يسعى القيمون على الثقافة في أبوظبي إلى تشييد مدينة ثقافية قادرة على إقامة حوار بين تيارات فنية مختلفة، ومحاولة استقطاب أبرز غاليريهات العالم، من دون إهمال جيل الشباب والفنانين المحليين. ومن اجل ذلك ينظم القيمون احتفالات دورية ومعارض فردية وورش عمل عن فن العمارة والتشكيل والتصوير الفوتوغرافي، ويدعمون مادياً مشاريع شابة تحتاج إلى فرصة للانطلاق. ومن أبرز هذه الأنشطة،"فن أبوظبي"في دورته الرابعة تختتم مساء غد التي تستضيفها جزيرة السعديات، بمشاركة 50 صالة فنية تمثل نحو 400 فنان، شارك بعضهم في أنشطة البرنامج العام، ومنهم أنيش كابور وعباس أخافان وكاميلي هينروت وكميل زخريا. وتهدف اداراة المهرجان الى استقطاب نحو 1.5 مليون زائر عام 2018، علماً أن 17 الفاً زاروا المعرض السنة الماضية. وتتميز الاحتفالية بأحداثها التفاعلية مع الجمهور، خصوصاً تلك التي يحييها فنانون محليون في مجال الخط العربي والتصوير الفوتوغرافي، ما ساعد على إقامة حوار بين هذين الفنين وإظهار مدى ترابطهما وجماليتهما معاً. واستقطبت دورة هذه السنة أعداداً متزايدة من مقتني الأعمال الفنية وممثلي المتاحف، ما يشير إلى المكانة المهمة التي باتت تحتلها أبوظبي كوجهة ثقافية. وتضمن البرنامج قسماً موسعاً للتصميم حيث قدمت باقة من البرامج الجديدة والتصاميم العصرية والتقنيات الحرفية احتفاءً بالمهارات التقليدية والتفكير الملهم، ومنها أعمال مستوحاة من فن"الخوص"سَعَف النخيل والتطريز، صُممت بمشاركة عدد من الحرفيات الإماراتيات. كما نظمت حوارات مع عدد من أهم الفنانين والمعماريين والمصممين وأصحاب صالات العرض في العالم. وجذبت جلسة النقاش، التي جمعت ثلاثة من رواد العمارة العالمية الحاصلين على جائزة"بريتزكر"المعمارية وهم جان نوفيل وفرانك جيري و نورمان فوستر تحت عنوان"عمالقة الفن المعماري"، جمهوراً كثيفاً غصت به القاعة، ما دفع المنظمين الى وضع شاشة كبيرة خارجها، في مشهد يشبه ما يحصل لدى نقل مباريات كرة القدم المصيرية. وقدم الثلاثة تصاميم معمارية فريدة لمتاحف زايد الوطني واللوفر وغوغنهايم في أبوظبي. وتناولت حلقة النقاش موضوع"نشأة الآفاق"، ومحاور أخرى، بما في ذلك العمليات الإبداعية في مجال العمارة ودورها في المجتمع، والعمارة باعتبارها عامل بناء للفضاء الاجتماعي، ومسؤولية المعماريين في مجال الأبنية المستدامة وإرث الأجيال القادمة. وتطرق الحوار أيضاً إلى تحديد المصادر التي تلهم المعماريين، وكيف يقاربون عملية التصميم. تقاسيم إضافة إلى الغاليريهات التي يستضيفها المهرجان، يقدم"فن أبوظبي"أقساماً متنوعة، ومنها"بداية"، وهو من أكثر الأقسام أهمية، إذ يوفر لصالات العرض الفنية التي لم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، فرصة لعرض أعمال الفنانين الذين تمثلهم، إضافة إلى تقديم برامجها الفنية على الساحة الدولية. في دورة هذه السنة، قدمت"سي دي إيه بروجيكتس"من إسطنبول، للجمهور بعضاً من مساهمات الفنانين الأتراك أمثال بركاك بينغول وزينب كيان وعادل عابدين. ويوفر قسم"إمضاء"فرصة للصالات لتعريف الجمهور على بعض أعمال الفنانين الناشئين على شكل معرض فردي، ومنها غاليري جانين ربيز، الذي يعرض"لا تطعم الفنان"، وهو عرض أداء وتجهيز فني يقدمه الفنان اللبناني مازن كرباج، الذي راح يرسم خلال وجوده في مكعب شفاف بحيث تمكن الجمهور من مراقبته، ليشكل بذلك معرضاً داخل المعرض، علماً أن الفنان استلهم مواضيع رسومه من المشاهدين. وفي الأمسية الأخيرة من المهرجان يختفي الفنان كلياً وراء أعماله. ويشكل"آفاق"فرصة لصالات العرض الفنية لتقديم أعمال نحتية أو تركيبية تتجاوز أحجامها مساحات أكشاك المعرض. وقدّم في الدورة الحالية عدد من هذه الأعمال الضخمة، منها"كراسي في أبوظبي"للفنان الياباني تاداشي كاوماتا، وهو عبارة عن مجسم لمئات الكراسي المكدسة على طبقات تشكل صرحاً يرتفع ستة أمتار، جذب الزائرين الذين توقفوا عنده للتفكير مجدداً في هيكلية المكان. ويشتهر كاواماتا بأعماله الإبداعية الخشبية، مثل جسور المشاة، المغطاة والمكشوفة، والأبراج والأكواخ العملاقة وغيرها، وهو شغوف بإيجاد جسر بين ما هو ماضٍ وما هو الآن، وبين الأبعاد الداخلية والخارجية. ويهدف برنامج"تصميم"إلى التعرف على الجماليات الفطرية لدولة الإمارات العربية من خلال دراسة جوهر الإبداع الإماراتي واستكشافه وتجريبه ودعمه، وهي جماليات تصميم قائمة على الحالات العابرة، وحرية التنقل، وقابلية الحركة، والتغيير المستمر. ويحافظ هذا القسم على المعرفة الحِرفية والتصميم الإماراتي الأصيل ويعززهما من خلال إشراك فنانين ومصممين وكتاب ومتخصصين في برنامج يحفز مستوى التفاعل بينهم، كما يرمي إلى التعريف بالتصاميم الإماراتية، وإشراك الجمهور في مجموعة من البرامج المبتكرة. ومن الأقسام المميزة"فن وحوارات"الذي قدّم"الجزيرة: لعبة الحياة"من تنسيق فابريس بوستو، وهو معرض يتكون من عروض أداء حيّة وأعمال تركيبية فنية. وقد وسّع"فن وحوارات"المفهوم الذي قام عليه في دورة العام الماضي عبر طرح مفهوم"الجزيرة"، وهي منطقة تخيلية تعرض في قلب منارة السعديات، تدعو الزوار إلى استكشاف تجربة حياة جديدة وأعمال لفنانين معاصرين، منهم طارق الغصين، وعباس آخافان، وكميل هنروت، وفابريس هايبر، وكميل زخريا. برنامج تعليمي رافقت عرض الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة، نشاطات تعليمية شملت جميع المستويات، من الأطفال الى طلاب الجامعات، ومن الأشخاص الذين بدأوا حديثاً رحلة التعرف على الفنون البصرية وصولاً الى ذوي الأعمال الفنية ذوي الخبرة. وتضمن البرنامج، بصرف النظر عن العمر او المستوى المعرفي، العديد من المبادرات التي ساهمت في تعزيز الذائقة الفنية لدى الجمهور. ومن النشاطات المخصصة للأطفال"ركن الفن"، وهو عبارة عن مساحة مصممة خصيصاً للزوار الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة، لابتكار أعمال فنية مستوحاة من"فن أبوظبي"، إضافة إلى"بيئة المستقبل"وهو معرض تفاعلي يقدم لمحات عن عالم المستقبل ويستكشف كيفية البقاء على قيد الحياة على هذا الكوكب المتغير.