يقول مراقبون إن الانتخابات الاشتراعية المقبلة في مصر ستكون محكاً رئيسياً لقياس قدرات القوى السياسية المختلفة قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في خريف العام المقبل، ومدى قدرة السلطة والحزب الوطني الديموقراطي الحاكم على تجاوز أي شبهات في شأن تزويرها. لكن المؤكد أن القاهرة ترغب في مرور الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل من دون أي تعكير للأجواء وأن تتسم عمليات الاقتراع بالشفافية، خصوصاً أن الساحة السياسية في البلاد تشهد حال"كر وفر"بين السلطة والمعارضين منذ عودة الدكتور محمد البرادعي إلى القاهرة في شباط فبراير الماضي وقيادته حملة منادية ب"التغيير"، وكذلك تجدد الضغوط الدولية على مصر في شأن ضرورة السماح بحرية أكبر في التعبير. ويبدي المسؤولون المصريون حرصاً لافتاً على تجنّب ظهور أي انتهاكات جسيمة أو تزوير في العملية الانتخابية المقبلة، مثل تلك التي أبرزتها وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى مطلع أيار مايو الماضي. وتترقب الأوساط المصرية انتخابات مجلس الشعب الغرفة الأولى في البرلمان على اعتبار أنها سترسم المشهد السياسي لخمس سنوات مقبلة، كما أنها ستحدد في شكل كبير منافسي الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية. ويأتي ذلك وسط حديث وتكهنات عن حدوث صفقة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة تستبعد جماعة"الإخوان المسلمين"التي أعلنت رفضها دعوات المقاطعة وقررت خوض الانتخابات المقبلة. وتبرز قضايا عدة على الواجهة ترتبط في مجملها بشكل ونزاهة المنافسة في الاستحقاق الانتخابي الأبرز منذ سنوات طويلة. فالمراقبة الدولية للانتخابات لا يزال يدور حولها جدل. فعلى رغم رفض الحزب الحاكم في شدة هذه الخطوة، فإن ضغوطاً غربية بدأت تلوح في الأفق قد تدفعه إلى تغيير موقفه. كذلك فإن هناك أيضاً تحذيرات قوية من أن يتحول الاقتراع إلى يوم دموي خصوصاً مع زيادة العنف في المجتمع وارتفاع النعرات الطائفية. أما القضية الثالثة فتتمحور في الارتباك الظاهر على القوى السياسية داخلياً، إذ لم يسلم المقاطعون للانتخابات من الانتقادات الداخلية حول قرارهم، مثلما هي الحال بالنسبة إلى المشاركين فيها. ووسط تناحر بين القوى السياسية المصرية ومحاولات مستميتة يبديها الحزب الوطني الحاكم لتلافي حدوث أي انشقاقات داخلية قد تؤثر على مسيرته، تحدث الخبير في شؤون السياسة الداخلية المصرية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو هاشم ربيع عن"صفقات"قال إنها حدثت بين الحزب الحاكم وبين أطراف سياسية معارضة. وأكد ل"الحياة"حدوث"صفقات انتخابية بين الحزب الوطني وأحزاب التجمع والوفد والناصري بهدف تنحية جماعة الإخوان المسلمين عن المشهد السياسي خلال السنوات الخمس المقبلة". وقال:"أكد لي قيادي بارز في حزب التجمع حدوث صفقة بين الحزب بقيادة رفعت السعيد والحزب الوطني"، مشيراً إلى أن"تلك الصفقة سينضوي تحتها أيضاً أحزاب الوفد والناصري". وكان الحزب الوطني وعدد من قادة أحزاب الوفد والتجمع نفوا في شدة تكهنات برزت أخيراً في شأن صفقة مزعومة تتضمن زيادة الرقعة البرلمانية للأحزاب على حساب مقاعد جماعة الإخوان، مع احتفاظ الحزب الوطني بغالبية مريحة في مجلس الشعب المقبل. واعتبر ربيع أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستجرى طبقاً لما يفرضه نظام الحكم في مصر بعدما رفض المطالب كافة التي أبدتها المعارضة المصرية لضمان نزاهة الانتخابات، مشيراً إلى أن هذا الأمر يجعل الحديث عن الانتخابات مرتبطاً بتوزيع المقاعد النيابية التي تملكها جماعة الإخوان المسلمين 88 مقعداً في البرلمان الحالي، بحيث تتم زيادة حصص الأحزاب السياسية على حساب"الإخوان". وقال ربيع ل"الحياة":"تلقيت تأكيدات بحدوث صفقة بين التجمع بقيادة رفعت السعيد والوطني .. وهذه الصفقة ستنضوي تحتها أحزاب الوفد والناصري وعدد من الأحزاب الصغيرة". وأوضح أن مضمون هذه الصفقة ينص على أن يحصل حزب الوفد على ما يقارب 40 مقعداً، في حين يحصل التجمع على 25 مقعداً، أما الحزب الناصري فسيحصل على ما بين 5 إلى 10 مقاعد. واستبعد ربيع أن تتضمن هذه الصفقة جماعة الإخوان، مشيراً إلى أن الحكم سيسمح بحصول الإخوان على ما يقارب 10 مقاعد"لتجميل الصورة وتلافي أي انتقادات خارجية". لكنه لم يستبعد حدوث تنسيق فردي بين مرشحي الوطني ومرشحي الإخوان خلال الأيام التي تسبق الاقتراع أو قبل جولة الإعادة. وتعرف القوى والأحزاب المعارضة في مصر تضارباً في المواقف بالنسبة إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة في أواخر الشهر المقبل، حيث قرر بعضها المشاركة مع المطالبة بضمانات لنزاهتها، والبعض الآخر فضّل المقاطعة باعتبارها"مسرحية معدة سلفاً من قبل الحكم"، وهو ما يعززه حديث الدكتور عمرو هاشم ربيع عن"الصفقات"المزعومة. وكان محللون اعتبروا أن قرار جماعة"الإخوان"المنافسة في الانتخابات المقبلة على 30 في المئة من مقاعد مجلس الشعب - على رغم معارضة الكثير من قياداتها - بأنه يمثّل"صفعة قوية"لدعاة المقاطعة، وعلى رأسهم سياسيون وشخصيات تنضوي تحت مظلة"الجمعية الوطنية للتغيير"التي أطلقها في شباط فبراير الماضي المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي.