتقد ما يقارب 72 مليون نسمة، أي ما يعادل نحو 30 في المئة من سكان الوطن العربي، المياه اللازمة للشرب. كما ان الكميات المستغلة حالياً لا تغطي الا جزءاً من الطلب الحالي، اذ ان المياه المستخدمة في الزراعة تسمح بتوفير نسبة 55 في المئة فقط من حاجة الوطن العربي من الغذاء. ومن الواضح انه حتى في حال تنمية هذه الموارد الى أقصى ما هو متاح، فإن الموارد المائية المتاحة لا تسمح بمواكبة الطلب المتنامي عليها في المدى البعيد عام 2025 وان ذلك سيؤدي الى ظهور أزمة ستتفاقم في القرن المقبل ما سينعكس سلباً على حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن العربي. ويهدد امنه الغذائي والقومي. وتبين الموازنات التي اجريت انه في حال مواصلة السياسة نفسها مع تنمية الموارد الحالية الى أقصى ما هو متاح، سيبلغ العجز المائي 227 بليون متر مكعب عام 2025 وان نسبة تأمين الغذاء ستنخفض الى 50 في المئة. اما اذا تم رفع كفاءة استخدام المياه، لا سيما في الزراعة، الى 70 في المئة سينخفض العجز في الفترة نفسها الى حدود 82 بليون متر مكعب وترتفع نسبة تأمين الغذاء الى أكثر من 80 في المئة. ان التصدي لأزمة المياه في الوطن العربي يتطلب من الدول العربية اتخاذ خطوات فاعلة ومؤثرة على مختلف الأصعدة المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية لوضع سياسات وبرامج للموارد المائية تستهدف ترشيد استخداماتها وخفض الفاقد منها، والحد من تبديدها وتلوثها، وتوفير موارد مائية اضافية لضمان استمرارها لصالح الأجيال المقبلة. وعليه فلا بد ان يحتل موضوع المياه مكان الصدارة في سلم أولويات البرامج الانمائية العربية لمواجهة تحديات القرن المقبل وتحقيق الأمن المائي. وفي هذا الاطار، فإن مواجهة ازمة المياه في الوطن العربي ينبغي ان تعتمد على العمل في محورين، يتمثل المحور الأول في العمل على ترشيد الطلب على المياه. ويمكن ان يتحقق ذلك من خلال زيادة كفاءة استخدام المياه باستخدام التقنيات الحديثة في الري، كالرش والتنقيط والري السطحي المحسن، وباستعمال مياه الري بصفة مقننة بالاستناد الى خصائص المياه والتربة وتركيبة المحاصيل والدورة الزراعية حتى يتم تحقيق أعلى كفاءة اقتصادية من وحدة المياه المستخدمة. ويتحقق كذلك بسن الأنظمة التي تحد من اهدار المياه والاقتصاد في استخدامها. ويتمثل المحور الثاني في مواجهة الأزمة، في العمل على تنمية الموارد المائية من خلال التوسع في اقامة السدود لاستخدام المياه السطحية في الزراعة، وتطوير استعمال مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة، وتنمية صناعة المياه المحلاة والاستفادة من التجربة الفريدة لدول الخليج في هذا المجال مع العناية بالبحث العلمي لتوطين هذه التقنية التي تتحكم فيها الدول الصناعية. كما يجب اعطاء الأهمية القصوى لحماية الموارد المائية وتعزيز ادارتها بالتخطيط المحكم، واعداد الكفاءات البشرية المؤهلة لتولي انشاء وتشغيل وصيانة مشروعات المياه في الوطن العربي، واستحداث وتطوير الأنظمة والتشريعات اللازمة لتطوير هذه الموارد والمحافظة عليها.