رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    العمل عن بُعد في المستقبل!    العلاقات السعودية الأمريكية.. استثمار 100 عام!    أميركا خارج اتفاقية «باريس للمناخ»    السواحه: المملكة تقود التحول نحو اقتصاد الابتكار بإنجازات نوعية في الذكاء الاصطناعي والتقنية    ما أحسنّي ضيف وما أخسّني مضيّف    السياسة وعلم النفس!    غزة.. لم يتبق شيء    رئاسة على صفيح ساخن:هل ينجح جوزيف عون في إنقاذ لبنان    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    نقل العلوم والمعرفة والحضارات    خلال زيارته الرسمية.. وزير الخارجية يلتقي عدداً من القيادات اللبنانية    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء لبنان المكلف    قرار في الهلال بشأن عروض تمبكتي    «حرس الحدود» بجازان ينقذ مواطناً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    مانشستر سيتي: مرموش كان بمقدوره تمثيل منتخب كندا ويعتبر محمد صلاح قدوته    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته ل4 سنوات    سرد على شذى عطر أزرق بمقهى "أسمار" الشريك الأدبي في أحد المسارحة    «حرس الحدود» بعسير يحبط تهريب 795 كيلوغراماً من القات    هيئة الفروسية تناقش مستقبل البولو مع رئيس الاتحاد الدولي    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    فرص تطوعية إسعافية لخدمة زوار المسجد النبوي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثانية عشرة لمساعدة الشعب السوري    ترمب يعيد تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"    هطول أمطار متفاوتة الغزارة على معظم مناطق المملكة.. ابتداءً من اليوم وحتى الاثنين    ولي العهد للرئيس الأمريكي: توسيع استثمارات السعودية مع الولايات المتحدة ب 600 مليار دولار    اتحاد بنزيما «شباب وعميد»    مجلس أكاديمية الإعلام يناقش الأهداف الإستراتيجية    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    أفراح آل حسين والجحدلي بزواج ريان    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي ينهي معاناة مراجع مع مضاعفات عملية تحويل المسار بجراحة تصحيحية نادرة ومعقدة    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    ثقافة الابتسامة    وزير العدل يلتقي السفير الصيني    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    الدرونز بين التقنية والإثارة الرياضية    نموذج الرعاية الصحية.. الأثر والرعاية الشاملة !    مستشفى الملك فهد الجامعي يجدد اعتماد «CBAHI» للمرة الرابعة    فرص للاستثمار بالقطاع الرياضي بالمنطقة الشرقية    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    اختتام المخيم الكشفي التخصصي على مستوى المملكة بتعليم جازان    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جعل الأغنية نصاً وتلحيناً وأداءً ... لهواً مدروساً ! . جوزف صقر رفيق زياد الرحباني ... نادراً ما آمن بنفسه!
نشر في الحياة يوم 25 - 02 - 2010

بين نوع صوت المطرب جوزف صقر 1942 - 1997، الفطري، ونوع أغانيه التي مال فيها كاتبها وملحنها زياد الرحباني الى فطرة ما وراء المعرفة، قام نوع من وحدة الحال أو"وحدة الموضوع"على قول الأدباء في نتاج يتوازن فيه الشكل والمضمون ويتآخيان. الممثل اللطيف والمغني اللطيف والإنسان اللطيف، اتحدت عناصرهم في جوزف صقر، الشخص الواحد، فبان الأمر عن فنان"خاص"بفطرته أولاً، وبمزاجه ثانياً، وبمستويات الاتقان الاحترافي الذي تجلَّى فيه من دون كثير" ثقافة"أو"علم"أو"أستذة"، تلك كانت بساطة على عمق على فرادة. لذلك، عندما رحل جوزف صقر ذات يوم من ذات سنة قريبة وتصادف ذكراه هذه الأيام، كانت بالفعل خسارة بالغة لنوعٍ من فنون الغناء والتمثيل والحضور في فنان نسجَ على منوال نفسه، ونادراً ما آمن بنفسه!
لعلّ هذه الجملة هي سرّ جوزف صقر:"نادراً ما آمن بنفسه". لا تعني تصغيراً لموهبته، ولا تقليلاً من شأن نفسه لنفسه. نعني العبثية التي اخترقته حتى آخر أفكاره، وهي على أي حال عبثية كانت قاسماً مشتركاً بين فريق مغنِّين وممثلين، عمل مع زياد الرحباني. زياد نفسه كان يسخر من نفسه، على الخشبة وخارجها، أبطاله أيضاً من جوزف صقر الى سامي حوّاط الى آخرين كانوا"مش قابضينها جد"على رغم أن مناخ أعمالهم المسرحية كان أكثر من"جد"في النص المتفجر نقداً وتهكّماً سوداوياً ضبابياً من جهة، مباشراً هجومياً من جهة أخرى، وفي أسلوب الإخراج والتمثيل والغناء و"اللعب"الفني الغريب من غرابة، وفي التأثير الحقيقي والموضعي على جيل كامل من الممثلين والموسيقيين والمغنين والجمهور.
صوت جوزف صقر متلوِّن، وأي صوت متلوّن هو نعمة لنفسه وللغناء في شكل عام. والتلون يأتي إما من مراس و"معالجة"إدائية صابرة، واما من فطرة، مع جوزف كان التلون فطرياً."وجد"جوزف نفسه قادراً على أداء الأغنية الخفيفة والثقيلة، اللبنانية والمصرية، من الأخوين رحباني الى سيد درويش الى عبد الوهاب الى زياد الرحباني. بلا أي وجل أو نقصان، ومن العتابا الى المواويل الى الغناء الشعبي"جداً"الى الغناء الشعبي الراقي الى الارتجاليات الأقرب الى أن تكون"تعليقاً"صوتياً مصبوغاً بالتهكم على الغناء أكثر مما هي تحدٍّ"استعراضي"في مساحات الصوت ومسافاته وألاعيب كما جرت العادة لدى أغلب المغنين في الماضي والحاضر. يمكن القول إن الارتجال في غناء جوزف صقر كان شبيهاً بالارتجال في مسرح زياد الرحباني ككل، حيث لا مجال لادخال جُمَل أو آراء لا علاقة لها بالنص الأصلي، بل المجال مفتوح لكلمات فقط أو قفشات ابنة ساعتها.
في غناء جوزف صقر هذا النوع من الارتجال الذي لا يغادر"الموضوع"الغنائي، بل"يعلق"عليه بالصوت، وغالباً بالايحاء الساخر. وكان زياد الرحباني، أحياناً كثيرة، يتعمد تسجيل بعض"أجواء"الاستديو خلال تسجيل الأغاني عبر ضحكات عابرة ذات مغزى، أو حركات صوتية... الخ. وفريقه الفنِّي كان بارعاً في ذلك. وجوزف من ذلك الفريق، بل من أركانه الأوائل، وليس مبالغة قول زياد الرحباني، عند وفاة جوزف، أنه خسر جزءاً من نفسه.
صوت جوزف صقر يعبر عن طريقة"خاصة"جداً في فهم الغناء كله. الغناء من أصله، ولقاؤه مع زياد الرحباني الذي اكتشف فيه هذه الخاصية الأدائية كان"ضرورياً"لجوزف ولزياد معاً. فجوزف كما يبدو في أعماله، غير مقتنع بالأداء"الرسمي"للأغنية، أي بالأداء المألوف أو المتعارف عليه، فيشطح ولكن ضمن الأصول، ويتفرّد ولكن ضمن المعقول. وينقل مناخ الأغنية نصاً وتلحيناً بما يناسبها من اللهو... المدروس، تماماً كزياد الرحباني الذي كان يلهو حتى في عزّ الثقل المسرحي، فكان المسرح الشعبي ? النخبوي الذي يلهو"بخربطة"المعايير الفنية باعتبارها ليست شأناً مقدساً، بل مجال اختبار لا ينتهي...
في ذكرى رحيل جوزف صقر المغني والممثل، تُستعاد الخسارة، أو نستفيق مجدداً على الخسارة، كان صوتاً ونوعاً. واذا علمنا ان زياد الرحباني نفسه غادر تلك المرحلة بأدواتها الفنية الى غير رجعة، فسنعلم طبعاً أن جوزف صقر لن يستمر في أحد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.