العقل الطفولي الصبياني أو الأولي هو العقل الذي يقسم الناس إلى أسود وأبيض، أخياراً وأشراراً وبالتأكيد يضع نفسه مع الأخيار. وهذا العقل لا يعرف للنسبية مكاناً فيه، مع أن النسبية هي الحقيقة حتى في عالم الاجتماع، فكل إنسان هو خليط من الأسود والأبيض يتفاوت فيه الخير والشر، كلٌ بحسبه وباختلاف المكان والزمان، وزيادة الحس العام، والمسؤولية الاجتماعية، والتركيبة الجينية وهو ما يسمى الضمير. إن المناخ الذي يفرضه العقل الطفولي الصبياني أو الأولي يقسّم الناس بطريقة تجعل اللامبالاة والنفاق أسس النجاح فيه. ويضعف الروح الجماعية والإحساس بالمسؤولية العامة وينشر الدوران حول الذات أو حول الفرد المنقذ والرئيس المسؤول. والكارثة تقع عندما يكون هذا العقل هو المسيطر في مجتمعٍ بلغ أعلى مستويات التحصيل العلمي الأكاديمي، وهو في الحقيقة ما زال يفتقر إلى أبسط مبادئ العلم المتمثل بالنسبية حتى في فهم الإنسان. في هذا المجتمع تنتشر الغيبة والنميمة وتنحرف الفطر السليمة، ما يؤدي إلى تشوه حقيقي في نفسيات أفراده، فينشأ أناس بمظاهر جيدة ومخابر سيئة. وفي النهاية لا يمكن هذه العقول أن تبني كلية أو جامعة إلا ظاهرياً، ليبقى بناء الحجر والرصيف والشجر وناطحات السحاب الطريق الأسهل للتمسُّح بالحضارة وتقليد المجتمعات المتقدمة. ويبقى السؤال: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟ أو بصيغة القرضاوي: أين الخلل؟ أو بصيغة المودودي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ والحق أنه ما دام عقل الأسود والأبيض يحكم عقول النخبة في مجتمعنا سيبقى الانحطاط مصيرنا. ولا تكاد تفارقك الحسرة عندما يخطر في ذهنك حال مجتمعاتنا الأخرى غير المتعلمة إذا كان هذا هو حال مجتمعنا الثقافي والأكاديمي العلمي، النخبوي. وأبسط صورة توضح هذا المعنى هي الوصف الرائع للمصطفى صلى الله عليه وسلّم عندما شبه المغتاب بمن يأكل لحم جيفةٍ منتنةٍ. فتخيل مجتمعاً كل أفراده يأكل بعضهم لحم بعض، ولا يسلم أحد من هذه الوليمة القذرة! وأشدّ ما تشعر بحماقة العقل الطفولي عندما يصبح إعلان الولاء والبراء هو الطريق لكسب المكانة والحفاظ على الحقوق والرقي في سلّم المميزات. إن عدم الإساءة الى من مضى لا يعني بالضرورة الرضى عن سلوكه أو طريقته أو أسلوبه والعكس صحيح. وإن عدم المدح لمن حضر لا يعني قصوره أو فشله أو الإساءة إليه، والعكس صحيح. غير أنه لكل امرئ ما اكتسب، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وتبقى المنجزات هي التي تحكي نجاحك أو فشلك، وعلى المرء أن ينظر إلى المستقبل ويتحرر من تبعات الماضي. وأن يقوم بما يجب عليه قدر استطاعته ويعامل الناس كما يحب أن يعاملوه. عصام بن عدنان بكري - السعودية - بريد إلكتروني