أثار التقرير الشهرى لمجلس الحبوب العالمي، قلقاً في أسواق القمح العالمية، إذ أفاد بأن إنتاج القمح خلال السنة الحالية سيتقلص 3 في المئة مقارنة مع حجم إنتاجه العام الماضى. ويرجح خبراء أن يصل حجم تناقص محاصيل القمح خلال هذه السنة 40 مليون طن، تمثل أكثر من 6 في المئة بسبب كارثة حرائق الغابات في روسيا، وارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها القياسية، ما تسبب بانتشار الجفاف، وأسفر عن تلف مساحات زراعية واسعة أدت إلى تناقص محاصيل الحبوب الروسية بما يزيد عن 30 في المئة مقارنة بحجم إنتاج الحبوب العام الماضي. وتسبب الجفاف في تدمير محاصيل أكثر من 11 مليون هكتار من المزروعات، تعادل 26 في المئة من المساحات المزروعة. وتراجعت توقعات وزارة الزراعة الروسية لحجم انتاج الحبوب الإجمالي لهذه السنة من 90 مليون طن إلى 60 مليوناً. وأفادت إدارة الأرصاد الجوية بأن الجفاف لم يتسبب في تدمير محاصيل الحبوب فقط، وإنما سيؤدي إلى تناقص إنتاج البطاطا والشمندر السكرى بما لا يقل عن 30 في المئة أيضاً مقارنة بإنتاج العام الماضى. واشتعلت النيران على مدار أكثر من 3 اسابيع، في أقاليم روسية، لتلتهم المساكن والمزروعات وتهدد بكوارث نووية. ووفق التقديرات الأولية بلغت خسائر الاقتصاد الروسي بسبب الحرائق والجفاف الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة، نحو 15 بليون دولار، توازي أكثر من 5 في المئة من الدخل القومي. ويعتقد نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية نيكولاى سافوروف، أن نمو الناتج المحلي سيخسر واحداً في المئة على الأقل، يمثل الأضرار المباشرة على مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، وتكاليف الدمار الذي لحق بالبيئة ومصادر الثروة الطبيعية. وتفيد تقديرات أولية بأن خسائر القطاع الزراعي بلغت نحو بليون ونصف بليون دولار. وتسبب تضارب التقديرات بين وزارة الزراعة -، التي ترى أن قيمة الخسائر لن تتجاوز 800 مليون دولار، وتقديرات إدارات الأقاليم التي تأثرت من الحرائق والجفاف، والتي قدّرت الخسائر بأكثر من بليون دولار - بارتباك السلطات الروسية وعدم توافر المعطيات والإمكانات لتحديد الموقف الواقعي للاقتصاد الروسي. ومع الأخذ في الاعتبار أن احتياجات السوق المحلية تبلغ 77 مليون طن من الحبوب، وأن روسيا ستصدر نحو 4 ملايين طن خلال الشهر الحالي للإيفاء بالتزاماتها وبالعقود التي وقعتها، ستجبر الحكومة الروسية على استخدام ارصدة المخزون الاستراتيجي المتوافر من الحبوب، وتضطر تالياً إلى تمديد الحظر على تصدير الحبوب، في انتظار زيادة حجم انتاجها العام المقبل، أو ستضطر إلى استيراد كميات اضافية من كازاخستان وأوكرانيا اذا توافرت لديهما كميات فائضة، إضافة إلى الخسائر الناجمة عن حظر تصدير الحبوب، والتي قدرها ألكسندر ماروزف كبير خبراء مجموعة"أتش أس بي سي"بنحو مئة مليون دولار... ونفقات استصلاح الأراضى التي دمرتها الحرائق وجعلتها غير صالحة للزرع، وتقدر بنحو 120 ألف هكتار. ولا يستبعد خبير في إدارة التحليل في بنك"أي أن جي روسيا" ديمتري بوليفي ان يتجاوز معدل التضخم الاستهلاكي 9 في المئة، في حال تناقص حجم انتاج محاصيل القمح إلى 40 مليون طن، وتجاوزت اسعاره في السوق المحلية 185 دولاراً للطن في ظل حظر التصدير. وأظهرت تصريحات النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي فيكتور زوبكوف خلال لقائه مع الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف، أن قرار الحكومة الروسية حظر تصدير الحبوب حتى نهاية السنة الحالية، يمكن أن يمدد العمل به حتى ربيع العام المقبل، ما يعكس ارتباك الحكومة في تقدير الحجم الواقعى للخسائر الناجمة عن الحرائق والجفاف. وكانت وزارة الزراعة تخطط لطرح نحو 3 ملايين طن من الحبوب من الصندوق الاحتياطي خلال الشهر الجاري، ثم تقرر تأجيلها حتى الانتهاء من حصاد المحاصيل بداية فصل الشتاء لتحديد حجم الإنتاج الواقعي والأضرار التي سببتها الحرائق. وتبلغ ارصدة الصندوق الاحتياطي نحو 9 ملايين و600 ألف طن من الحبوب، 3 ملايين و100 ألف طن منها قمحاً وشعيراً للعلف. وتواجه الحكومة الروسية مصاعب كبيرة في مواجهة آثار كارثة الحرائق، بعدما اصبح القطاع الزراعي يعتمد على إنتاج الملكيات الصغيرة والشركات الاستثمارية المتوسطة، والتي لا تتوافر لديها قدرات اقتصادية لمواجهة آثار الكارثة، لإفلاسها تحت وطأة التزاماتها تسديد القروض المصرفية. ويرى الباحث في مركز الاقتصاد المعاصر الروسي اليج كازلوف، أن المشكلة الأساسية لا تكمن في تناقص إسهام انتاج القطاع الزراعي في الناتج المحلي، باعتبار ان حصته لا تزيد عن 4 في المئة منه، وإنما تتمثل في ازدياد نفقات استيراد روسيا الخاصة بالمنتجات الزراعية وبخاصة القمح، اضافة إلى زيادة معدلات البطالة. وتقدر أعداد العاملين في القطاع الزراعي بنحو 15 في المئة من حجم قوة العمل في روسيا، يمكن ان يتحول نحو 6 في المئة منهم إلى عاطلين من العمل. ويعود تناقص العمال في القطاع الزراعي خلال السنوات الأخيرة إلى نصف ما كانوا في ثمانينات القرن الماضي، إلى تناقص متوسط الدخل إلى نحو 48 في المئة مقارنة بمستواه بداية التسعينات من القرن الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن دعم الدولة في موازنتها للقطاع الزراعي منذ أواخر التسعينات، تقلص إلى أقل من 2.5 في المئة، ولم تقابله قوانين لحماية المنتجين ودعمهم، علماً ان قروضهم بلغت هذه السنة 25 بليون دولار. وتسببت هذه العوامل مجتمعة في تقلص إسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي من 20 إلى أقل من 4 في المئة.