يستقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما العام الجديد بتحولات كبيرة في سياسته الداخلية والخارجية، فمهمته"التغييرية"لأسلوب الحكم داخلياً -التي أوصلته إلى البيت الأبيض- تلاشت بالكامل، بفعل العراقيل التشريعية والانقسامات الحزبية المتوقع أن تتزايد في هذه السنة الانتخابية. وخارجياً، يقف الرئيس الأميركي على عتبة انجازات محورية، أبرزها تحجيم تنظيم"القاعدة"، الاستفادة من"الربيع العربي"، وإنهاء حرب مكلفة في العراق. داخلياً، ستكون الانتخابات الرئاسية المحرك الأبرز للسياسة والحسابات الأميركية، مع انطلاق القطار الانتخابي الجمهوري في ولاية أيوا غداً الثلثاء، وتطلع أوباما وفريقه إلى معركة قاسية مع المرشح الجمهوري في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، إذ يشكل التعافي البطيء للاقتصاد الأميركي نسبة البطالة 8.7 في المئة، والصعوبات التشريعية في مجلس النواب ذي الأكثرية اليمينية، العاملين الأكثر تهديداً لحظوظ أوباما في الفوز بولاية ثانية. فالرئيس، الذي وصل الحكم واعداً بأجندة انقلابية وجامعة للأميركيين، أحبطته عراقيل الجمهوريين للموازنة، ورفضهم رفع الضرائب على الأثرياء، ووجد نفسه مضطراً الى العودة إلى الإستراتيجيات السياسية التقليدية بالتمسك بقاعدته الحزبية والتركيز على الانتخابات الرئاسية. وحتى الإنجاز الأكبر داخلياً لأوباما بتمرير مشروع الضمان الصحي يواجه خطر التفكك في حال وجدته المحكمة العليا ذات الأكثرية اليمينية أيضاً مخالفاً للدستور في حزيران يونيو المقبل. من هنا، سيحمل العام الجديد انقساماً حزبياً أكبر في الشارع الأميركي بسبب الانتخابات، وسيُقلل من فرص نجاح تشريعات حاسمة في الكونغرس. كما سيقود هذا المناخ أوباما الى الاستمرار بتجييش قاعدته الانتخابية، سواء باحتضان تظاهرات"حركة احتلال وول ستريت"، أو الحديث عن معاناة الطبقة الوسطى وبشكل أقرب إلى ثيودور روزفلت منذ ستة عقود. ويأمل أوباما من هذه الإستراتيجية، إلى جانب مغازلة الأقليات، اللاتينية منها خصوصاً، حصْدَ ما يكفي من الدعم في ولايات الغرب والوسط للفوز في الانتخابات. أما الجمهوريون، فسيحاولون التركيز على تعثرات أوباما الاقتصادية وعلى تشديده الرقابة والتدخل الحكومي في عمل المصارف بعد أزمة 2008. ولعل المفارقة ألأكبر في صورة أوباما العام 2012، هو نجاحاته الخارجية في رأي الأميركيين، فالرئيس الذي كان مصدر قلق لدى الكثيرين لنقص خبرته في الأمن القومي، حقق انجازات غير مسبوقة في محاربة تنظيم"القاعدة"، من خلال اصطياد أسامة بن لادن ورؤوس كبيرة في التنظيم، بينها أنور العولقي، كما جاء إنهاء الحرب في العراق ليعطي أوباما نقاطاً إضافية بين الأميركيين الذين أيدوا الخطوة بنسبة 72 في المئة. وأعطت إدارة أوباما من خلال تجربتها في ليبيا صورة مفارقة تماماً عن نموذج العراق، بتركيزها على المشاركة الدولية وعدم مجازفتها بهجوم بري. هذا التدخل الذي كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من أبرز المدافعين عنه، سيطبع شرعيتها وإدارتها المرحلةَ الأصعبَ للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ الثورة الإيرانية في 1979. العامل الاقتصادي وغياب مفاجآت خارجية من نوع عمل إرهابي أو مواجهة عسكرية غير مرغوبة، سيكون لهما اليد الطولى في رسم نتائج انتخابات 2012، ففي حال نجح أوباما في إلقاء اللوم على الجمهوريين للتعافي البطيء في اقتصاد بلاده، وليس العكس، سيعني ذلك تفاديه مصير رؤساء مثل جورج بوش الأب وجيمي كارتر وليندون جونسون، الذين أسقطتهم الورقة الداخلية الاقتصاد مع بوش والمفاجآت الخارجية مثل أزمة الرهائن في إيران وحرب فيتنام.