عقدت لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للثقافة"المؤتمر الأول للشعر المصري"، وأهدته إلى الشاعر الرحل فؤاد حداد 1927- 1985 لتزامنه مع الذكرى السابعة والعشرين لرحيله. جاء عقد المؤتمر تحت عنوان"تحولات الشعر المصري الراهن"، لكنه واجه انتقادات ركزت على"فشله"في تجسيد هذا العنوان عبر برنامجه على مدى ثلاثة أيام. خلال الافتتاح، انتقد مقرر لجنة الشعر ماجد يوسف"عدم الالتفات على مدى السنوات الماضية إلى إنجازات حركة الشعر المصري، رغم خصوصيتها وتنوعها الجغرافي". وكشف عضو اللجنة نفسها جمال القصاص أن الإعداد لهذا المؤتمر"واجه صعوبات جمة، وبخاصة من الناحية المادية، نظراً للظرف الاستثنائي الذي تمر به مصر". واستطرد قائلاً"هذا المؤتمر هو عتبة أولى للإمساك بخصوصية الظاهرة الشعرية المصرية من خلال الوقوف على ملامحها الأساسية ومقوماتها الفنية، وإن لم يستطع في دورته الأولى الإلمام بالظاهرة في شكل كلي، فلا شك في أنه وُفق في الإمساك بها جزئياً". ورأى رئيس المؤتمر الناقد عبد المنعم تليمة أن"النتاج الشعري في العقود الأخيرة أسس حالة إبداعية رفعت مثلاً أعلى لا يرضى بالدونية في الحياة والمجتمع". وقال الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة سعيد توفيق"إن الثورات العربية مطالبة بتبني مشروع ثقافي يساهم في نهضة حديثة"، مشيراً إلى أن"قتامة الصورة لا ينبغي أن تدفع نحو اليأس، فالثورات بدأت ولابد أن تستمر". وقال الشاعر عيد عبد الحليم ل"الحياة"إن المؤتمر"لم يهتم بشعراء حقيقيين يمثلون حركة الشعر المصري المعاصر". وأضاف:"الشعراء الذين مثلوا قصيدة النثر في أول مؤتمر عن الشعر المصري بعد الثورة هم أنفسهم الذين كانت تأتي بهم لجنة أحمد عبد المعطي حجازي لتجميل الصورة فقط". واعتبر أن"النقطة الإيجابية الوحيدة في هذا المؤتمر تتمثل في مجلد الأبحاث الصادر عنه، فالجهد المبذول فيه يغربل الحركة الشعرية المصرية". ورأى عضو لجنة الشعر عماد غزالي أن تمثيل الظواهر الشعرية كافة هو مسألة صعبة لأنها ظواهر انتقائية وليست شاملة نظراً إلى ضخامة النتاج الشعري المصري الحديث، مع الوضع في الاعتبار أن الإمكانات المتوفرة لهذا المؤتمر متواضعة. المؤتمر ناقش في جلسة عمله الأولى دراستين عن أمل دنقل ومحمود درويش"باعتبارهما من رموز التطوير في قصيدة التفعيلة وبوصفهما من الظواهر الشعرية الفريدة المؤثرة في تجارب الأجيال الشعرية الجديدة". وشهدت فعالياته أمسيات وجلسات عمل شارك فيها نحو 40 شاعراً وناقداً، ومن أبرز محاوره"أبعاد التحديث في شعر التفعيلة"،"قراءة تطبيقية في شعر الحداثة"،"الحداثة المصرية... سمات وظواهر"،"واقع الإبداع الشعري والتيارات المتشددة"،"دور المجلات غير الرسمية في حركة الشعر المصري"، و"تحولات شعر العامية المصرية"، و"حكاية الشعر وشعر الحكاية... حس النساء وحس الرجال في سيرة بني هلال"، و"صلاح جاهين ومفهوم الريادة". وعلى رغم أن قصيدة النثر حظيت بأكثر من محور، إلا أن"فرسان هذه القصيدة ومنظريها غابوا عن المشاركة"، وفق الشاعر العراقي المقيم في القاهرة خضير ميري. ورأى ميري أن المحاور التي خصصها المؤتمر لشعراء مثل محمود درويش والسياب، فضلاً عن مشاركة شعراء من ليبيا والسعودية واليمن،"جعلت الشعرية المصرية بمنأى عن الاتهام بالشوفينية الثقافية". وناقش المؤتمر دراسة للناقد يسري عبد الله عنوانها"بنية المعرفة لدى جيل الثمانينات في قصيدة النثر المصرية"، لاحظ فيها أن"الممارسة النقدية لقصيدة النثر تتخذ طابعاً منفصلاً عن تشكلات النصوص الشعرية وآلياتها، فبدت متكئة على روح جوفاء لا تلمس العصب العاري للنص الشعري، وتحيل الخطاب النقدي إلى متون جامدة لا تستوعب نزق الإبداع وتمايزاته". وذهب إلى أن"قصيدة النثر منحت الشعر العربي عافية جديدة، عبر اتسامها بحيوية الاختلاف، ومن ثم بدت دوماً خلخلة للبنى القارة في الثقافة العربية، ونقضاً للسائد والمألوف". وطبق عبد الله دراسته على ثلاثة دواوين لثلاثة شعراء هم محمود قرني وشريف رزق ومحمد السيد إسماعيل. وعلى جانب آخر حافظ المؤتمر على التقاليد التنظمية القديمة المتبعة في معظم المؤتمر، عبر جلسات وأمسيات متوازية في مواعيد عقدها، ما أدى إلى تشتت الحضور، إلى جانب التخبط في البرنامج الذي تم تعديله أكثر من مرة بعد اعتذار بعض المدعوين عن عدم تلبية الدعوة. وقال الشاعر محمود قرني:"المؤتمر أسقط المعيار الحقيقي للتمثيل وهو التجويد، ما أنتج في نهاية الأمر الكثير من التفاصيل المشوهة داخل أضابيره بداية من انعدام الدعاية وسوء التنظيم، وليس انتهاء بالدراسات النقدية وتوجهاتها أو بالنسبة لاختيارات الشعراء الممثلين للمشهد الشعري المصري". وقالت الشاعرة عزة حسين التي شاركت في إحدى الأمسيات الشعرية الست التي عقدت على هامش المؤتمر إن"تقليدية التنظيم وفكرة عقد الأمسيات على التوازي نظراً لضيق الوقت وتكدس البرنامج، حالت دون تواصل الشعراء مع بعضهم بعضاً مع الوضع في الحسبان أن جمهور الشعر أقل من أن يتم تشتيته وتوزيعه بين أكثر من مكان". لكن حسين رأت رغم ذلك أن"إقامة مؤتمر عن الشعر المصري الذي تم الجور عليه لمصلحة أسطرة الرواية، تستحق التحية". المؤتمر اختتم فعالياته بإصدار عدد من التوصيات منها، توثيق إبداع الثورة الشعري، دعم الشعراء المصريين في ما يواجهونه من تضييق أصولي، عدم إقصاء قصيدة النثر من جوائز الدولة وعقد المؤتمر في شكل دوري.