بعض الناس في مجتمعاتنا، وللأسف الشديد، بات يغوص في بحر الغيبة بشكل لا إرادي، وهو بحر قاعه موحش ودروبه مهلكة وموانئه في الآخرة ترتعد لها الفرائص، فقد أصبح بعض الناس، رجالاً ونساءً، كأنما تمت برمجة عقله الباطن على أن الاسترسال والخوض في أعراض الناس وتصيد أخطائهم وزلاتهم من الأمور الطبيعية والتي بدونها لا تحلو جلسات السمر ولا تطيب المجالس، متجاهلين قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم ووصفه للمغتابين بوصفٍ تقشعر منه الجلود وترتجف منه الأبدان بمجرد تخيله، وهو أكل جيفة من نقوم باغتيابهم، قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم﴾. كما اتفق جميع علماء المسلمين بالإجماع أن الغيبة من كبائر الذنوب التي لا يغفرها الله سبحانه إلا بالتوبة وبالتحلل ممن قمنا بغيبتهم، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عن الغيبة، وقال (من اغتاب امرأً مسلماً بطل صومه، ونقض وضوؤه، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة، يتأذى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم الله عز وجل)، كما قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)، فبعد التأمل في الآية الكريمة وهذه الروايات علينا جميعاً أن نعيد حساباتنا، فما فائدة ما نقوم به من صلاة ودعاء وأعمال خير إذا قمنا بهدمها بالغيبة؟ فهناك الكثير من المواضيع المفيدة والهوايات الجميلة والأحاديث الشيقة التي يمكننا أن نستمتع بتبادلها بدلاً من الخوض في أعراض الناس والصيد في الماء العكر، وارتكاب كبيرةٍ من كبائر الذنوب بسبب سمعنا عن فلان، ويقال إن فلانا فعل كذا وكذا وغيرها من القيل والقال الذي لا يوجد منه أي فائدة، وبإمكاننا لو كنا في أحد المجالس وحاول البعض أن يجرنا إلى غيبة أحد أن نعتذر بأدب، ونقول (نسأل الله له الهداية)، ونقوم بتغيير مجرى الحديث، فلو قمنا ولو مجاملة بتأييد من يغتاب إذًا فنحن مشاركون في ذنب الغيبة، هذا إضافة إلى أن الغيبة هي هدر للوقت الثمين، فقراءة كتاب أو تعلم مهارة أو ممارسة هواية أمور نؤجر عليها ولا مقارنة بينها وبين تضييع الوقت في متابعة أخبار الناس، فهناك أمور أهم في العالم تستحق المتابعة، لذلك علينا أن نجعل تقوى الله نصب أعيننا، فمن منا يريد أن يكون في مثل موقف المغتابين، لا سمح الله، في عرصات المحشر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فهل من معتبر؟