فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    اليونيفيل : لم نسهّل أي عملية اختطاف أو أي انتهاك للسيادة اللبنانية    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    تاليسكا يُعلق على تعادل النصر أمام الهلال    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    «الداخلية»: ضبط 21370 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    الشيف الباكستانية نشوى.. حكاية نكهات تتلاقى من كراتشي إلى الرياض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    المملكة "برؤية طموحة".. جعلتها وجهة سياحية عالمية    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل مصطفى أمين وثائق لأنها نقية من إعادة الصياغة و التشويش
نشر في الحياة يوم 20 - 09 - 2009

مرة أخرى يعود الى الصورة وجه مصطفى أمين، أحد صانعي الصحافة الحديثة في مصر والعالم العربي، وعلى رغم أن اسم مصطفى أمين يقترن بعناصر كثيرة، إلا أن قضية تجسسه تظل القضية الأبرز والأخطر والأهم في ملفه الضخم، منذ أن بدأ عمله الصحافي في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، حتى آخر سنوات عمره، حيث رحل عام 1997، وأصبحت قضيته شاغلة للرأي العام المصري والعربي طوال ثلاثين عاماً، منذ القبض عليه في 21 تموز يوليو 1965، حتى خروجه والعفو عنه عام 1974 ثم السنوات التالية لهذا التاريخ والتي ملأها مصطفى أمين بكتاباته ورسائله التي نشرها في كتبه التي بدأها بكتاب"سنة أولى سجن"والذي صدر عام خروجه، أي عام 1974، وكانت هذه السنة بالتحديد، وما قبلها بقليل، سنوات تصفية حساب قاسية وضاربة في عهد جمال عبد الناصر، لذلك وجدت كتابات مصطفى أمين وآخرين رواجاً شديداً. كان الموسم نموذجياً لتصفية حسابات كثيرة وكبيرة، وجاء على غلاف الكتاب:"والآن... تكلم مصطفى أمين"، إنه يفتح ثقباً في جدار السجن لكي نطل منه على الدنيا الأخرى، التي شهدته سجيناً تسع سنوات. فخلف الأسوار رأى مصطفى أمين العالم الآخر وراء الشمس: حيث المتهم قاضياً والقاضي أصبح متهماً والحقيقة متنكرة والناس يدخلون الزنزانة بلا إيصال، ويعترفون بلا جريمة ويموتون بلا شهادة. وطبع الكتاب في أيلول سبتمبر 1974 طبعة أولى، ونفد، وفي كانون الأول ديسمبر 1974 طبعة ثانية ونفد، وفي عام 1975 طبع ثلاث مرات ونفد، وراحت طبعات الكتاب تتوالى، وألحقها مصطفى أمين بكتب أخرى تحتوي رسائله من السجن إلى شقيقه والى سعيد فريحة وآخرين.
تمثل رسائل مصطفى أمين التي نشرتها جريدة"الحياة"أخيراً على مدى خمسة أيام أهمية بالغة لسبب أراه حيوياً، وهو إنها نشرت من دون أي تنقيح وإعادة صياغة من كاتبها، كما كان يفعل في رسائله التي نشرها عقب خروجه من السجن.
هذه الرسائل أفلتت من إعادة الصياغة، وبالتالي أفلتت من أي تزوير أو تزييف، أو تشويه، لتدل بشكل واضح وصريح على شخصية مصطفى أمين في السجن، وتصبح وثائق تاريخية نادرة ونقية من أي تشويش.
مع ذلك لاحظت بعض الملابسات التي تحتاج إلى تصحيح، منها أنه جاء في تقديم عزت صافي أن مصطفى أمين تم القبض عليه في 20 تموز يوليو 1965 والحقيقة أن توقيفه تم يوم 21 من الشهر نفسه. وهناك ملاحظة ثانية تتعلق بالرسالة الأولى التي جاء تاريخها 7 شباط فبراير 1970 ولابد أن يكون هذا التاريخ خطأ لأن مضمون الرسالة يتحدث عن رحيل عبد الناصر الذي وقع بعد ذلك بسبعة أشهر. أما الملاحظة الثالثة الشكلية فتتعلق بورود فقرة تقول:"في العدد الأخير من"المصري"الصادر في 16 تشرين الأول أكتوبر عام1970 وأظنه يقصد مجلة"المصور"حيث لم تكن هناك مجلة أو جريدة تحمل اسم"المصري"، في ذلك التاريخ. وعلى رغم أن هذه الملاحظات شكلية إلا أنها مربكة للقارئ لذلك لزم التنويه.
وكان من الضروري أن يتضمن تقديم عزت صافي هذا الحديث المطول عن علاقة محمد حسنين هيكل بالأخوين مصطفى وعلي أمين، لأنها كانت عاملاً أساسياً في تشكيل صورة الصحافة المصرية على مدى يقرب من النصف قرن. وانطوت تلك العلاقة على صراع شبه مكتوم أحياناً، معلن بوضوح في أحيان أخرى. وبالطبع كانت بؤرة الصراع هي القرب أو البعد من السلطة. فمنذ قيام ثورة 1952 كان قائدها جمال عبد الناصر قريباً من محمد حسنين هيكل، الذي يكاد يكون أحد صناع القرارات والصيغة الإعلامية التي ظهرت بها الثورة حيث كان شاباً طموحاً ومثقفاً ومحيطاً بشكل كبير بما يحدث في العالم، عبر عمله كمراسل صحافي في عدد كبير من المناطق الساخنة، ما أعطاه خبرة واسعة وفاعلة بإدارة العمل الصحافي، بالإضافة إلى أنه لم يكن ضالعاً في لعبة الصراعات التي كانت تجرى قبل 23 تموز 1952 بين الوفد"الحزب الأكثر شعبية"والقصر، على رغم أن مالكي ومديري دار"أخبار اليوم"الأخوين أمين، كانا غارقين لأذنيهما في مهاجمة حزب"الوفد"، لحساب القصر الملكي، ويكفي الكتاب الذي أصدره علي أمين"هكذا تحكم مصر"، وفيه تشهير علني وواضح وقاس بحزب"الوفد"، وبزعيمه مصطفى النحاس.
كان هيكل هو الأقرب من جمال عبد الناصر، واستطاع أن يكسب عطف الرئيس دائماً ومن دون أي تحفظات، وكان الحوار بينهما صريحاً وواضحاً، وإن كان القرار ? بالطبع ? للرئيس جمال عبد الناصر في النهاية، أما الأخوان أمين فكانا دوماً محل شك وريبة، لذلك قبض عليهما فور قيام الثورة، ولولا تدخل البعض لما خرجا من السجن، ليهتفا بأعلى صوتيهما تأييداً لجمال عبد الناصر وثورته. ولم تكن هذه الهتافات تمنع الرئيس من الشك في الأخوين دوماً، خصوصاً مصطفى الذي اتضح ولعه بالأميركيين في كتابه الأول"أميركا الضاحكة"الذي صدر في آب أغسطس 1944. ويرى البعض أنه ثمرة علاقة مبكرة ربطت صاحبه بالاستخبارات الأميركية ووصلت إلى ذروتها عند القبض عليه في منزله في الإسكندرية، مع رجل الاستخبارات المركزية الأميركية بروس تايلور أدويل.
مع ذلك نعتبر محمد حسنين هيكل ضالعاً في تثبيت تهمة"التجسس"على مصطفى أمين، لذلك تبدو الملاحظة التي وردت في المقدمة، والتي تقول إن هيكل: نأى بنفسه عن أن يصادق على التهمة أو أن يصدقها، فقد ترك الوثائق تتكلم، أما هو فقد ابتعد عن دور"القاضي"، الذي يتهم ويدين ويحكم وينفذ الحكم ملاحظة بعيدة عن الصحة، لأن العقل"عقل هيكل"والخطة التي اتبعها في سرد الوثائق"المالك الوحيد لها"، وتصنيفها، و التساؤلات والتأويلات والتحليلات كافة التي وضعها تدين مصطفى أمين بقوة، بل تمد التهمة إلى شقيقه علي أمين، على رغم كل ما أحاط بكتابه"بين الصحافة والسياسة"من عطف وتعاطف وعدم تصديق وذهول وأحياناً ذرف الدموع، والبكاء الحار، وإنفاق الأموال للدفاع عن السجين، والسماح لأسرتي الأخوين بالسفر إلى خارج البلاد، رغم أن ذلك ? كما يشير هيكل ? كان يضعه في موقف حرج تجاه السلطة، أو رجال السلطة، ماعدا عبد الناصر الذي كان يثق به ثقة مطلقة.
وأظن أن الصراع مع هيكل كان أحد الأسباب التي أوصلت مصطفى أمين إلى السجن. وهذا الصراع لم يكن صراع أشخاص بمقدار ما كان صراع توجهات، هذه التوجهات التي كانت ترتب شكل الصحافة ومضمونها. لهيكل دور كبير في تأميم الصحافة، وكان هذا التأميم إحدى الضربات الكبرى للأخوين"أمين"واستفاد منه هيكل بشكل كبير، إذ أتاح له الهيمنة على مؤسستي"الأهرام"و"أخبار اليوم"معاً.
وعلى رغم تعاقب رؤساء مجالس الإدارة على"أخبار اليوم"، من أمين شاكر وكمال رفعت وصولاً إلى خالد محيي الدين، وكلهم ضباط، أو كانوا ضباطاً، إلا أن هيكل كان يدير المؤسسة بشكل فعلي، على رغم نفيه ذلك في كتابه"بين الصحافة والسياسة".
وأظن أن هذا الصراع الذي كان يدور بقوة، ويجد مجاله الحيوي في الصحف والجرائد الأخرى المصرية كافة، وربما غير المصرية، حيث كانت مصر في تلك الفترة مركزاً قيادياً في العالم العربي، حسم لمصلحة محمد حسنين هيكل وتوجهاته التي كانت بالتأكيد هي توجهات جمال عبد الناصر على الوجه الأرجح، وكان هيكل يدفع بشكل شديد الذكاء لإيصال الأمور إلى حافة الهاوية، بل إلى الهاوية التي سقط مصطفى أمين فيها، بكل الإرث المرفوض"سلطوياً"وبكل الوثائق التي أوردها هيكل في كتابه"بين الصحافة والسياسة". وعلى رغم الوثائق التي تضمنها الكتاب، والإشارات والتأويلات التي تنتهي إلى أن مصطفى أمين وعلي أمين كانا"يتجسسان"ضد مصر، إلا أن هيكل كان يشير في بعض المواضع، إلى أنه لا يريد أن يقول كل ما عنده الآن، ولكنه يورد هذه الوثائق، وتلك الوقائع التاريخية لإيضاح حقائق لا يملكها إلا هو، ولدرء تهمة وجهت إليه، وهي أنه أحد الدافعين الأساسيين للزج بمصطفى أمين في السجن لذلك استخدم أرشيفه القوي والفريد في إطلاق نيران جديدة على صدر مصطفى أمين، والذي كان بدوره يتهم هيكل بالضلوع في إزاحته من على المسرح، و لم يرتح لهذه الإزاحة فحسب، بل عمل على تشويه تاريخ الأخوين بشكل كامل، منذ بدء عملهما في الصحافة، على رغم أن الأخوين"أمين"تركا بصمات واضحة في اداء هيكل الصحافي في بداياته وكان أول كتاب صدر له وهو"إيران فوق البركان"من دار"أخبار اليوم"، وفيه ملامح قوية تشي بمدرسة"أخبار اليوم".
مصطفى أمين الذي فقد أرشيفه، أو أنه لا يعتمد عليه، يقف بجمله وفقراته وشتائمه الاستثنائية، لكن هيكل الذي استفاد من الارشيف وذكائه القوي في الإطاحة بأمبراطورية الأخوين أمين الصحافية، وهيكل له يقين مخيف في إطلاق الحقائق مثلها يقرر بدقة شديدة في مقدمة كتابه"بين الصحافة والسياسة، أن أبطال مصر هم ستة لا غير: محمد علي وجمال عبد الناصر وأحمد عرابي ومصطفى كامل ورفاعة رافع الطهطاوي ومحمد عبده. هذا اليقين الذي حذف ونفى أبطالاً كثيرين مثل سعد زغلول ومحمد فريد وأحمد لطفي السيد وطه حسين وعباس العقاد، لم يمنع هيكل من أن يخطئ في عنوان كتاب مصطفى أمين الذي يورده"قصة فاروق الكاملة"وهو في الحقيقة عنوانه"ليالي فاروق"وصدر فور قيام ثورة تموز ليحكي"مهازل ومخازي"فاروق.
لذلك يحتاج الأمر إلى تأمل وتحليل وتأويل ما كتبه هيكل وأمين بحذر، وربط كل هذا بفكرة الصراع بينهما والذي يعد من أخطر الصراعات الصحافية في القرن العشرين.
* كاتب مصري
نشر في العدد: 16970 ت.م: 20-09-2009 ص: 10 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.