جذبت قصة التوصّل الى لقاح يعطى بجرعة مفردة ويعمل بفعالية ضد أنفلونزا الخنازير، الكثير من الإهتمام في وسائل الإعلام أخيراً. وتناوبت شركتا «نوفارتيس» السويسرية و «سينوفاك» الصينية، المتخصّصتان في صناعة الأدوية، على تبني الإعلان عن ذلك اللقاح. وبعدها، دخلت الأمور في لغط كبير. وابتدأت القصة بأن أعلنت شركة «نوفارتيس» أن جرعة وحيدة من لقاح أنفلونزا الخنازير الذي ابتكرته كفيل بأن يحمي من فيروس «أتش1 أن1» الذي يسبّبها. ويعني ذلك أن الكميات التي أنتجت من اللقاح، بإمكانها أن تحمي أعداداً مضاعفة من الناس. ولفتت «نوفارتيس» إلى أن جرعة مفردة من لقاح «سيلتورا» ضد فيروس «أتش1أن1» المعزّز بمركّب مُساعِدٍ لتحفيز جهاز المناعة، قد أعطى التأثيرات المرجوة على 80 من أصل مئة شخص متطوّع خضع للاختبار. وبحسب تقديرات «منظمة الصحة العالمية»، لربما يصيب فيروس أنفلونزا «أتش1أن1»، بليوني شخص. والمعلوم أنه أُعلن وباءً عالمياً (جائحة) في 11 حزيران (يونيو) الفائت. ولأن الفيروس يمثّل سلالة جديدة، أعلن خبراء الأمراض المُعدية أن الأشخاص في حاجة إلى جرعتين كي يكتسبوا مناعة كاملة ضد الفيروس. وبيّنوا أنهم يعملون على تسريع برامج اللقاحات بما أن الطقس بدأ يبرد في نصف الكرة الأرضية الشمالي، ما يعني أن موسم الأنفلونزا التقليدية على وشك أن يبدأ. وفي وقت متقارب، أعطت السلطات الصحية في الصين الضوء الأخضر لشركة «سينوفاك» التي قالت أيضاً ان جرعة وحيدة من اللقاح الذي صنعته لمكافحة فيروس «أتش1 أن1» كافية للحماية من الفيروس. وللإيضاح، تعتبر «سينوفاك» ذراعاً محلية لشركة «نوفارتيس» العملاقة، لكنها تمتلك بعض الاستقلالية عنها. وأعلنت الشركة الصينية أن لقاحها لا يحتاج إلى وجود عنصر مساعد كي يبدأ في حماية الجسم من الفيروس. وقال كارل هاينز كوش وهو محلّل في شركة «هلفيا» السويسرية للأدوية: «يعتبر التوصل الى لقاح فعّال من جرعة مفردة، خبراً ساراً، خصوصاً أن النتائج أجريت على الراشدين وهي الفئة العمرية التي سُجلّت فيها أعلى أرقام الإصابة في موجة أنفلونزا الخنازير. كما أن هذه الخطوة تساهم في تعزيز توافر لقاحات الأنفلونزا في الموسم المقبل، حيث من المتوقع أن يتفشى فيروس أتش1 أن1». للحذر موجباته أيضاً في المقابل، فضّل بعض خبراء الصحة أن يبقوا حذرين حيال الإعلان عن اللقاح. وقال غريغوري هارتل المتحدث باسم «منظمة الصحة العالمية»: «لا نملك التفاصيل الكاملة بعد. وتبدو هذه النتائج مشجعة، اذ ان لقاحاً يعطي مفعوله من جرعة وحيدة يعني مضاعفة عدد الجرعات الكلية المتوافرة في الوقت الحاضر». وأشار الدكتور توماس فريدمان، مدير «مراكز ترصّد الأمراض» في الولاياتالمتحدة، إلى أن لقاح شركة «نوفارتيس» يستخدم عنصراً مساعداً اسمه «أم أف 59»، مبيّناً أن الولاياتالمتحدة ستستخدم اللقاحات الخالية من العنصر المساعد. والمعلوم أن من الأسهل والأسرع صناعة اللقاحات التي تصنع بالارتكاز الى خلايا تتكاثر في أطباق المختبر، على غرار لقاح «نوفارتيس»، بالمقارنة مع صنع لقاحات الأنفلونزا التقليدية التي تزرع في بيض الدجاج. ولا تملك الشركة السويسرية سوى كمية محدودة من اللقاحات، لا تفي إلا بثلث الحاجات المتوقعة من اللقاح. وقالت «نوفارتيس» ان التجربة التمهيدية للقاح «سيلتورا» أجريت على 100 متطوّع تحت إشراف جامعة «ليستر» البريطانية. وأظهر المتطوعون استجابة مناعية، مع حماية من الفيروس بنسبة 80 في المئة عند من تلقوا جرعة وحيدة. ووصلت الحماية الى أكثر من 90 في المئة عند الذين حقنوا بجرعتين. وتجري راهناً دراسات أخرى على 6 آلاف راشد وطفل. وفي المقابل، كانت «سينوفاك» أول شركة أنهت التجارب السريرية. وحصلت على موافقة وزارة الصحة الصينية لإنتاج لقاح لفيروس «أتش1أن1»، ما رفع التوقعات للمبيعات السنوية. ويشكك بعض الخبراء في نتائج الشركة الصينية، التي لم تبادر الى نشر المعطيات الكاملة عن تجاربها. وفي أحاديث صحافية، قال فريدمان: «نتطلع للحصول على المعطيات من الصين ومن أي مكان آخر حول فاعلية اللّقاح». وارتفعت أسهم «سينوفاك» بنسبة 16 في المئة فوصلت إلى 9.90 دولار، فيما انخفضت أسهم «نوفارتيس» بنسبة 0.8 في المئة لتبلغ 48.62 فرنك سويسري. مكاسب مفاجئة وتعمل شركات الأدوية الأخرى، مثل «سانوفي أفنتيس» و «غلاكسو سميث كلاين» و «ميد إيميون» (تابعة لشركة «أسترا زينيكا») على تطوير لقاح لمكافحة فيروس «أتش1أن1». وتتنافس الحكومات في الحصول على مخزونات كافية من اللقاحات ضد أنفلونزا الخنازير. ولا تزال التجارب السريرية الهادفة إلى معرفة كمية الجرعة المطلوبة، مستمرة في الولاياتالمتحدة وأستراليا وأوروبا. وفي الوقت الحاضر، تعمل شركة «سي أس أل» في أستراليا على إنتاج لقاح ضد «أتش1أن1». وقد تنتج ما يتراوح بين 1 و1.5 مليون جرعة في الأسبوع لتغطية كل الطلبيات. وفي السياق عينه، برز طلب مرتفع على الأدوية المضادة للفيروس مثل «ريلنزا» الذي تصنعه شركة «غلاكسو» و «تاميفلو» الذي تصنعه شركة «روش» السويسرية. والمعلوم أن هذه الأدوية تساعد في علاج الأنفلونزا، لكنها لا تكسب مناعة ضدها. وستساهم المبيعات إلى الحكومات في درّ مردود وربح لا مثيل له لعدد من مصنعي الأدوية في هذا العام وفي عام 2010. وقال يين ويدونغ المدير التنفيذي في شركة «سينوفاك»: «توقعنا في بداية هذا العام أن تزداد مبيعاتنا بنسبة 20 في المئة. وإذا ما نظرنا إلى الأمور حالياً، فقد أعطانا «أتش1أن1» فرصةً فريدة لتقفز مبيعاتنا فوق نسبة ال20 في المئة». يُشار إلى أن من المستطاع حقن لقاحات «أتش1أن1» بمعزل عن جرعات الأنفلونزا الموسمية العادية. القسم العلمي - بالتعاون مع «مركز الترجمة» في «دار الحياة»