تدلّ المعطيات والنتائج الأولية التي أحاطت بالقمة الثنائية التي جمعت، الثلثاء في 16 آب (أغسطس) الماضي، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل، على أن اقتصادات دول منطقة اليورو، في طليعتها الأقوى، أي فرنساوألمانيا وحتى بريطانيا، تقترب من الخطوط الحمر. فلم يعد الأمر يتعلق بشائعات راجت أخيراً حول نية إحدى الوكالات العالمية خفض التصنيف الائتماني لفرنسا وهو AAA، ولا «بالدس» على مصارفها الكبرى ك «سوسيتيه جنرال» أو «بي إن بي باريبا» عبر تسريب معلومات خاطئة عن خسائرها الهائلة، بل بات يتعلق بتوسيع رقعة المشكلات المالية وتنوعها، أي إذا لم يتم إيجاد الحلول الناجعة لها بسرعة، فإن اقتصادات أوروبا ستصبح مهددة، منفردة أو مجتمعة. وبالتالي، فإن الأزمة المالية الجديدة التي سيشهدها العالم ستأتي هذه المرة من أوروبا وليس من الولاياتالمتحدة. إن الدليل على هذه التوقعات هو إسراع كل من ساركوزي ومركل للاجتماع في وقت يتدهور معدل نمو اقتصاد بلديهما بحدة كي يصل، للمرة الأولى، إلى عتبة الصفر في المئة نهاية تموز (يوليو) الماضي. فلقد وضع المسؤولان الأوروبيان وجهات نظرهما المتباينة في شأن الدعم المالي لاقتصادات بلدان أوروبا المتعثرة كاليونان والبرتغال وإرلندا جانباً، وتقدما في المقابل بجملة اقتراحات تحمل برأيهما الحلول لإبعاد شبح الخطر عن اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي عن عملته الموحدة. وجاء الاقتراح المشترك لساركوزي ومركل بفرض ضريبة على التعاملات المالية، ما اعتبرته الأوساط المالية الأميركية قبل إغلاق بورصة «وول ستريت» مساء القمة الثنائية، بالغامض حتى اللحظة، لأن الطرح لا يحدد القيمة المالية ولا آليات تطبيق هذه الضريبة بوضوح ودقة. أما بالنسبة للنتائج الأخرى لهذه القمة التي حملت عنوان معالجة أزمة الدين في منطقة اليورو، وتمثلت بسلسلة من الاقتراحات التي وفق وزراء مال كل من ألمانياوفرنسا، تهدف إلى اتخاذ إجراءات متطابقة لناحية تكافؤ الموازنات بين الدول الأوروبية، فيبدو أنها لم تقنع الأسواق المالية. فمؤشرات هذه الأخيرة لم تقفز كما كان توقع بعضهم ولن تسمح والحالة هذه، بامتصاص الخسائر المتفاقمة على مدى الأسبوعين الماضيين. لكن هذه الاقتراحات لم تكن مطلقاً على الموعد المنشود. ولم يكن رد الفعل على الدعوة لاعتماد «القاعدة الذهبية» التي ستقترحها ألمانياوفرنسا على 17 دولة أوروبية قبل صيف 2012 حول تكافؤ الموازنات وتسجيل هدف خفض العجز المالي في الدساتير الأوروبية، مقنعاً بما فيه الكفاية. كما أن درس فكرة فرض ضريبة مشتركة على الشركات الفرنسية والألمانية بدأ في العام ذاته من حيث آلياتها ونسب الفائدة، التي لم تلقَ هي الأخرى الصدى الإيجابي المطلوب. من ناحية أخرى، لم تبدُ أية حماسة لناحية الاقتراح بإنشاء «حكومة اقتصادية أوروبية» يقودها الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبيوي، والتي ستجتمع مرتين في السنة. كما ترك إسقاط فكرة إنشاء سندات خزينة أوروبية مشتركة والتي كثر الحديث عن اعتمادها في الآونة الأخيرة، والتي حاولت أطراف أوروبية جاهدة لوضعها على جدول أعمال القمة الألمانية – الفرنسية، بحجة كونها لا تشكل الأداة لحل مشكلة الدين السيادي الذي يهدد اقتصادات دول منطقة اليورو، أثرا سلبياً في الأسواق المالية والمستثمرين فيها. إن عقد القمة والنتائج الصادرة عنها عبر هذه الاقتراحات التي ستتطلب وقتاً وموافقة الدول الأوروبية الأعضاء، يعني أن اقتصادات منطقة اليورو تقترب من عين العاصفة. لكن الشيء الإيجابي هو أن السلطات السياسية والنقدية بدأت تعي جدياً حجم الخطر المقبل وتسعى إلى الحؤول دون وقوعه، في شكل مشترك. إذ لم يعد أمامها الآن سوى مناقشة الحلول على المديين المتوسط والطويل، وعدم الاكتفاء بتلبية مطالب الأسواق المالية كما هو حاصل. فلم يعد هنالك سوى خيار واحد، هو تحسين مستوى الحوكمة في هذه المنطقة. في هذا السياق يرى بعض المحللين الماليين في أوروبا أن المسألة لم تعد تكمن في معرفة مدى ضرورة العملة الأوروبية الموحدة. فاليورو موجود ومطلوب اليوم دعمه وتفادي أزمة مصرفية يمكن أن تصبح بعيدة كلياً عن السيطرة. عندها سينهار النظام المالي العالمي وسيغرق الاقتصاد في حالة تباطؤ عميقة. باختصار، لم تعطِ قمة ساركوزي - مركل أجوبة شافية من خلال مقترحاتها المعروضة، لأنها لم توضح ما فيه الكفاية كيفية خفض الدين. كما أنها في وقت اقترحت فرض ضريبة على الشركات والتعاملات المالية من دون تحديد القيمة والحجم، تجنبت الحديث عن الضريبة التي يتوجب فرضها على الأغنياء الذين يتهربون من دفع ضرائبهم الهائلة على الدخل. من جهة أخرى، لا يمكن مساعدة النمو الاقتصادي وإخراجه من خط الصفر إلا بتقليص نسبة الضرائب على أجور الطبقات الوسطى والفقيرة، وزيادتها على الثروات الكبيرة. و أخيراً لا يجوز الرهان على عودة الانتعاش الاقتصادي بفرض مزيد من التقشف على الموازنات. * مدير مؤسسة «ساغا» للاستشارات الاقتصادية - باريس