بدا من الصعب على من حضر أعمال"المؤتمر الاول للطرق في لبنان من التصميم إلى الاستخدام"، الذي نظّمته"رابطة المهندسين الانشائيين"في بيروت أخيراً، ألاّ يتذكّر الشكايات المتعددة لبنانياً من الطرقات. ففي الآونة الأخيرة، تداولت مؤسسات مدنية وسلطات رسمية وجهات أمنية معلومات متفاوتة عن حوادث الطرق في لبنان. وعلى رغم تفاوت الأرقام، يسود إجماع لبناني على أن حوادث الطرق باتت همّاً مقيماً يلقي بظلّه القاتم على أوضاع الطرقات في بلاد الأرز. ولم يتردد موقع"سيدرنيوز.نت"cedarnews.net في وصف هذا الوضع بكلمات من نوع"عندما تصبح الطُّرُق مصيدة لحياة الناس". وغير بعيد من ذلك، أعلن وزير الداخلية زياد بارود، أن حوادث الطرق تحصد حياة 600 شخص سنوياً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 4 ملايين نسمة. وعمدت وزارة الداخلية الى نشر سيارات للشرطة تحتوي على رادرات لمراقبة المركبات وتسجيل مخالفات السرعة على الطرقات بصورة فورية. وفي المقابل، تعطي بعض منظمات المجتمع المدني، مثل مؤسسة"يازا"موقعها الإلكتروني هو"يازا.أورغ"yasa.org، أرقاماً أعلى لضحايا حوادث الطرق في لبنان. ويتميّز لبنان بصغر مساحته، وبتمتعه بتركيب جيولوجي وطبيعي فائق التعقيد، ما يجعل الطرق أمراً أساسياً فيه. والمعلوم أن الاقتصاد اللبناني يعاني من تركّزه الفائض حول العاصمة بيروت، إضافة الى تعمّق ظاهرة الهجرة من الريف الى المدينة، وكذلك ميل القرى الى تقليد أنماط العيش المديني. وتعطي هذه الأمور للاجتماع اللبناني طابعاً نابضاً ومتفاعلاً، مع ملاحظة أن الطُّرُق تقع في القلب من هذا التفاعل المعقّد والمتشابك. وفي الإطار نفسه، من البديهي القول بأنه لا يمكن لاقتصاديات الدول ان تنمو في ظل غياب شبكة حديثة للطرقات، لأنها تُعتبر بمثابة الشرايين التي تمر فيها سلسلة متصلة من النشاطات التجارية والاجتماعية والثقافية التي تعزز مسيرة الاقتصاد الوطني. وتعتبر الطرق من أهم مقومات التنمية، نظراً الى دورها في تحقيق الاتصال بين مختلف المناطق، إضافة إلى كونها عنصراً مساعداً في تحقيق النمو اقتصادياً. ورعى المؤتمر وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي، في حضور رئيس اتحاد المهندسين اللبنانيين الدكتور بلال العلايلي، ورئيس هيئة المعماريين العرب المهندس هيامي الراعي، ورئيس رابطة المهندسين الإنشائيين راشد سركيس، ورئيس فرع المهندسين المدنيين في النقابة انطوان كويس وغيرهم. وتناول المؤتمر تداعيات غياب شبكة الطرق الحديثة، وانعكاساتها سلبياً على الاقتصاد الوطني ونموّه. واعتبر الدكتور بلال العلايلي ان شبكة الطرق من أهم المقومات التي تعتني بها الدول في العصر الحديث، لأنها تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي وازدهار النشاطات التجارية وسهولة حركة المرور بين التجمعات العمرانية من جهة، ومناطق الانتاج والتوزيع من الجهة الثانية. وأشار إلى أن مشاريع الطرق هي من الروافد البارزة في تعزيز الحركة العقارية، إذ تدخل في تحديد أنماط استعمال الاراضي وتقسيمها ومواقع الخدمات والمرافق العامة. وتعمل الطرق على إحياء المناطق النائية، وتساهم في تنفيذ مخططات التنمية فيها. ويرى كثير من الخبراء أن شبكات الطرق تشكّل الهيكل الأساسي في مخططات تقسيم الأراضي، مشيرين إلى التأثيرات المتبادلة بين الطرق الرئيسية والمخططات السكنية التي تنتشر في الاتجاهات كلها. ويرون أنها تساهم بشكل مباشر في انتشار المجمعات العمرانية وطرح المزيد من المخططات السكنية. ولاحظ العلايلي ضرورة أن يخطط لبنان، على غرار ما تفعله كثير من الدول النامية، قطاع النقل بطريقة علمية، تبعده عن العشوائية والتخبّط. وشدّد العلايلي على أهمية أن يشمل التخطيط العلمي للطرق أموراً أساسية، مثل ربط المناطق بشبكة من الطرق المفردة والرئيسية، وتنفيذ أنفاق وجسور جديدة لبعض الطرق والشوارع داخل المدن، وتحسين ما هو قائم بهدف فك الاختناقات المرورية في لبنان. وشدّد أيضاً على ضرورة تطوير مستوى الخدمات على هذه الشبكة، وتوفير وسائل السلامة العامة عليها، وذلك باستكمال مشاريع الإنارة للشوارع، وتصريف مياه الامطار، ودرء أخطار السيول، وتوفير المعدات والآليات للتخلص من النفايات وردم المستنقعات، اضافة إلى تأمين سلامة حركة المرور عبر وضع لافتات إرشادية وتنظيمية لتوجيه حركة السير في مساراتها المختلفة.