جمعية أسر التوحد تطلق أعمال الملتقى الأول للخدمات المقدمة لذوي التوحد على مستوى الحدود الشمالية    سلمان بن سلطان: نشهد حراكاً يعكس رؤية السعودية لتعزيز القطاعات الواعدة    شركة المياه في ردها على «عكاظ»: تنفيذ المشاريع بناء على خطط إستراتيجية وزمنية    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    "موسم الرياض" يعلن عن النزالات الكبرى ضمن "UFC"    رينارد يواجه الإعلام.. والدوسري يقود الأخضر أمام اليمن    وزير داخلية الكويت يطلع على أحدث تقنيات مركز عمليات 911 بالرياض    عمان تواجه قطر.. والإمارات تصطدم بالكويت    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان    الجيلي يحتفي بقدوم محمد    جسر النعمان في خميس مشيط بلا وسائل سلامة    تيسير النجار تروي حكاية نجع في «بثينة»    الصقارة.. من الهواية إلى التجارة    زينة.. أول ممثلة مصرية تشارك في إنتاج تركي !    "الصحي السعودي" يعتمد حوكمة البيانات الصحية    مستشفى إيراني يصيب 9 أشخاص بالعمى في يوم واحد    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    26 مستوطنة إسرائيلية جديدة في عام 2024    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    محمد بن سلمان... القائد الملهم    البرازيلي «فونسيكا» يتوج بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2024    برنامج الابتعاث يطور (صقور المستقبل).. 7 مواهب سعودية تبدأ رحلة الاحتراف الخارجي    العقيدي: فقدنا التركيز أمام البحرين    قطار الرياض.. قصة نجاح لا تزال تُروى    تعاون بين الصناعة وجامعة طيبة لتأسيس مصانع    5.5% تناقص عدد المسجلين بنظام الخدمة المدنية    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    غارات الاحتلال تقتل وتصيب العشرات بقطاع غزة    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    هجوم ألمانيا.. مشهد بشع وسقوط أبشع!    استراتيجية الردع الوقائي    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    سعود بن بندر يلتقي مجلس «خيرية عنك»    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يصلون مكة ويؤدون مناسك العمرة    القبض على شخص بمنطقة الحدود الشمالية لترويجه «الأمفيتامين»    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رعب "أنفلونزا الخنازير" يكشف الحاجة الى "المبدأ الإنساني" . والصين حمت نفسها بفضل قدرتها علمياً على إنتاج اللقاح
نشر في الحياة يوم 15 - 09 - 2009

الأرجح أن الجديد في وباء"أنفلونزا الخنازير"يتمثّل في اندلاع صراع دولي ضخم في مجال الوقاية من فيروس"أتش1 أن1"الذي يسبب تلك الانفلونزا، وتحديداً على وصول الدول الى كميات مناسبة من ذلك اللقاح. ليس صراعاً عبثياً. فمن المتوقع، بحسب"منظمة الصحة العالمية"أن يصيب ذلك الفيروس ثلث سكان الأرض، ما يوازي بليوني نسمة. ولأنه منتشر عالمياً، يصح أن تتوقّع كل دولة إصابة تلك النسبة تقريباً من سكانها. ويزيد من حدّة الصراع دولياً أن لقاح الوقاية من"أتش1 أن1"يجب أن يعطى في شكل منفصل عن لقاح الأنفلونزا الموسمية، ما يعني أن ثمة عبئاً هائلاً ينتظر أن تنهض به الهيئات الصحية لقيادة حملة مزدوجة ومُكثّفة من اللقاحات في الوقت نفسه. وكذلك تنبغي ملاحظة أن التلقيح يجب ألا يكون شاملاً للسكان كلهم، بل ان ذلك غير ممكن أصلاً حتى لو أُنتج اللقاح في موعده.
وتميل"منظمة الصحة العالمية"للتشديد على إعطاء الأولوية لتلقيح الحوامل والطواقم الطبية. وتشير هذه الأمور الى أهمية إعلان الصين، قبل بضعة أيام، عن اكتشافها لقاحاً يعمل من جرعة وحيدة. يكفي تخيل الصعوبة المضنية التي يتضمنها إعطاء جرعتين للقاح أنفلونزا الخنازير، إضافة الى لقاح الأنفلونزا الموسمية، في وقت واحد! الأرجح أن الصين أنقذت شعبها بفضل تقدمها في الطب، خصوصاً في صنع اللقاح. لنتخيّل لو أنها ليست متملكة من علم اللقاح وتقنياته، أي وطأة كانت لترزح تحتها حين يضربها وباء"أتش1 أن1"؟ ولكنها أنقذت نفسها بفضل العلم والتقنية. وحازت قصب السبق بإنتاج لقاح يعمل بجرعة مفردة، ومن دون إضافة مواد لتحفيز جهاز المناعة. وقرّرت تلقيح 65 مليون شخص بصورة فورية. كيف وقع النبأ في آذان المسؤولين العرب، أم أنها كانت تلك الصماء كالعادة؟ لكن تخلّف العرب في الطب واللقاح ليس سوى جزء من تخلّفهم المُركّب الذي يصل ذروته عندما يتصرفون وكأن التخلّف ليس موجوداً، بل وكأنهم أمم متقدمة في العلوم والتكنولوجيا لا يفصلها شيء عن مجموعة دول الثمانية الصناعية مثلاً!
وإذ يصل عدد سكان الدول العربية الى 350 مليون نسمة، فليس من المبالغة توقّع إصابة ما يزيد على مئة مليون شخص بأنفلونزا الخنازير خلال الخريف المقبل! ثمة صورة قاتمة ترتسم منذ الآن عن خريف قاسٍ عربياً في مواجهة الأوبئة.
وتحتاج الدول العربية الى رسم خرائط محلية وإقليمية عن انتشار فيروس"أتش1 آن1"، تنتبه إلى وصول الفيروس الى الانتقال الوبائي المباشر من انسان الى آخر فيها، بدل الاكتفاء بتعداد الحالات وفرزها بين"مقيم"و"وافد"مثلاً. كما يجب ربط حال الوباء مع الميزات العمرانية والاجتماعية والسكانية في تلك البلدان. وتفرض مسألتا الدواء واللقاح نفسيهما كأولوية. وتستدرجان النقاش في"المبدأ الإنساني"في التعامل مع مسألة شراء الأدوية، ومصير الأدوية المُخزّنة في ظل مقاومة الفيروس لبعض العقاقير، والطُرُق السليمة في تخطيط حملات التلقيح بمعنى توجيهها الى فئات مدروسة، والا تضيع هباء. وتكشف الجائحة مُجدّداً حاجة العرب الى صناعة اللقاحات، في ظل توقع تكاثر انفجاري للإصابات بجائحة فيروس"أتش1 أن1"، خصوصاً أنهم ليسوا ممن يصنعون اللقاح ولا يخوضون في علومه وبحوثه!
وعلى رغم تلك المعطيات، لم يتحرك العالم العربي بصورة مناسبة لحد الآن. ولم يتحرك وزراء الصحة العرب، ولا حتى على المستوى الاقليمي، للنظر في إملاءات الأرقام المتوقعة للموجة ولا لمحدودية قدرتهم على الوصول الى اللقاح. ولم تنشر دول العرب أرقاماً عمن يجب أن تشملهم حملات التلقيح، ولا عن الفئات التي يجب إعطاؤها الأولوية.
والحق أن هذا الوضع يلقي بأكثر من سؤال عن سريان المعلومات العلمية، في عزّ ثورتي المعلوماتية والاتصالات، خصوصاً بالنسبة الى تعامل العرب مع المعطيات المعقّدة لهذا العصر. فمثلاً، لم تتداول وسائل الإعلام بصورة كافية الأخبار عن تجاوز الإصابات في الولايات المتحدة المليون، إلى حدّ أن مسؤوليها يتحدثون عن ضرورة التركيز على مواجهة الوباء وليس إحصاء أرقامه.
ولعل أحد الدروس المستفادة من هذه الوقائع يتمثل في ضرورة سعي الدول العربية الى رسم صورة عن الوباء تُركّز على طريقة انتشاره، للتوصل إلى إجابة واضحة عن السؤال الآتي: هل إنه ينتشر بالانتقال المباشر من إنسان إلى آخر؟
التلقيح وحملاته الصعبة
ثمة خطوة عاجلة على وزارات الصحة العربية، ربما بمبادرة من الجامعة العربية، أن تقدم عليها: تنظيم قوي ومُركّز لحملات التلقيح ضد الفيروس.
وعلى غرار ما تفعله السلطات الصحية في الولايات المتحدة راهناً، تجب دراسة الفئات الأكثر تعرّضاً في العالم العربي، قبل إطلاق حملات التلقيح، وإلا فسيضيع الكثير من الجهود هباء، خصوصاً أن كميات اللقاح التي يتوقع أن تتوافر خلال الشهور القليلة المقبلة، قد لا تكفي لإطلاق حملات شاملة. وثمة أمر يجب التدبّر له بدقة، إذ يتوجّب على اختصاصيي الأوبئة العرب وضع ما يشبه"بروفايل"للموجة في بلادهم، مع التركيز على الطابع المميز للمجتمعات العربية عمرانياً وسكانياً وبشرياً، ثم اختيار الفئات التي يجب أن تعطى الأولوية في اللقاح. لا مجال للعشوائية والتخبّط في هذا الخصوص، وإلا فستنفلت موجة الوباء في شكل ربما فاق أكثر التوقّعات سوءاً!
صراع الشركات والدول على اللقاح
في سياق متصل، أعلنت شركة"سانوفي- أفنتس"أخيراً أنها تخطط لإعطاء"منظمة الصحة العالمية"قرابة مئة مليون جرعة لقاح ضد أنفلونزا الخنازير، لاستعمالها في بلدان في العالم الثالث لا تستطيع شراء كميات مناسبة من ذلك اللقاح. وربما يزيد العدد فعلياً عن ذلك. ففي التفاصيل أن الشركة التزمت بوهب 10 في المئة مما تُنتجه من لقاح لأنفلونزا الخنازير، لمصلحة"منظمة الصحة العالمية". وتتوقع الشركة ان تنتج ما يزيد على 800 مليون جرعة لقاح قريباً. وقد يرتفع ذلك الرقم إذا أُضيفت الى اللقاح مركبات مُساعدة "أدجوفنت"Adjuvang، التي تحفز جهاز المناعة عند متلقي اللقاح لمضاعفة أجسام مُضادة للفيروس بأضعاف ما يفعل اعتيادياً. ويعني ذلك أن جرعة اللقاح التي تضم كمية من فيروس"أتش1 أن1"جرى توهينها بحيث تُحدث رد فعل مناعياً ولكنها أضعف من أن تسبب مرضاً، التي تلزم لتنشيط مناعة الجسم وتدريبها على مواجهة فيروس الخنازير، تصبح أقل بكثير. ففي تلك الحال، تصير كمية الفيروس اللازم وضعها في جرعة اللقاح أقل بأضعاف. وفي المقابل، يصير ممكناً انتاج كميات مضاعفة أضعافاً من اللقاح، انطلاقاً من العدد نفسه من الفيروسات المُضعّفَة التي تُنتجها المختبرات. وإذا تضاعف ما ينتج من اللقاح، تصبح الحصة المخصصة كهبة الى"منظمة الصحة العالمية"أكبر كثيراً. وجاء ذلك الإعلان عقب هبة مُشابهة من شركة"غلاكسو سميث كلاين"، صرّحت عنها أثناء"قمة الصحة في المحيط الهادئ"التي التأمت في مدينة"سياتل"الأميركية أخيراً.
وفي المقابل، أبدى مدير متقاعد في احدى الشركات الغربية الكبرى للأدوية، تحفظّه عن تلك الهبات، مشيراً إلى أن البلدين اللذين تعمل فيهما شركة"سانوفي"وهما فرنسا والولايات المتحدة لديهما قوانين تمنع أن تعبر اللقاحات حدودهما، إلا إذا كانتا مكتفيتين من تلك اللقاحات، بمعنى الحصول على كميات منه تكفي لحماية شعبيهما. وقد تؤدي تلك القوانين الى إلغاء مفاعيل الهبات، إذا ارتفعت أرقام الاصابات في فرنسا والولايات المتحدة في شكل حاد في خريف العام الجاري. وفي سياق متصل باللقاح، عرضت شركة"غلاكسو كلاين"أيضاً على"منظمة الصحة العالمية"أن تحوّل هبة خمسين مليون جرعة من لقاح يفترض أنه يعطي وقاية من أنفلونزا الطيور، الى عدد مطابق من لقاح أنفلونزا الخنازير، الذي شرعت في صنعه أخيراً. وفي الصدد عينه، أوضحت شركة"نوفارتيس"أنها لن تقدم هبات من اللقاح، لكنها تعتزم بيعه بسعر منخفض لبلدان العالم الثالث.
ويبعث الأمر برسالة مهمة الى الدول العربية عن الطريقة التي تنوي فيها الحصول على تلك اللقاحات. وفي المقابل، فإنها تُجدّد السؤال عن سبب القصور العربي في مجال تلك الصناعة. فمع تتالي موجات الأوبئة، التي يبدو أنها تسير نحو تصاعد، تصبح مسألة صناعة اللقاح محلياً وإقليمياً مسألة تصنع الفارق في القدرة على حماية الناس أو عدمها.
وكذلك الأمر بالنسبة الى مسألة الأدوية الصِنفية، التي يجدر بالعرب وضعها على رأس جدول الأعمال، بدل الاكتفاء بالتهرب المستمر والحلول الوسطية في هذا المجال. وتعطي الحال اللبنانية مثالاً بيّناً عن الميل الى تلفيق الحلول. فقبل فترة، أُطلقت حملة يفترض أنها تسعى الى حماية الناس من الأدوية المُزوّرة، التي لا تحتوي مكوّنات فعالة والتي تشكل احتيالاً مكشوفاً. ولكن الحملة لم تفلح في التمييز بين الأدوية المُزوّرة والصِنفية! وأرضت الحملة الشركات الكبرى، وكذلك فإنها سارت في موقف ملتبس من الأدوية الصِنفية. وبديهي القول إن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمسك بالاقتصاد العالمي تجعل النقاش في البعد المالي للمسائل الصحية، مثل مواجهة وباء انفلونزا الخنازير، أمراً ملحّاً وأساسياً.
[email protected]
وهم الركون إلى الأدوية
تُشكل المقاومة للأدوية أحدث المشكلات في جائحة"أتش1 أن1". وثار قلق العلماء أخيراً من ظهور سلالة من الفيروس تظهر فيها مقاومة ذاتية للأدوية، ما يعني أن تركيبتها الجينية صارت منيعة حيال العقاقير المستخدمة في العلاج راهناً. وظهر هذا الافق عند ظهور إصابة ثالثة مقاومة لعقار"أوستلتاميفير"oseltamivir الذي يسوق تجارياً من قِبَل شركة"هوفمان لا روش"باسم"تاميفلو"Tamiflu في هونغ كونغ. وسبب القلق أن الحال التي ظهرت في كونغ هي لشابة 16 سنة كانت عائدة من الولايات المتحدة، واكتشفت إصابتها في المطار، إذ ظهرت عليها أعراض خفيفة لذلك المرض، حيث أُعطيت"تاميفلو"للمرة الأولى في حياتها. ولم تستجب حالتها للعلاج بذلك الدواء. ويعني ذلك ان الفيروس لم يطوّر مقاومته للدواء أثناء العلاج، بل أنه كان مقاوماً له عندما التقطته تلك الشابة. ويميّز هذا الأمر حالتها عن الحالتين اللتين سجلتا مقاومة الفيروس لل"تاميفلو"قبلاً في الدنمارك ثم اليابان، إذ تطوّرت مقاومة الفيروس في الحالتين كلاهما أثناء العلاج. واستخلصت اختصاصية في الفيروسات تعمل في"منظمة البحوث العلمية والصناعية في بلدان الكومنولث"في أستراليا، أن هذه الحال مدعاة للقلق، لأنها تعني أن الفيروس منيع أمام الدواء، إضافة الى كونه جديداً على البشر، ما يعني أن الناس لا تملك مناعة ضده أيضاً، مع العلم ان الأمر يتصل بسلالة منتشرة في كاليفورنيا، حيث التقطت الشابة الفيروس قبل سفرها من مطار"سان فرانسيسكو"قاصدة هونغ كونغ. ويلاحظ أن سلالة مُقاومة للأدوية ظهرت في بلد يحتمل وجود مليون إصابة فيه، ما يعني أن تأثيره على مجمل جائحة إنفلونزا الخنازير ومسارها قد يكون ضخماً وخطيراً، خصوصاً إذا ارتفعت نسبة الفيروسات المقاومة للأدوية في مسار هذه الجائحة، التي تتجه راهناً لملاقاة الإنفلونزا الموسمية، في مطالع الخريف. وثمة رسالة مهمة للعرب في هذه المسألة. إذ جمعت الدول العربية كميات هائلة من عقار"تاميفلو"، بحيث بات لديها مخزون لملايين الجرعات من ذلك العقار. يكفي القول إن دولة مثل مصر، على رغم ضائقتها اقتصادياً، تختزن ثلاثة ملايين جرعة من"تاميفلو". لقد باتت مخزونات العرب من الأدوية التي يفترض أنها تعالج"أتش1 أن1"مُهدّدة بالتحوّل إلى فوائض لا فائدة منها. ولا يقتصر الأمر على الأموال الضخمة التي أنفقت في شرائها، وكذلك في التعاقد على شراء المزيد منها، بل يتعداها الى سقوط أحد خطوط الدفاع الأساسية التي كانت تعطي الكثير من العرب إحساساً بالأمان، ربما أصبح زائفاً راهناً. لا تملك الأجساد العربية القدرة على مقاومة فيروس"أتش1 أن1"، لأنه فيروس جديد عليها، ولا تملك الأدوية التي تعالجه!
معلومات أساسية
سلم لدرجات الوباء، بحسب"منظمة الصحة العالمية"
الدرجة الأولى: فيروس ينتقل بين الحيوانات ولا يصيب البشر.
الدرجة الثانية: فيروس يصيب الحيوانات، لكنه ينتقل إلى البشر ليسبب إصابات بدرجة متصاعدة بين البشر.
الدرجة الثالثة: فيروس يصيب الحيوانات، وينتقل الى البشر مسبباً أعداداً كبيرة الى مستوى وبائي بين البشر، لكنه لا يسجل انتقالاً من البشر الى البشر.
الدرجة الرابعة: فيروس ينتقل من عالم الحيوان، ويصير وباء بين البشر، بمعنى قدرته على الانتقال مباشرة من إنسان إلى آخر، مسبباً أعداداً متصاعدة من الإصابات في البشر.
الدرجة الخامسة: الفيروس الذي ينتقل الى البشر من الحيوانات ثم ينتقل بثبات من إنسان إلى آخر في شكل وبائي، يأخذ في عبور الحدود الجغرافية بين الدول، مسجلاً اصابات في أكثر من منطقة جغرافية.
الدرجة السادسة: الفيروس الذي ينطلق من الحيوانات ويصير وباء ينقله البشر إلى بعضهم بعضاً وبائياً، يشرع في الانتشار في أكثر من دولة وفي غير منطقة جغرافية، فيصيب دولتين على الأقل في نصفي الكرة الأرضية الشمال والجنوب. لقد صار جائحة.
كرونولوجيا لأوبئة فيروسات الخنازير
1903: اكتشاف سلالة فيروس"أتش2 آن3".
1918-1919: أضخم وباء انفلونزا تاريخياً، سبّبته سلالة"أتش1 آن1"، مع مصرع قرابة 50 مليون شخص.
1933: عزل أول سلالات"أتش1 آن1".
1957-1958: انفلونزا"أتش2 آن2"تنطلق من جنوب الصين، وتقتل 750 ألف شخص عالمياً.
1968-1969: انفلونزا فيروس"أتش3 آن2"، تنطلق من هونغ كونغ وحمل اسمها، لتقتل700 ألف شخص عالمياً.
1977: فيروس مزيج من سلالتي"أتش1 آن1"و"أتش3 آن2"، انتتشر عالمياً باسم"الإنفلونزا الروسية"على رغم انطلاقه من الصين، لكنه لم يكن قاتلاً.
1997: مقتل ستة أشخاص بسبب"أنفلونزا الدجاج"في هونغ كونغ.
1999: إصابة أطفال بفيروس"أتش9 آن2".
2003: وباء انفلونزا الطيور ينطلق من الصين، ويقتل 257 شخصاً، وما زال خطره ماثلاً.
: أول جائحة فيروسية في القرن 21 بجديد من فيروس أنفلونزا"أتش1 آن1"يمثّل مزيجاً من 4 سلالات هي انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير في أميركا الشمالية وأنفلونزا الخنازير في آسيا وأوروبا، والانفلونزا الموسمية البشرية.
الوقاية
في حال الإصابة، البقاء في المنزل وعدم الذهاب الىالعمل أو الى المدرسة، والحد من الاقتراب من الآخرين.
وضع مناديل على الفم والأنف عند العطس أو السعال. استعمال مناديل ورق والتخلص منها في سلة النفايات.
المواظبة على غسل اليدين بالماء والصابون، خصوصاً بعد العطس والسعال. استعمال المواد المُطهّرة.
تجنّب لمس العين والأنف والفم. تجنّب مصافحة الآخرين ومعانقتهم وملامستهم. تجنّب التجمعات مثل محطات المترو والقطارات. تجنّب المستشفيات والمراكز الطبية إلا في الحالات الطارئة.
دروس مهمة من المواجهة الأميركية مع الوباء
ليس رجماً بالغيب القول ان الإصابات بأنفلونزا
الخنازير في الولايات المتحدة، باتت ترصد بأرقام مليونية. ربما بدا الأمر مستغرباً للبعض بالنظر الى قلة التداول إعلامياً بهذا الرقم الرهيب. وفي المقابل، يورد الموقع الإلكتروني ل"الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم"أن ذلك الرقم يمثّل ما توصلت إليه"مراكز ترصّد الأمراض والوقاية منها"مقرها أتلانتا، وتعرف باسمها المختصر"سي دي سي"CDC التي تعتبر من المراجع البارزة علمياً في شأن الأوبئة. ففي أواخر شهر حزيران يونيو الفائت، أبلغت"سي دي سي"هذا الرقم الى"اللجنة الاستشارية عن ممارسات التلقيح"، وهي هيئة حكومية، خلال لقاء مشترك في"أتلانتا"استمر 3 أيام للبحث في ذلك الوباء. وجاء الرقم المليوني بناء لدراسة دقيقة للنماذج الإحصائية عن الوباء، أكّدت أن عدد الإصابات أميركياً يصل الى المليون، ما يفوق في شكل هائل الأعداد الرسمية المعلنة. وخلصت اللجنة الى التوصية بالتركيز على الوقاية من الوباء من خلال التلقيح، على رغم عدم توافر اللقاحات راهناً، مع التشديد على ضرورة تركيز تلك الحملات على المراهقين والحوامل والمصابين بأمراض مزمنة مثل السكري والربو. والمعلوم أن إدارة الرئيس باراك أوباما خصّصت أخيراً 9 بلايين دولار لمكافحة وباء"أتش1 آن1"، ستنفق خصوصاً على شراء للقاحات والأدوية والمستلزمات الطبية في مواجهة وباء سريع الانتشار.
وعقب إعلان الرقم المليوني المتصل بالإصابات في الولايات المتحدة، عقدت أني سكوشات، مديرة"المركز الوطني الأميركي للتلقيح والأمراض التنفسية"مؤتمراً صحافياً، عقب اختتام لقاء"اللجنة الاستشارية..."ومراكز"سي دي سي"، وصفت فيه الرقم الرسمي للإصابات في أميركا أكثر من 27 ألف إصابة حينها بأنه أقل من الواقع بكثير، بل أعتبرت أن رقم مليون إصابة قليل أيضاً! وأشارت سكوشات إلى أن معدل عمر المصابين أميركياً هو 19 سنة، في ما يبلغ معدل أعمار الوفيات نتيجة هذا الفيروس عينه 39 سنة الذي يعتبر عمراً يافعاً بالنسبة للوفيات من أوبئة فيروسية.
إذن، لنترك النقاش الغرائبي الذي انخرط فيه كثيرون من طريقة تصرف"منظمة الصحة العالمية"في شأن الإعلان عن وصول الوباء إلى مرحلة الجائحة. ولم تتردد مجلة علمية رصينة مثل"ساينس"عدد منتصف حزيران في نقد تلكؤ المنظمة في الإعلان عن وصول الوباء الى مرحلة الجائحة، واصفة التلكؤ بأنه نموذج من تمازج السياسة والعلم والديبلوماسية والاقتصاد. لنترك أيضاً تلك النظرية التي أطلقها الاختصاصي الاسترالي أدريان غيبس، عن احتمال ظهور فيروس"اتش1 آن1"الذي يجمع في تركيبه خليطاً غير مألوف من أنفلونزا البشر والطيور والخنازير الأسيوية والأميركية بأثر من خطأ في صنع لقاح الأنفلونزا الموسمية للبشر والدواجن والخنازير في أحد المختبرات، على رغم أن تلك النظرية حرّكت شهية أصحاب مخيلات"نظرية المؤامرة". لنول إنتباهاً أكبر إلى ما لم يلتفت اليه الإعلام عربياً وعالمياً: أن الدولة الأكثر تقدماً في العلم والإمكانات، لم تفلح في كبح جماح الموجة الراهنة، وأن الأرقام الرسمية الصادرة عنها...ليست موثوقة! وليس من المفهوم أن تعمد دولة بمثل هذه القوة والتقدم إلى ذلك الإجراء. ومن المثير أن يصمت الإعلام العام صمتاً ثقيلاً عن تلك الواقعة. واستطراداً، فإنها تمثّل التحدي الثاني لمبدأ الشفافية الذي رفعه أوباما طويلاً، بعد تراجعه عن الوعد بنشر الصور عن حقيقة عمليات التعذيب التي مورست في"غوانتانامو". أليس مثيراً للقلق غياب الشفافية إلى هذا الحدّ؟
وكيف نستغرب مظاهر عدم الثقة بالعلوم، كحال التشكيك في الهبوط على القمر أو رواج نظريات مؤامرة بصدد انتشار فيروس الخنازير، إذا كانت الأرقام الأولية عن وباء شديد الظهور، تعاني من الضبابية وعدم الانضباط علمياً؟
بيّنت دراسة نشرت في مجلة"نيو إنغلاند جورنال أوف مدسن"، أن شركة"سي.إس.إل"الأسترالية نجحت في إنتاج لقاح ضد أنفلونزا الخنازير يعطي حماية للبالغين ضد فيروس"أتش1 أن1"بجرعة مفردة. ويأتي الإنجاز الاسترالي ليؤكّد تقارير صدرت الأسبوع الماضي من شركتي"نوفارتيس"السويسرية و"سينوفاك الصينية"عن توصّلهما الى لقاح يعطي حماية من جرعة وحيدة.
وأعلنت شركة"سي.إس.إل" أن 15 ميكروغراماً من اللقاح الذي لا يستخدم مادة مستقلة لتحفيز جهاز المناعة، أنها أجرت دراسة على عينة من240 بالغاً، فتحقّقت الوقاية المطلوبة في 95 في المئة منهم. وفي المقابل، أجرت شركة"نوفارتيس"بحوثها، التي كشفت عن نتائجها الأسبوع الماضي، في جامعة"ليستر"البريطانية. وشملت 175 مريضاً. واستخدمت فيها لقاحاً من جرعة وحيدة تبلغ 7.5 ميكروغرامات، ما يعادل نصف جرعة لقاح الأنفلونزا الموسمية التقليدية.
نشر في العدد: 16965 ت.م: 15-09-2009 ص: 27 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.