على مدى 90 دقيقة تابع ملايين المشاهدين حول العالم المناظرة التلفزيونية الأولى التي جرت في مدينة دنفر ولاية كولورادو بين المرشحين للرئاسة الأميركية، الديموقراطي باراك أوباما والجمهوري ميت رومني اللذين يجندان كل الأسلحة في سبيل الوصول إلى البيت الأبيض. المناظرة هي أحد تلك الأسلحة، اذ تكشف عن مهارات المرشح، ومدى قدرته على إقناع الناخب ببرنامجه ووجهات نظره، وأي سقطة أو زلة لسان سيدفع ثمنها غالياً، ولهذا ربما قيل إن أوباما ورومني قضيا الأيام الثلاثة التي سبقت الموعد في التدريب والتمرين. بدأت المناظرة التي نقلتها كبرى القنوات التلفزيونية الأميركية، بمصافحة بين المرشحين وتصفيق حار من الجمهور الحاضر في مكان المناظرة البسيط والمألوف. مسرح جامعي بأرضية حمراء، وخلفية زرقاء، بينما وقف كل من المرشحين أمام منصة صغيرة وهما يواجهان أسئلة واستفسارات مدير المناظرة جيم ليهرير، ويظهر في القاعة المضاءة إضاءة خفيفة جمهور يصغي لشخصين سيقود أحدهما بلاده لأربع سنوات مقبلة. قبل عقود قليلة لم تكن هذه المناظرات واردة في الحملات الانتخابية للمرشحين، فالمناظرة اختراع أفرزه التلفزيون الذي يعد من أكثر الوسائل الإعلامية جماهيرية وانتشاراً. ووفقاً ل"مقاييس الذهنية العربية"يمكن القول إن هذه المناظرة هي فرصة ثمينة أمام المرشح كي يسترسل في كلام منمق، ويقدم وعوداً معسولة إلى حين الظفر بالرئاسة، وعندئذ لكل حادث حديث، كما هو شأن الساسة في منطقتنا الذين يتحدثون بسخاء مبالغ به من دون التفكير في آلية تطبيق ما يطرحون من برامج ووعود، فلا أحد يحاسبهم. من هنا يصعب أن تصل ثقافة المناظرة إلينا لأن الإعلام برمته هو في يد من يوصف ب"الخصم والحكم". في المناظرة الأميركية الأولى التي ركزت على الجوانب الاقتصادية والضرائب والتأمين الصحي، بدت الصورة مغايرة، فلا يمكن للمرشح أن يطلق الأفكار على عواهنها. عليه أن يكون مقنعاً ومنطقياً، وأن يعقد مقارنات ويحشد الأدلة والأرقام والوقائع لدعم فكرته. كان المرشحان حذرين في الاسترسال، مدركين أن ثمة من يراقب أداءيهما، ولا مجال للادعاء والتباهي، بل ركزا على تقديم كل ما هو قابل للتطبيق، ف"مرشح زاده الخيال"والصورة مقيد بقواعد وضوابط كثيرة، ولا يكفي أن يكون مفوهاً وخطيباً بارعاً، بل عليه أن يعبر عن آمال الناخبين، بصورة واقعية، وتلك مهمة صعبة مهما كانت التلفزة مطيعة وسهلة التوظيف. وبمقدار ما يكون التلفزيون أداة لتلميع صورة المرشح، فإنه، في آن، يعد تحدياً... ذلك أن كل شيء يكون أمام العدسة من لون ربطة العنق إلى تعقيدات العجز في الموازنة، والمشكلة أن شرائح كثيرة تشارك في إعطاء العلامة من فلاح في كاليفورنيا إلى مدير بنك في نيويورك... فهل يكفي المرشح"بيع الخيال"كي يضمن النجاح؟