رحلت الفنانة اللبنانية سلوى القطريب اثر اصابتها بجلطة دماغية أول من أمس، بعدما أمضت أسبوعها الاخير في العناية الفائقة في احد مستشفيات بيروت، عن عمر ناهز 59عاما. ما الذي يمكن أن يحدثه موت فنانة بمستوى سلوى القطريب ، وفي هذا"العمر"الذي يأتي فيه الموت مفاجئاً، مع أن لا مفاجأة في الموت الذي يحضر من حيث لا ندري ونحن ندري جيداً أنه يحضر باستمرار؟ وما الذي يمكن أن يميت فنانةً عاشت عزّاً طيباً ثم من حيث لا تدري توقفت عن العزّ أو أوقفوها عنه على حين غرّة، غير هذا الإيقاف بالذات. لقد ماتت سلوى القطريب حزينة طبعاً. حزينة وغريبة. حزينة وغريبة ورافضة طبعاً. إنه الرفض الصامت، تحديداً الرفض القاتل. جاءت الى المسرح الغنائي من روميو لحود. روميو نفسه الذي جاء الى المسرح الغنائي بشخصيات كثيرة، غالبيتها استمر وعاش. جاءت محملة بأحلامٍ لا تحصى، وبقلب كبير وعقل متفتح وصوتٍ كان للمنافسة. للمنافسة بالتحديد. فروميو الذي أطلق أصواتاً ونجح على رغم وجود منافسة طاحنة في زمن ضجيج المسرح الغنائي والمهرجانات الكبيرة وانفتاح البلد على مساحات الإبداع المتنوِّع، هو رجل مغامرة بامتياز. كان يرى في المواهب ما لا يراه آخرون. كان يصطاد المواهب اصطياداً. وقد وقعت موهبة سلوى القطريب بين يديه الموقع الجميل. سكب صوتها في قوالب غنائية عدّة، جعلها ممثلة، كتب نصوصاً مسرحية وأغاني وأدواراً أدائية لها هي بالذات، وحرّرها من خجل مقيم في شخصيتها. حرّرها لتطير على الخشبة. وطارت. ولعل الخجل هو الذي أثمر تعويضاً بثقة عارمة في النفس، فأصبحت لسلوى مكانة الأوائل المحترمين. سلوى القطريب هي ابنة الموسيقي المعلِّم صليبا القطريب الذي كانت رنّات عوده تملأ الأستوديوات والسهرات والحفلات الراقية، وتملأ الكتب التي كانت تدرِّس أسلوبه. سلوى ابنة هذا... العود، سلطنت عليه طويلاً في زمن الصبا والنضج، وعندما تزوجت بناهي لحود، شقيق روميو، لم يكن الغناء سبباً. كان الحب. إلا ان الحب تفجّر أيضاً غناءً في البيت، قبل أن يقنع روميو زوجةَ شقيقه بأن الغناء على المسرح يوصل الصوت والموهبة والرسالة أبعد. وعندما اقتنعت سلوى، كان النص حاضراً، فتقدمت سلوى عبره الى الأضواء. وكان احتفال كبير في الإعلام، أن نجمة غنائية ولدت من بنات أفكار روميو لحود، وليست كأي نجمة عابرة، بل كنجمة نجمات. يشعر ابن أو ابنة المسرح الغنائي والاستعراضي في لبنان، بنسبة من التفوق على الآخرين. ذلك أن أداء أغنية هنا أو أغنية هناك في حفلة هنا أو هناك، ليس"شيئاً"أمام أداء مسرحية غنائية: هذا في حساب الصوت القدير، وحتى في حساب الجمهور أيضاً، فضلاً عن حساب الإعلام. هناك تقدير أكبر لفنان المسرح الغنائي والاستعراضي في أغلب العيون، نظراً لمتطلباته غناءً وأداءً ورقصاً وحضوراً. نوع المسرح الغنائي يفرض احتراماً جدياً. وسلوى نالت شرفاً عندما أحبّها المسرح والجمهور والإعلام، كما أحبّها فنانو تلك المرحلة الذهبية، وهذا صعب. انطفأت سلوى فنياً قبل أن تنطفئ جسدياً. روحها في الفن احترقت قبل أن يحرقها البيت والعزلة. وراحت... نشر في العدد: 16772 ت.م: 06-03-2009 ص: 27 ط: الرياض